توفي أول أمس الجمعة، المفكر السوري "محمد عدنان السالم"، الرئيس السابق لاتحاد الناشرين السوريين ونائب رئيس اتحاد الناشرين العرب ومؤسس "دار الفكر" الدمشقية العريقة، عن عمر ناهز الـ 90 عاماً، بعد أكثر من نصف قرن من الجَلد والصبر والمثابرة في ظلّ المتغيّرات والتحولات السياسية المريرة التي مرّت بها سوريا، وخاصة في ظل نظام البعث.
وكان لـ سالم، شيخ الوراقين السوريين، الفضل الكبير على الساحتين الثقافيتين السورية والعربية خلال العقود الخمسة الماضية. على صعيد العاصمة دمشق، كان له دور مهم قبل الثورة وبعد اندلاعها.
فخلال نهاية التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي، كان الراحل يُطلع، من خلال داره "الفكر"، المجتمع الدمشقي على مؤلفات وقراءات جديدة ومعتدلة في الفكر العربي والإسلامي، من خلال تبنيه نشر سلاسل عديدة أهمها سلسلة "حوارات لقرن جديد" التي تمكن خلالها من نشر كتابات مفكرين كبار في العالم العربي، أمثال: المفكر الجزائري مالك بن نبي، والمفكر السوري جودت سعيد، والمفكر عبد الوهاب المسيري، بالإضافة إلى كتب المؤرخ الفلسطيني - السوري شوقي أبو خليل.
كما حرص الراحل على عقد "أسبوع دار الفكر الثقافي" سنوياً، بحيث غدا واحداً من أهم اللقاءات الفكرية في البلاد.
مكانة سالم ودار الفكر
حظي عدنان سالم ودار "الفكر" التي تطلّ على ساحة البرامكة وسط دمشق، بتقدير كبير من المثقفين والكتاب، وخاصة بين أوساط المعارضين السوريين، بسبب عمله على إدخال الكتب الممنوعة سابقاً من قبل النظام السوري وإعادة طبعها ونشرها وتوزيعها، كأعمال الشيخ علي الطنطاوي على سبيل المثال، وغيرها كثير من المؤلفات.
كما طبّق الراحل أحدث طرق التوزيع والتسويق في زمن شهد تراجع سوق الكتاب والمكتبات خاصة في العقدين الأخيرين. فكانت منشورات وموسوعات دار الفكر تباع بشتى الطرق، كالتقسيط وبـ "الأمانة" والعروض الخاصة التي لا تثقل كاهل أصحاب المكتبات.
في فترة ما بعد اندلاع الثورة، اختار الراحل أن تكون ثورته من خلال حفظ تراث دمشق، وذلك عبر جمع ذاكرتها. حيث اتجهت الدار في الفترة الأخيرة إلى الاهتمام بجمع ونشر تراث دمشق خلال القرن العشرين.
واستطاعت دار الفكر بفضل دأبه ومثابرته وصدقه، أن تصمد وتستمر في ظل تعرّض شتى دور النشر والمكتبات إلى انتكاسات وأزمات مادية وسياسية دفعتها إلى الإغلاق أو تبديل حرفة الكتب نظراً للظروف والأحداث الجسيمة التي عانتها دمشق وسوريا في ظل حرب النظام بعد آذار 2011، وفي ظل قمعه وتضييقه على الكتّاب والناشرين قبل هذا التاريخ.
من هو محمد عدنان سالم ؟
- ولد الراحل محمد عدنان سالم في دمشق عام 1932. ودرس الحقوق في جامعتها وتخرج عام 1954 ثم عمل في المحاماة والتعليم لفترة وجيزة قبل أن يتفرغ للنشر.
- ألف العديد من الكتب، من أبرزها: (هموم ناشر عربي- على خط التماس مع الغرب- القدس ملامح جيل يتشكل- القراءة أولاً- حرية النشر وإشكالية الرقابة على الفكر).
- وثق السالم جزءاً من سيرته الشخصية وسيرة دار "الفكر" في كتابه (عاشق الفكر والثقافة) الذي صدر عام 2016 بمناسبة مرور ستين عاماً على تأسيس الدار.