بعد فترة من إصدار قانون إحداث وزارة الإعلام الجديدة التي من المفترض أن تحل محل القديمة بخطوة غير مفهومة بالنسبة للشارع السوري، وبعد فترة من لقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد مع بعض الفنانين وقبلها مجموعة من الإعلاميين، حصلت وزارة الإعلام مؤخراً على موافقة مبدئية من رئاسة مجلس الوزراء بخصوص تأسيس شركة مساهمة مشتركة بين القطاعين العام والخاص "ستكون رافدة للقطاع الإعلامي".
وبحسب ما جاء ضمن بيان جلسة مجلس الوزراء، فإن "الشركة ستحمل اسم الشركة السورية للإعلام وتهدف إلى تطوير العمل الإعلامي وتعزيز قدرة الإعلام الوطني على المنافسة، وإطلاق قنوات تلفزيونية وتقديم خدمات البث التلفزيوني الرقمي". دون أي تفاصيل إضافية.
التمهيد بالوزارة الجديدة
في نص القانون رقم 19 للعام 2024 القاضي بإحداث الوزارة الجديدة جاء من ضمن مهامها: التعاون والمشاركة مع القطاعين العام والخاص للاستثمار في قطاع الإعلام والإنتاج الدرامي والأفلام الوثائقية وفق القوانين والأنظمة النافذة.
وبحسب رابطة المحامين السوريين الأحرار، فإن استبدال الوزارة بجديدة من شأنه توسيع صلاحياتها حيث نص قانون الوزارة الجديد مثلاً على تشكل لجنة للعمل الدرامي برئاسة معاون الوزير المختص، يتم اختيار أعضائها من الجهات المعنية بالإنتاج الدرامي والتلفزيوني والأفلام الوثائقية والتلفزيونية السينمائية في القطاع العام والاتحادات والنقابات.
ربما مهد قانون الوزارة الجديد بالفعل للشركة الجديدة، التي استفادت من القانون رقم 5 الصادر عام 2016، والذي أجاز التشاركية بين القطاعين العام والخاص، وينص من ضمن أهدافه على "ضمان أن تكون الخدمات المقدمة عن طريق هذه التشاركية قائمة على أسس اقتصادية سليمة وكفاءة عالية في الأداء وأن تقدم بالأسلوب الأنسب وتحقق قيمة مضافة إلى الموارد المحلية".
ويستند أيضاً إلى القانون رقم 3 للعام الجاري، والذي صدر في شباط الماضي، الخاص بإحداث وحوكمة وإدارة الشركات المساهمة العمومية والشركات المشتركة، والذي نص على أنه يتم إنشاء الشركات المشتركة "بعد الحصول على موافقة مجلس الوزراء على مشاركة الدولة أو المؤسسات العامة أو الشركات العامة أو الشركات المساهمة العمومية أو شركات مشتركة أخرى أو وحدات الإدارة المحلية فيها، وذلك بناء على مذكرة تبريرية تعرضها على مجلس الوزراء إحدى الوزارات المعنية بمجال عمل الشركة، مرفق بها دراسة جدوى اقتصادية، وتوضّح المذكرة التبريرية بوجه خاص معايير وموجبات اختيار الشركاء من القطاع الخاص".
ويشير البند أعلاه وما سبقه إلى أن الغاية الأساسية من التشاركية هي تحقيق الأرباح. وفقاً للقانون رقم 3، تعدّ أموال الشركات المشتركة من الأموال الخاصة، وتقوم الشركات المشتركة بتسعير السلع أو الخدمات التي تنتجها على أسس تجارية. وتعدّ حصة الدولة أو الشركاء العامين من الربح القابل للتوزيع في الشركات المشتركة إيراداً استثمارياً للدولة أو للشركاء العامين، حسب الحال.
ما الغاية من الشركة الجديدة؟
1 - التحرر من قيود القطاع العام
حاول الموقع التواصل مع أكثر من مصدر ضمن وزارة الإعلام التابعة للنظام، وكان من الواضح أن جميع من هم في الوزارة ليسوا على علم بتفاصيل عمل الشركة أو الغاية منها، في وقت لم يفصح فيه الوزير عن أي شيء حولها حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لكن بالرجوع إلى شركة مشابهة تم تأسيسها مؤخراً، يتبين أن أول الفوائد المرجوة من تلك الشركات هي تحرير القطاع العام من قيود كثيرة مفروضة عليه بدخوله عبر هذه الشركات كمساهم يمارس دور المستثمر كما يريد خارج ضوابط الجهات العامة ويستفيد منها بأرباح مالية عجز سابقاً عن تحقيقها.
وبذات الوقت، يكون القطاع العام استطاع أن يقدم نموذجاً جاذباً للمستثمرين الأجانب للدخول بحصص شبه احتكارية بالقطاعات التي كانت مسيطر عليها من القطاع العام، بدلاً من بيع القطاع العام بشكل علني.
ويلخص ذلك بالنص التالي "تعد الشركات المساهمة المغفلة محكومة بالقانون الخاص ولا تسري عليها الأحكام والقيود الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بشركات القطاع العام، مهما كانت نسبة مساهمة الدولة بها" بحسب ما ورد بالقانون الذي صدر نهاية العام الماضي، والذي يتيح تأسيس شركات مساهمة مغفلة مشتركة في القطاع الزراعي، حيث قُدمت تسهيلات ضخمة لهذه الشركات منها فتح حساب بالقطع الأجنبي وإعفاءات من الضرائب.
