دمشق، عاصمة سوريا وأقدم العواصم المأهولة في التاريخ، ومدينة الياسمين التي دمرها القصف ومزقتها الحرب وتشرد الملايين من شعبها، إلا أنها ما تزال تحمل تاريخاً طويلاً يعود للألفية الثالثة قبل الميلاد، لأنها كانت محل تنافس بين الإمبراطوريات، بما أن الفرنسيين والبريطانيين كانوا يتنازعون من أجل السيطرة عليها، ولذلك تحولت إلى أرض خصبة لكتابة أدب متميز عن الجريمة.
تعتبر دمشق مركزاً ثقافياً مهماً في بلاد الشام، وشرقي المتوسط وغربي آسيا، ولهذا كتب إيريك آمبلر، وهو خير من كتب عن الجاسوسية الذي تحدث بالصدفة قبل أن تقوم الحرب في سوريا، رواية بعنوان: The Levanter/ الشامي، في عام 1971، حيث تتطرق تلك الرواية للحديث عن المكائد التي دارت حول فلسطين، والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إلا أنها بدأت بشخصية رئيسية، وهي الشامي، أي مايكل هويل الذي أتى إلى دمشق ليدير أعمال أسرته التجارية هناك. وهويل، هذا المشرقي ذي الأصول المختلطة، عاش حياة طيبة في دمشق، إذ كان ينعم بالمال ولديه مشروع تجاري ناجح، فضلاً عن وجود خليلة إيطالية هناك، إلى أن اكتشف بأن مصنعه قد تحول إلى مقر سري لعمليات تنفذها إحدى الفصائل الفلسطينية المناهضة لإسرائيل، ليجد نفسه على حين غرة في خضم كل ذلك دون أن يتمكن من الهرب.
أما رواية فريدريك هايلاند Night Falls on Damascus/ليل يرخي سدوله على دمشق (2006)، فتقع أحداثها الرائعة ضمن بيئة سوداوية داخل العاصمة السورية المضطربة والعجيبة في ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك عندما يجد مفتش الشرطة الفرنسي ذي الأصول السورية، واسمه نيكولاي فرعون، نفسه في خضم تحقيقات حول جريمة معقدة قتلت فيها حسناء مثيرة للجدل تنتمي لعائلة دمشقية مرموقة، وتقع أحداث تلك الرواية وسط المجتمع العربي البوهيمي للمدينة الذي حول دمشق إلى صنو للقاهرة وطنجة أيام الانتداب الفرنسي.
ينقلنا البحث في أدب الجريمة إلى عقد آخر، لنصل إلى تلك الشخصية التي كتبت عنها كارين بو مينوهين، وهي شخصية الرائد هيثكليف لينوكس الذي كان طياراً يرتدي سترة جلدية أيام الحرب العالمية الأولى، إذ تدور أحداث الرحلة الرابعة لذلك الطيار، والتي نقرأ عنها في رواية Death in Damascus/وفاة في دمشق (2020) فتدور أحداثها في تلك المدينة خلال عشرينيات القرن الماضي، لنجد في الرواية كل ما يشبه دمشق خلال تلك الفترة، حيث نجد فتاة تعاني من محنة ما، وطاقم تمثيل وتصوير للسينما الصامتة في تلك المدينة، وشيخاً وسيماً لكنه شرير، والمفتش السابق سويفت لدى مباحث سكوتلاند يارد، والأزقة الترابية في دمشق القديمة.
ثمة روايات وقصص مشوقة أخرى تدور أحداثها في دمشق بلغة العصر ومنها:
- رواية دانييل ليفين: Proof of Life/دليل الحياة (2021) التي تعتبر من أفضل ما كتب من قصص مشوقة تدور أحداثها في دمشق وسوريا، إذ تحكي تلك الرواية قصة وسيط في النزاع المسلح خلال بحثه عن شخص فقد في سوريا على مدار 18 يوما ملؤها التوتر، والمهم هنا أن القصة حقيقية، وذلك لأن ليفين وهو محام من نيويورك قد تحول إلى مفاوض في النزاعات المسلحة مع عدد كبير من معارفه في الشرق الأوسط.
- رواية: The Damascus Threat/تهديد دمشقي (2016) للمراسل السابق في الشرق الأوسط مات ريز، وهي تمثل أحد الكتب التي ألفها ضمن سلسلة تدور حول هيئة الهجرة والجمارك داخل وزارة الأمن القومي الأميركية، حيث يكتشف العميل الخاص لتلك الهيئة، واسمه دومينيك فيرازانو مؤامرة لشن هجوم كيماوي على مدينة نيويورك، فيتعقب الأحداث كلها إلى أن يصل إلى الشوارع الخلفية لدمشق.
