لا يكاد يمر يوم على أهالي مدينة صوران بريف حماة أو القرى المحيطة بهم دون أن تحصد الألغام المتفجرة والمتبقية من مخلفات الحرب أرواح الأهالي أو حيواناتهم، وما إن استراح أهالي المنطقة قليلا من خطر العمليات العسكرية وقصف النظام وحليفه الروسي والميليشيات الإيرانية وما رافقه من قتل وتدمير، حتى حلت محلها مخاوف انفجار الألغام والمقذوفات التي لم تنفجر.
في حزيران الماضي شهدت صوران انفجارا ضخما خلّف حفرة يزيد قطرها على 10 أمتار، أدى إلى وفاة طفلين وإصابة عدة أشخاص آخرين أثناء رعيهم للأغنام في الأراضي الزراعية.
وحينها أفادت وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري، بأن الانفجار نجم عن لغم أرضي من مخلفات الحرب، دون الإشارة كما العادة إلى أن اللغم من مخلفات "العصابات الإرهابية" وذلك بسبب أن المنطقة التي حصل بها الانفجار بقت تحت سيطرة النظام وفقا للأهالي الذين تواصل موقع تلفزيون سوريا معهم، إلا أن النظام لا يعتزم حتى اليوم إزالة ما زرعه من ألغام على أقل تقدير، حيث إنه يمتلك الخرائط وبالتالي عملية النزع غير معقدة كما في حالة إزالة ألغام دون خرائط.
بقايا الذخائر.. شبح الموت يترصد الأهالي
ناشد أبو واصل -من أهالي مدينة صوران- "السلطات المختصة بالعمل على تخليص المنطقة من "شبح موت" بقايا الذخائر والمقذوفات وبشكل خاص الألغام، بل كرّث جل وقته لحشد الرأي العام في المدينة لجعل الموضوع على رأس أولويات مطالبهم للمسؤولين.
وقال أبو واصل (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) لموقع تلفزيون سوريا "منذ أن اجتمعنا مع أعضاء لجنة المصالحة الوطنية المنبثقة عن مجلس الشعب في 2018 وحتى اليوم ونحن نطالب بحل مشكلة الألغام، إلا أننا سمعنا الكثير من الوعود دون نتائج ملموسة".
وأضاف أبو واصل أن رئيس لجنة المصالحة الوطنية في مجلس الشعب حينها عمر أوسي طلب شخصيا من رئيس فرع الأمن العسكري بحماة وفيق ناصر - عيّن ناصر، في 22 من كانون الثاني 2018، رئيسا لفرع الأمن العسكري في حماة- إلا أن ناصر أكد بأن خرائط الألغام التي بحوزة النظام لن يتم التعامل معها وملف الألغام بشكل عام ما لم يسلم نفسه كل شخص مطلوب من أبناء المدينة.
"عندها أدركنا أن طلب النظام تعجيزي في حل هذه المشكلة لأن غالبية الشبان قد تم تهجيرهم خارج المناطق التي سيطر عليها النظام خوفا من بطشه وتنكيله وأن النظام سوف يستمر بقتل السوريين بوجه جديد وأداة جديدة لا سيما أن المنطقة المحيطة بالمدينة تطفو على بحر من الألغام" يعلّق أبو واصل.
بذريعة الألغام.. سرقة للمحاصيل
ليس بعيدا عن صوران وتحديدا في حقول الفستق الحلبي في مورك، لم يتمكن أبو سعيد من الاستفادة من مواسم الفستق الحلبي في أرضه منذ نحو سبع سنوات، وذلك بعد أن أدى انفجار لغم أرضي إلى وفاة ابنه وابن شقيقه أثناء العمل في الحقل.
يقول أبو سعيد: "بعد أن فقدت ابني صرت أخاف من انفجار أي لغم أرضي، وخصوصا بعد أن تلقينا تحذيرا من ضابط أمن القطعة العسكرية في جبل زين العابدين من أن حقلنا والحقول المجاروة منطقة حقول ألغام عشوائية".
إلا أن المفارقة أن الضابط نفسه يصطحب عددا كبيرا من العساكر كل موسم ويأتون بحجة البحث عن الألغام لجني الموسم بأكمله بعد أن يضع علامات تحذيرية داخل الحقل لإرشاد عساكره ويتم إزالة العلامات مع الانتهاء من جني المجصول.
الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر
أفاد مكتب "برنامج الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا)، بأن نصف سكان سوريا معرضون لخطر المتفجرات، محذراً من أن 300 ألف من مختلف الذخائر المتفجرة ما تزال كامنة ولم تنفجر بعد في أرجاء البلاد.
وقال تقرير صادر عن منظمة "الإنسانية والإدماج الدولية"، إنه في عام 2020 كان هناك ما معدله 76 حادثة ذخائر متفجرة مسجلة في اليوم، أي ما يعادل حادثة واحدة كل 20 دقيقة، مشيراً إلى أن شخصاً من كل شخصين (أكثر من 10 ملايين شخص) معرض للخطر.
وأوضح المدير التنفيذي الأميركي للمنظمة، جيف مير، أن ثلاثة أرباع الناجين من الحوادث ليس لديهم أدنى فكرة عن أن المنطقة كانت خطرة قبل الانفجار، مشدداً على ضرورة تعليم المجتمعات كيفية تحديد المخاطر وتجنبها.
الجدير بالذكر أن مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review) أعلن في تقريره السنوي، تسجيل سوريا للعام الثالث على التوالي، أكبر عدد من الضحايا الجدد للألغام المضادة للأفراد أو مخلفات الحرب القابلة للانفجار، حيث وثق 834 ضحية في عموم سوريا.
ويغطي التقرير السنوي للمرصد، استخدام الألغام حول العالم في العام 2022 والنصف الأول من العام الحالي 2023، ويعد التقرير بمثابة الأساس للعمل المنتظم للدول الـ164 الموقعة على اتفاقية أوتاوا لحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد (APMBC) واتفاقية الذخائر العنقودية (CCM).
وحذّر المرصد في تقريره من أن زلزال السادس من شباط المدمر زاد من المخاطر الناجمة عن الألغام شمال غربي سوريا، إذ تم تحديد 42 مجتمعاً ملوثاً بالذخائرة المتفجرة قد ضربها الزلزال وربما يكون الزلزال قد أدى إلى تحرك المواد المتفجرة أو ظهورها مرة أخرى، مما قد يستلزم إعادة المسح في المجتمعات المتضررة.
وعلى مستوى منظمات المجتمع المحلي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام فقد وثق الدفاع المدني السوري منذ بداية العام الحالي 2023 حتى يوم 13 تشرين الثاني، 15 انفجاراً لمخلفات الحرب في مناطق شمال غربي سوريا، والتي أدت إلى مقتل 4 أطفال ورجلين، وإصابة 23 مدنياً بينهم 16 طفلاً و3 نساء.
واستجابت فرق الدفاع المدني خلال عام 2020 لأكثر من 60 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا أدت إلى مقتل 32 شخصاً بينهم 6 أطفال و4 نساء وإصابة 65 آخرين بينهم 7 أطفال و 13 امرأة، بينما انخفضت انفجارات مخلفات الحرب لنحو النصف في عام 2021، حيث استجابت فرق الدفاع لـ 32 انفجاراً، أدت إلى مقتل 18 شخصاً بينهم 5 أطفال، وإصابة 32 آخرين بينهم 11 طفلاً.