2 – سيطرة من نوع جديد: دولة داخل دولة
ينعكس ذلك على قطاع الإعلام، حيث تتيح الشركة الجديدة بحسب خبراء، أن يتم تحويل قطاع الإعلام إلى قطاع ربحي تتاجر به حكومة النظام بشراكة مع القطاع الخاص باسم آخر. ويتم اختيار القطاع الخاص عبر الجهة المؤسسة للشركة، فمن الممكن أن تكون جهات إيرانية مثلاً، أو أشخاصا مرتبطين بالقصر والحكومة يندبون للقطاع الخاص كأوجه استثمارية جديدة بقطاع الإعلام، والكثير من الاحتمالات مفتوحة.
بحسب المصادر، يتيح هذا التوجه للنظام بأن يضمن سيطرته على كل قطاعات الدولة من خارج الجهاز الرسمي للدولة عبر شخوص تشارك في تلك الشركات بحصص ضخمة، ويبقى بذلك مستفيداً من القطاعات الضخمة حتى لو ترك الحكم، حيث يأتي هذا التوجه مع حديث حول نية فصل كل حزب البعث عن مفاصل الدولة ومؤسساتها ووزاراتها.
ويتيح هذا التوجه للنظام أن يمارس المتاجرة والاستثمار وتحقيق الأرباح من القطاعات التي كان يصعب المتاجرة بها لكونها قطاعا عاما لدولة اشتراكية وتخضع لقوانين صارمة، والاستفادة منها كانت محصورة بالسرقات، لكن بهذا الأسلوب سيكون الأمر أشبه بإدارة دولة تتبع القطاع الخاص تحقق مرابح ضخمة ودولة تتبع القطاع العام مستهلكة ومتهالكة ومتراجعة.
3 - تأسيس إمبراطورية إعلامية ودرامية
التوجه بخصوص الشركة المشتركة الجديدة، يتيح تأسيس شركات تتبع لها أيضاً، وهذا الأمر ليس له نهاية، ويفتح الباب للقطاع العام تشعبات في شراكته بالشركات إلى ما لا نهاية، ما يعني بحسب خبراء، إمكانية سيطرته على كل مفاصل الإعلام وقد تكون البداية بالسيطرة على الدراما وتأسيس شركات إنتاج ومدن إنتاجية لما وجد به النظام قطاعاً مربحاً وتبلور ذلك بلقاء الأسد مع بعض الممثلين مؤخراً.
أيضاً، يعتبر الإعلام الرقمي من أكثر المطارح الإعلامية تحقيقاً للربح، لكن لا تستطيع وزارة الإعلام كوزارة ممارسة ذلك كجهة رسمية، لذلك ستقوم الشركة الجديدة بإدارة هذا الجانب وتحقيق الأرباح. يمارس القطاع الخاص اليوم احتكاراً للإعلام الرقمي بحسب الخبراء، رغم أن بعض شخوص النظام شركاء ببعض من شبكات الاعلام الرقمي مثل كيوميديا، لكن يبقى ذلك على مستوى صغير، بينما عبر التشاركية سيكون الأمر ضخما، وفيه استثمارات ضخمة يمكن أن يتم جذبها من أي دولة على غرار ما يشبه صناديق الاستثمار.
عند تقوية شركة واحدة تتفرع تحتها شركات تابعة بقطاع الإعلام، يعني ذلك فرض سيطرة على هذا القطاع بأسلوب "حيتان السوق"، لكن بذات الوقت سيفتح ذلك مجالاً واسعاً أمام تنوع الوسائل والأدوات الإعلامية على الصعيدين العام والخاص، فقد تتبدل حال الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وتستفيد من الأدوات والخبرات والأموال في تطوير واقعها الحالي وفقاً لأحد العاملين هناك.
تشبه تجربة مصر
شبه أحد الإعلاميين المصريين، ما يحدث بقطاع الإعلام في سوريا من خلال تأسيس الشركة السورية للإعلام، بتأسيس مصر لشركة المتحدة للإعلام عام 2016، لكن الغاية في مصر كانت السيطرة على ما هو موجود ثم ما هو قادم، حيث كانت الوسائل الخاصة كثيرة في الساحة المصرية وجاءت هذه الشركة لتستحوذ على الكيانات الإعلامية تحت جناحها، بينما في سوريا ستكون العملية عكسية لكن بذات النتائج.
بحسب الإعلامي المصري الذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن الشركة السورية للإعلام ستسيطر على الوسائل الخاصة القليلة الحالية باسمها بعد أن كانت تسيطر عليها عبر أشخاص يتبعون للنظام أو شركات مثل سيريتل، لكن الأهم بالنسبة للشركة الجديدة هو أن يكون لها حصة بأي وسيلة إعلامية أو إنتاج تلفزيوني قادم بشكل أو بآخر، وستكون كل المشاريع الضخمة والمربحة خاصة بها، وستكون القوانين مجيرة لها كما يحدث في مصر.
تسيطر الشركة المتحدة للإعلام في مصر على كل الميديا المؤثرة وعلى إنتاج الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية، وبحسب الإعلامي المصري، فإن سيطرة هذه الشركة على وسائل الإعلام والإنتاج التلفزيوني والسينمائي تمت بالإجبار باستخدام سلطة الدولة.