داتا اللاجئين وعقيدة الابتزاز

2024.06.27 | 05:46 دمشق

آخر تحديث: 27.06.2024 | 05:46 دمشق

25555555555555555555555555554
+A
حجم الخط
-A

لو سألت أي لبناني، داخل بلده أو خارجه، عن ثقته بالنظام الذي يحكمه، فإن الإجابة ستفيد بانعدام الإحساس بالأمان مع كل الحكومات، التي توالت على إدارة شؤون البلاد، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وانتهاء عهد وصاية النظام السوري المباشرة، وتحول البلاد إلى منصة إيرانية يحكمها عملاؤها.

من أعرفهم، يتحدثون دائماً عن أن سلطة أمراء الحرب الأوفياء لعائلة الأسد، وبسبب استحواذها على مقدرات اللبنانيين، لم تعطل فقط ديناميكيات النمو الاقتصادي، بل ألحقته بالسياسات السورية والإيرانية. ومع استشراء سيطرة ميليشيات حسن نصر الله وتشغيلها لمعامل تصنيع الكبتاغون، بعد السماح بزراعة الحشيش في سهل البقاع، وتدميرها لقطاع السياحة، فإنها أغلقت على البشر إمكانية الحصول على الأود، وحولت حياتهم إلى جحيم حقيقي، فصاروا ينافسون إخوتهم السوريين في المسعى لطلب اللجوء في البلدان الأوروبية والأمريكيتين.

انعدام الثقة بهذه الفئة من المتنفذين، لا يقف عند أبناء جلدتهم، بل تعداهم ليصل إلى المؤسسات الدولية التي تتعامل مع الحكومة، فهي لا تصرح بما يجري على الأرض بحكم حياديتها، لكنها تعرف "البير وغطاه"، وتحاول المناورة مع المسؤولين اللبنانيين، في سبيل استمرار عملها الإنساني. وحين تصل طلبات هؤلاء إلى حد يهدد مصداقيتها، ويؤثر على مهمتها، فإن الحدود الفاصلة بين المسايرة، وبين الالتزام بقواعد العمل والبروتوكولات الموقعة، تصبح هي الفيصل.

ضمن هذا الحيز تتوضع مشكلة المسؤولين اللبنانيين مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بما يخص داتا اللاجئين السوريين، بعد أن أطنب المسؤولون بالحديث عن القصة حتى صارت تظهر، وكأنها مفتاح الحل لأزمة اللجوء السوري في لبنان، وجرت معهم جهات

معارضة، كقائد حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي وجد الفرصة سانحة لتوسيع حضوره في المشهد، من خلال تصريحات هدد فيها برفع الدعاوى، والسير بالإجراءات القانونية المتاحة بحق المفوضية السامية، وأرسل رسالة انتقادية حولها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، مهدداً بإغلاق مكتبها وتعليق عملها.

ما هي الجناية التي ارتكبتها المؤسسة الدولية، حتى جرت عليها كل هذا الغضب، المتفق عليه بين الفرقاء؟!

لقد استجابت لطلب حكومة تصريف الأعمال بتسليمها "الداتا"، لكنها وبحسب عبد الله بوحبيب وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، قدمتها منقوصة، حيث أخفت من بين البيانات، تلك التي تظهر تواريخ دخول اللاجئين إلى لبنان! الأمر الذي رأى فيه المسؤولون، وبحسب تصريحاتهم، انتقاصاً من سيادة لبنان على أراضيه، يضطرهم بحسب المدير العام بالإنابة للأمن اللبناني اللواء إلياس البيسري للجوء على الخطة (ب) للحصول على ما يريدون!