- كتب جويل سي روزينبيرغ رواية Damascus Countdown/العد التنازلي لدمشق (2013) وهي قصة مشوقة تدور أحداثها حول إيران والأسلحة النووية والانهيار المحتمل لدمشق، وذلك من خلال ما يحدث لضابط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ديفيد شيرازي.
- تقع أحداث رواية SEAL Team Six: Hunt the Viper/ سيل الفريق رقم ستة: اصطياد الأفعى (2018) للكاتبين دون مان ورالف بيزولو في سوريا بعد خضوعها لتنظيم الدولة الإسلامية، حيث تصبح خيمة منظمة أطباء بلا حدود تحت الخطر بسبب أفعى، وتلك الأفعى ما هي إلا ضابط شرير وسيئ السمعة يتبع لتنظيم الدولة، ولذلك يتم إرسال كروكر وفريقه رقم ستة للمساعدة.
قد تكون الروايات التي أسلفنا الحديث عنها عظيمة ورائعة، ولكنها يمكن أن تكون مجرد وسيلة لكسب الرزق، إلا أن هنالك كثيرا من الروايات الجدية حول سوريا في عصرنا هذا، حيث كتب ديفيد ماكلوسكي رواية Damascus Station/محطة دمشق (2021) التي تعتبر أكثر تطوراً ونضجاً وتعبر عن الأجواء بشكل أفضل، إذ تقع أحداثها في خضم الحرب السورية التي ماتزال مستعرة، حيث يتم إرسال ضابط من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية واسمه سام جوزيف إلى باريس ليقوم بتجنيد موظفة في القصر الجمهوري السوري اسمها مريم حداد، ثم يسافر كلاهما إلى دمشق بحثاً عن الرجل المسؤول عن اختفاء جاسوس أميركي. إلا أن شوارع تلك المدينة المحاصرة خطرة بالنسبة لأي عميل أميركي، نظراً لوجود أشخاص يعملون لدى بشار الأسد في اصطياد الجواسيس، فضلاً عن وجود الحرس الجمهوري الذي يهابه الجميع، ناهيك عن الخونة المتربصين في كل جانب.
ومن الروايات الجديرة بالقراءة أيضاً الرواية الأولى لجيمس وولف: Beside the Syrian Sea/بجانب بحر سوريا (2018)، وفيها نقابل شخصية جوناس وهو جاسوس بريطاني، الذي عندما يتعرض والده للخطف ويطلب منه تنظيم الدولة في سوريا فدية لإطلاق سراحه، يتولى الأمر بنفسه، وحتى يدفع للخاطفين، يبدأ هذا الرجل بسرقة الأموال التي بوسعه أن يصل إليها، والتي تعود للمخابرات ومن ثم ينطلق نحو البادية السورية.
وأخيراً، لدينا رواية رفيق شامي: The Dark Side of Love/الجانب المظلم للحب (2004) التي وصفها البعض بأنها رواية بوليسية عربية عظيمة، فقد ولد رفيق بدمشق عام 1946، ودرس في لبنان ثم انتقل إلى ألمانيا في سبعينيات القرن الماضي، ليصبح اليوم أحد أنجح الكتاب العرب الناطقين بالألمانية، بالرغم من شهرته الضئيلة في العالم الناطق بالإنكليزية، ولذلك يصنف عمله ضمن "أدب المهجر" في ألمانيا، لكونه يتطرق في الغالب لمواضيع تدور حول العمال المهاجرين والأقليات الموجودة هناك. إلا أن رواية الجانب المظلم للحب رواية بوليسية بالأساس، على الرغم من تطرقها لمواضيع كثيرة حول تاريخ دمشق في القرن العشرين وأفكار أخرى عن المجتمع الدمشقي.
تبدأ القصة بجثة تعود لرجل عُلقت على بوابة كنيسة القديس بولس بدمشق، وهي جثة ضابط مسلم تعرض للاغتيال، ولكن عندما يشرع المحقق بارودي بالتحقيق مع أرملة هذا الرجل، والتي تتسم بالغموض، تنتزع المخابرات تلك القضية من بين يديه، فيواصل بارودي تحقيقه سراً ليكتشف الدافع وراء ارتكاب الجريمة، وهو ثأر بين عشيرتي مشتاق وشاهين، يعود لبدايات القرن العشرين.
إن تصنيف رواية الشامي على أنها ملحمة جعلها رواية بوليسية عربية عظيمة، إذ لا فكاك من تاريخ دمشق بعد كل تلك القرون، ذلك التاريخ الذي ماتزال فصوله تتكشف، على الرغم من مأساويتها التي بلغت أقصى الحدود، لكنها في الوقت ذاته ما برحت تلهب خيال الأدباء والكتاب وتدفعهم لكتابة أعظم الروايات والقصص.
المصدر: كرايم ريدز