أصدرت "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" تقريراً استقصائياً بعنوان "دفنوهم بصمت" كشفت فيه دور المشافي العسكرية والمخابرات العسكرية فيها، في تسلّم المعتقلين من سجون النظام السوري واحتجازهم وصولاً إلى تسليم جثثهم وإعداد تقارير مزورة حول وفاتهم.
ويستند التقرير إلى 154 مقابلة أجريت مع 32 شخصاً بينهم معتقلون سابقون تم نقلهم إلى مشفى تشرين العسكري، و"أطباء وممرضون عملوا فيه وآخرون عملوا في المخابرات العسكرية أو الشرطة العسكرية والأمن السياسي والقضاء العسكري"، وذلك في الفترة الممتدة بين آب 2022 وتموز 2023.
واعتماداً على هذه الشهادات وصف التقرير أن مشفى تشرين العسكري "مكان لتعذيب وتصفية السجناء المتمردين" مع انطلاق الحراك الشعبي في عام 2011، ودور الكادر الطبي في ذلك، فضلاً عن دورها الرئيسي في العناية بصحة العسكريين والعاملين في الأجهزة الأمنية، وتوفير الخدمات الصحية.
ويكشف التقرير دور الكادر الطبي والإداري في مشفى تشرين العسكري، في تعذيب المعتقلين المرضى الذين تم نقلهم من الفروع الأمنية إلى المستشفى للعلاج، والقيام بتصفية من هم بحالة صحية سيئة.
كما يتناول التقرير الآلية المتبعة بين كل من مشفى تشرين وشعبة الطب الشرعي والشرطة العسكرية، في تسجيل المعتقلين المتوفين في المشفى أو داخل أحد مراكز الاحتجاز.
ويوضح أن تلك الآلية تجري بناء على إجراءات خاصة في التعامل مع المعتقلين من قبل الكادر منذ وصول المعتقل إلى المستشفى الذي يخضع لحراسة مشددة، حيث يتم عزل المعتقلين عن باقي المرضى في قسم خاص، ويتم التعامل معهم بطريقة غير إنسانية، من تعذيب وعنف.
آليات ودور مشفى تشرين العسكري في تصفية المعتقلين
— تلفزيون سوريا (@syr_television) October 4, 2023
تقرير: حسام الجمّال @HossamJammal#تلفزيون_سوريا #لم_الشمل
(+18 – يحتوي الفيديو على مشاهد حساسة قد تكون قاسية على البعض )
WARNING: This video contains graphic content and may be upsetting to some people pic.twitter.com/O3EQDB8FaN
دور الطبابة الشرعية في إصدار شهادات وفاة للمعتقلين
ويقتصر دور الطبابة الشرعية على توثيق وفاة المعتقلين وإصدار شهادات وفاة "لإضفاء شرعية على الجرائم" ثم تسليم الجثث إلى مفرزة الأمن العسكري، والتي تقوم بدورها في تحميل الجثث ونقلها إلى مقابر جماعية، ضمن آلية محددة للنقل والدفن، وتوثيقها وتصويرها "بوجود مصور وطبيب شرعي برتبة عقيد من قسم المباحث والأدلة الجنائية في الشرطة العسكرية وعسكري من حرس مفرزة الشرطة العسكرية"، بالإضافة إلى طريقة التعامل مع الجثث من ضرب ودعس قبل دفنها في مقابر جماعية إحداها في منطقة جسر بغداد في ريف دمشق قرب مدينة عدرا العمالية، والتي تم افتتاحها بحسب التقرير بعد العام 2015، والتي أظهرت صور الأقمار الصناعية للمقبرة والتي التقطت خلال الأعوام بين عامي 2015 و2022، أعمال الحفر.
ووفقاً للتقرير فإنه يتم توقيع شهادة الوفاة من قبل رئيس قسم الطب الشرعي، أو من قبل ضابط الإدارة في حال عدم وجوده، والتي غالباً ما يتم تشخيص الوفاة فيها نتيجة توقف القلب والتنفس، وترفع شهادة الوفاة إلى الشرطة العسكرية التي بدورها ترفع تقريراً للقضاء العسكري، ومنها إلى الفرع الذي كان معتقلاً لديه، ثم إلى أمانة السجل المدني، وذلك بما يتعلق بالمعتقلين المتوفين في المستشفى.