يتحفظ القارئ بالتأكيد وهو يقرأ عن هذه القضية، على عبارة "سيادة لبنان على أراضيه"، لا لشيء في محتواها، بل لأنها تختصر القصة كلها، فلو كان للبنان سيادة على أراضيه وقراره، لما وصلت أحواله إلى هذه الدرجة من السوء، فكل لبناني يعرف بأن بلاده محكومة من مراكز قوى، تتحكم بها إرادات دولية متنابذة، وأن المحور الموالي للأسد ولإيران يفرض سيطرته على الجميع، في كل قضايا الحرب والسلم، وهو يستخدم ورقة اللاجئين للضغط على المجتمع الدولي، لقبول بشار الأسد، وتخفيف العقوبات عنه! وعليه فإنه من البديهي، ألا يتم تسليم ممثليه معلومات حساسة تخص اللاجئين، يمكن أن تنقل إلى النظام السوري، ليستخدمها ضدهم!

يتحفظ القارئ بالتأكيد وهو يقرأ عن هذه القضية، على عبارة "سيادة لبنان على أراضيه"، لا لشيء في محتواها، بل لأنها تختصر القصة كلها، فلو كان للبنان سيادة على أراضيه وقراره، لما وصلت أحواله إلى هذه الدرجة من السوء.

مراجعة تصريحات الأطراف، توضح أن المشكلة لا تتعلق فقط بهذا التفصيل المؤذي لضحايا همجية الأسديين، بل هي كناية عن خلاف أعمق ظاهر وغير مخفي، فالمؤسسة الدولية لا ترى أن الظروف مناسبة لإعادة اللاجئين إلى بلدهم، بينما يدعي المسؤولون اللبنانيون بأن 90% من الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة النظام والمعارضة باتت آمنة.

وقد ظهر التنافر بين موقفي الجهتين واضحاً خلال الدورة الثامنة لمؤتمر بروكسل حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" الذي عقد الشهر الماضي، فبينما طالب وزير خارجية حكومة تصريف الأعمال المجتمع الدولي بتعويضات عن وجود السوريين طيلة 13 عاماً بقيمة 100 مليار دولار! وعدم ربط عودة اللاجئين السوريين بالحل السياسي في البلاد، وتطبيق مبدأ تقاسم الأعباء وإعادة توزيع اللاجئين السوريين على دول أخرى. أعلن الاتحاد الأوروبي موقفاً يرفض أي حديث عن عودة محتملة للاجئين إلى وطنهم، لأنه لم تتهيأ ظروف العودة الطوعية والآمنة بعد، وتعهد بتقديم أكثر من ملياري يورو (2,17 مليار دولار) لدعم اللاجئين السوريين في المنطقة كلها وليس لبنان فقط.

يلاعب بشار الأسد العالم بملف اللاجئين، ويرهن حياة من بقي في سوريا بفك العقوبات عن نظامه، ويتبع أزلامه في لبنان الأسلوب ذاته، في تناغم قوامه عقيدة الابتزاز!

ما تخفيه المماحكات بين الادعاء المضحك بأن لبنان ليس للبيع، في حين يتم مطالبة الأوروبيين بمبالغ هائلة، وبين الادعاء بأن مشكلة لبنان الأساسية بحسب وزير المهجرين عصام شرف الدين، تكمن في "رفض مفوضية اللاجئين تسليم داتا اللاجئين السوريين على أراضيه"، يكشفه هذا الوزير نفسه فهو يحمّل المسؤولية "فيما آلت إليه الأمور في هذا الملف إلى "الحصار الغربي الجائر" على سوريا بذريعة غياب الديمقراطية و"هذه ذريعة غير واقعية"، ولذلك فإن الحل الأنسب للمشكلة يكمن في استراتيجية وضعها حسن نصر الله أمين عام حزب الله؛ إما أن نرمي اللاجئين بين أيدي نظام البراميل، وإما أن يُفتح البحر أمامهم كي "يركبوه" باتجاه أوروبا!

يلاعب بشار الأسد العالم بملف اللاجئين، ويرهن حياة من بقي في سوريا بفك العقوبات عن نظامه، ويتبع أزلامه في لبنان الأسلوب ذاته، في تناغم قوامه عقيدة الابتزاز!