في وقت ينشغل فيه العالم بالتطورات المتسارعة في أوكرانيا وصورة المتحدي التي ظهر بها بوتين، سواء لحلف شمال الأطلسي "الناتو" أو بشكل شخصي لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، حين أعلن اعترافه بجمهوريتي لوهانسك ومينتسك، هذا الإعلان الذي من شأنه أن يعيد الاصطفافات الدولية بما يذّكر بالحرب الباردة وربما ما يشبه بدايات الحرب العالمية الأولى.
تنتظر إيران عند خط النهاية الفائز من هذا التصعيد سواء كان الأميركان وأصدقاؤهم الأوروبيون أم روسيا التي أعلنت تحديها للجميع.
بدايةً يكمل بوتين استراتيجيته التي بدأت في سوريا عبر التدخل بذريعة دعوته من قبل حكومة / شرعية / عقد معها اتفاقية تعاون أمني وعسكري، وهو ما عمل عليه عبر الاعتراف بالجمهوريتين تمهيداً لضمهما للاتحاد الروسي واتخاذ ذلك ذريعة للضغط على الغرب وأوروبا، حتى اللحظة يبدو بوتين يسبق الطرف الآخر بخطوة وينتظر ردة فعلهم ليقرر خطوته اللاحقة.
هذه الاستراتيجية أتت أُكلها في تحجيم نطاق الحلفاء للولايات المتحدة بسبب تخوف هذه الدول من ردة فعل روسيا في حال حدوث اصطفاف حاد لها، خاصة مع رؤيتها بضعف الموقف الأميركي الداعم لأوكرانيا والذي اقتصرت ردة فعله حتى اللحظة على عقوبات على الجمهوريات الجديدة مما يذكر بما حدث في أوسيتيا الجنوبية.
من هذا المنطلق رفضت السعودية طلب الإدارة الأميركية زيادة إنتاج النفط بذريعة الالتزام باتفاقات أوبك، كذلك رفض الجزائر زيادة توريد الغاز لأوروبا بذريعة عدم جاهزية البنى التحتية، هذا الخوف من الاصطفاف ترك المجال مفتوحاً، لوجود إيراني واضح وذلك من خلال حاجة الولايات المتحدة لضبط أسعار النفط والغاز مما سيعجل بتوقيع اتفاق مريح لإيران، وهذا ما بدا في زيارة الرئيس الإيراني رئيسي للدوحة وتوقيع اتفاقيات تجارية كخطوة بناء ثقة من الولايات المتحدة لإيران، إذاً إيران مستفيدة من أزمة الطاقة وإذا استمر الوضع بالتأزم سنشهد إسراعا بالإفراج عن الأموال الإيرانية والسماح لها ببيع النفط والغاز، بالمقابل تحافظ إيران على علاقتها مع روسيا كحليف في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في سوريا وبالتالي يتفق الإيرانيون والروس كثيراً في استراتيجية الضغط على الولايات المتحدة في سوريا والاستفادة من انسحابها منها في حال تم ذلك من قبل إدارة بايدن.
التردد الذي أصاب قوى كبرى في دعم خطوة بوتين كالصين والتي تعتبر حليفا غير معلن له، بسبب خشيتها عند تأييدها لانفصال الجمهوريتين أن تعلن تايوان انفصالها عن الصين في خطوة مشابهة تضع الصين في حرج دولي من خلال بيان ازدواجيتها في التعامل وهذا الأمر ينطبق على قوى ودول أخرى مثل تركيا التي رفضت خطوة بوتين خشية من حالات تمرد يقودها الـ pkk مطالباً بالانفصال، إذ تشجع خطوة بوتين جميع القوى الانفصالية في العالم للتحرك وهذا ما بدا واضحاً في تأييد الحوثيين له.
إذاً الرابح الأكبر من طرفي الصراع هو إيران التي باتت تنتظر بايدن في سوريا بعدما ضمنت عدم تحركه في العراق، مع تراجع حدة القصف الإسرائيلي لمواقعها في سوريا.
لا يعلم أحد ما هي مآلات التصعيد في أوكرانيا، على الرغم من تعدد الفرضيات والتي تعتمد على ردود فعل الولايات المتحدة وحلفائها إلا أن المؤكد أن خسارة أوروبا للمورّد الأساس لها للغاز سيجعل من الحاجة لإيران شديدة وبالتالي ستضغط باتجاه التعجيل باتفاق نووي، وهو ما تريده الولايات المتحدة التي تواجه ثلاثة تحديات كبرى ينيغي عليها التعامل معها، ففي حين وضعت إدارة بايدن الصين كعدو رئيسي لها فلابد لها من تجميد وتحييد نقاط الصراع الأخرى سواء مع الروس وذلك بإعطاء بوتين بما يرغب والحصول على ضمانات لاحقة بعدم غزو أوكرانيا مقابل رد فعل غير متكافئ لانفصال الجمهوريتين، الأمر الذي يضع الحكومة الأوكرانية على المحك مما قد يؤدي لانهيارها، والثاني الوصول لتسوية تاريخية مع إيران يكون مشروعها في سوريا والعراق مكافأة من الولايات المتحدة مقابل عدم الانضمام لحلف بوتين وبالتالي تحييدها عن الصراع.
من هذا المنطلق سيستفيد قادة إيران من فترة الانشغال الدولي لتخطي الصعوبات الداخلية عبر حزمة مساعدات تتبع الإفراج عن أموالها خاصة في كوريا الجنوبية، وكذلك الوقوف في منتصف الطريق بين القوى الطامحة للعودة إلى عالم متعدد القطبية.
يلقي قادة إيران أوراقهم على طاولة الجميع منتظرين من يدفع أكثر في المزاد الدولي الذي يبدو أن النفط والغاز لاعبان أساسيان فيه.
بالوقت ذاته وعلى الرغم من هذه المعطيات فإن أي اتفاق غربي مع موسكو يعني إفشال مساعي طهران لتكون الجوكر في طاولة التصعيد الدولي وبالتالي عودتها لحجمها الطبيعي كدولة وظيفية في المنطقة بعد نزع أذرعها الإقليمية.