أما المعتقلون الذين يقضون داخل مراكز الاحتجاز، فمنذ عام 2015 تغيرت الإجراءات التي لم تعد تستلزم نقل جثث المعتقلين إلى المستشفى العسكري، وإنما يتم "الاكتفاء بإرسال قائمة بالمتوفين في الفروع الأمنية إلى مفرزة الشرطة العسكرية في مشفى تشرين لتعد تقرير وفاة بناء على تقرير الفرع الأمني وترسله إلى شعبة الطب الشرعي في المشفى ليصدر شهادة وفاة ترفق مع ملف المعتقل"، أما بالنسبة للجثث فيتم دفنها في مقابر جماعية أيضاً.
"احتجزونا بين الجثث وخنقوا مرضى بمنشفة"
— تلفزيون سوريا (@syr_television) October 3, 2023
شهادات مرعبة عن آليات القتل في مستشفى تشرين العسكري#نيو_ميديا_سوريا #تلفزيون_سوريا
WARNING: This video contains graphic content and may be upsetting to some people pic.twitter.com/ht213X6vGL
مشفى تشرين العسكري
كما يتحدث التقرير عن التسلسل الهيكلي لإدارة المشفى -التي يترأسها طبيب برتبة لواء- بينهم "أطباء ضباط" وآخرون مدنيون، بالإضافة إلى العاملين والذين يتم اختيارهم بحذر، ومجندون حرس، واصفاً الهيكل البنائي للمستشفى المؤلف من 10 طوابق بما في ذلك مكان احتجاز المعتقلين المرضى، ومساحته الممتدة على 147 ألف متر مربع، حيث يضم "حوالي 36 شـعبة طبيـة تقـدر بمختلــف الاختصاصــات"، والعديد من الأقسام، وتقدر طاقته الاستيعابية بنحو 1200 سرير، بينما عدد العاملين فيه يقدر بنحو 1600.
وتم تعزيز المشفى بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة مع بداية الثورة السورية، وذلك "خوفاً من تقدم قوات المعارضة إليه"، إلا أنه في عام 2014 مع تصاعد العمليات العسكرية، تم تعزيز المشفى بآليات ثقيلة وعتاد ثقيل من قبل الفرقة الرابعة، موضحاً نقاط توزع هذه الآليات بالنسبة لجهات المشفى، التي تم تدمير الأبنية المحيطة بها وقطع الأشجار، وذلك لرصد أي عملية تسلل في ذلك الوقت، فضلاً عن إضافة مفرزة ثالثة عسكرية.
ووفقاً لما ورد في التقرير فإن هناك 30 مستشفى ومستوصفاً عسكرياً لإدارة الخدمات الطبية موزعة على 14 محافظة 10 منها في محافظتي دمشق وريف دمشق، وهي تابعة لهيئة الإمداد والتموين التابعة بدورها لرئاسة هيئة أركان الجيش والقوات المسلحة في وزارة دفاع النظام السوري.
وختم التقرير بتوجيه جملة من التوصيات إلى المجتمع الدولي، حيث طالب منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم، بجمع الأدلة والتحقيق في دور الشرطة العسكرية في سوريا، بالإضافة إلى توثيق المنشقين منهم واعتبار ذلك كنقطة انطلاق للكشف عن مصير المفقودين.
كما طالبت رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا وكالات الهجرة الأوروبية بـ"التدقيق بملفات طالبي اللجوء واللاجئين السوريين العاملين في المشافي العسكرية سابقاً أو في ملاك الشرطة العسكرية"، والتعاون مع المنظمات الحقوقية للتحقق من طالبي اللجوء، فيما إذا كان لدى أحدهم علاقة بشأن هذا الملف.
ودعت الرابطة منظمات المجتمع المدني السوري والمعنية بتوثيق "حالات المنشقين والموظفين السابقين في الأجهزة الأمنية، والشرطة العسكرية والمشافي العسكرية"، والتركيز على الإجراءات "البيروقراطية" المتبعة مع المعتقلين.
وشددت الرابطة على ضرورة قيام المجتمع الدولي بفرض عقوبات على أفراد وردوا في التقرير، متورطين في عمليات الإعدام والدفن، بمن فيهم الكادر الطبي والإسعافي والطبابة الشرعية.