علّق مجموعة من الخبراء والصحفيين الروس على تسريب مرره الدبلوماسي الروسي رامي الشاعر لموقع تلفزيون سوريا قبل يومين، حول زيارة وفد من نظام الأسد إلى واشنطن لفتح صفحة جديدة معها ومع إسرائيل مقابل إعطاء النظام "قبلة الحياة" وفق وصف الشاعر.
وجاء تعليق الروس لصحيفة "المدن" التي اهتمت بالتسريب عبر بحثها في خلفياته، ونشرت مقالا حوله اليوم الثلاثاء، وهنا ينقل موقع تلفزيون سوريا نص المقال كما جاء في الصحيفة:
بعد أن كشف الكاتب السياسي الروسي الفلسطيني الأصل رامي الشاعر، خلال مقابلة له مع "تلفزيون سوريا" في إسطنبول أواخر الأسبوع المنصرم، عن إيفاد النظام السوري مبعوثاً له إلى واشنطن، كان من الطبيعي أن يبرز سيل من الأسئلة عن مهمة هذا المبعوث: توقيت الإعلان عن نبأ الزيارة (من دون الإفصاح عن تاريخها) في ذروة تفجر الصراع من جديد في درعا والجنوب؛ هل كانت روسيا وإيران على علم بالزيارة ونسق بشأنها الأسد مع كل منهما؟ من قابل المبعوث من المسؤولين الأميركيين؟ ماذا عرض عليهم وما كان ردهم على العرض؟ وكثير من الأسئلة.
لم تسبق إعلان الشاعر أية إشارة من الإعلام والمسؤولين الروس عن حدوث مثل هذه الزيارة، أو عن وجود نية لدى الأسد للقيام بهذه الخطوة، مما يعني أن روسيا قد فوجئت باستدارة الأسد نحو واشنطن، كما فوجئت من قبل باستدارة السادات الشهيرة. ووجود العلاقات الروسية الأميركية في أدنى مستوى من التدهور الآن، وفي ظل محاولات الأسد الحثيثة إفشال جهود الكرملين لتسوية انفجار الوضع في درعا سلمياً، يصبح بديهياً الاستنتاج بأن خطوة الأسد هي بمثابة خنجر في ظهر روسيا.
حملت "المدن" هذا الاستنتاج "البديهي"، وكذلك السؤال عن تقويم خطوة الأسد من وجهة النظر الروسية وما يمكن أن يكون قد بحثه ممثله مع الأميركيين، وتوجهت بهم إلى عدد من الكتاب السياسيين والصحفيين الروس.
الخبير في منتدى "فالداي" الروسي وفي المجلس الروسي للعلاقات الدولية غريغوري أساتريان قال لـ"المدن" بأنه ما كان ليسمي زيارة ممثل لدمشق إلى الولايات المتحدة خنجراً في ظهر روسيا. ورأى من المحتمل أن تكون روسيا قد علمت بأمر الزيارة والتحضير لها، لكنها لم تتحدث عن ذلك علناً. وقال بأن سوريا دولة ذات سيادة، بوسعها التفاوض بحرية مع كل الشركاء الدوليين، وروسيا لا تمنعها، ولا تستطيع أن تمنعها من العمل الدبلوماسي على جميع الاتجاهات. فكما بوسع روسيا إجراء اتصالات مع الولايات المتحدة، بوسع سوريا أيضاً إجراء مثل هذه الاتصالات مع الولايات المتحدة. أما ما الذي تم بحثه مع الأميركيين خلال الزيارة، وما إن كانت تخللته لهجة معادية لروسيا، فهو لا يعتقد ذلك، لأن لروسيا علاقات جيدة مع السلطة السورية ومع الرئيس الأسد، وتشعر موسكو دائماً بالامتنان السوري للمساعدة. وزيارات الدبلوماسيين والأفراد هي ظاهرة طبيعية برأيه، ولا يمكن أن تكون خنجراً في الظهر.
الخبير في المجلس الروسي للعلاقات الدولية كيريل سيمونوف قال لـ"المدن" بأنه ليس مطلعاً على التفاصيل، ولذلك هو لا يعرف ما إن كانت روسيا قد علمت بأمر الزيارة أم لا. ويعتقد بأنها قد تكون علمت بأمرها، لكن الأسد، وفي كل الأحوال، ليس مضطراً لإطلاع روسيا مسبقاً على جميع اتصالاته، بل يمكنه القيام بذلك لاحقاً. ولذلك لا "أعتقد أن الزيارة هي خنجر في الظهر".
المتابعة لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة "Kommersant" والمستعربة ماريانا بيلنكايا قالت بأنها لا تستطيع التعليق على "أمر لست مطلعة على تفاصيله".
الصحفية المتابعة لشؤون إيران والشرق الأوسط يوليا يوزيك، وعلى الرغم من أنها تنشر في موقع "RT" الرسمي الناطق بالروسية، جاء رأيهاً مختلفاً عن آراء الكتاب الروس الآخرين المبررة لخطوة الأسد، أو المشككة في حقيقة حصولها. فقد قالت لـ"المدن" بأن بشار الأسد "البراغماتي المستهتر بالقيم الاجتماعية"، إذ يشرعه الغرب، سوف يقوم الآن بكل ما يفيده هو. فمساعدة موسكو لم يعد بحاجة شديدة إليها، وترى بأنه سوف يحل جميع قضاياه مع واشنطن مباشرة.
وقالت يوزيك بأنه كان بود الأسد لو يتخلص من الوجود الإيراني "الثقيل"، لأنه "دين ثقيل عليه تسديده". لكن وضعه مع الإيرانيين أكثر صعوبة من وضعه مع الروس. وتعتقد بأنه يخشى الإيرانيين أكثر، لأن المسألة السورية بالنسبة لفيلق القدس وطهران، هي إحدى مسائل الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية. ولذلك تؤكد بأن "مبادرته الأميركية منسقة مع إيران".
أما رامي الشاعر، صاحب القنبلة الصوتية التي كادت تزيح الاهتمام بالحدث الأفغاني، فقد حملنا إليه سؤالا آخر: بغض النظر عما إذا كان الأميركيون قد رفضوا أو قبلوا ما عرض عليهم مبعوث الأسد، إلا أن الأسد يفصح بذلك عن رغبة النظام القديمة، قدم علاقة أنظمة طغاة المنطقة بروسيا البلشفية، بأن يكون للولايات المتحدة حصة فيه إلى جانب الحصة الإيرانية الوازنة، فماذا بقي لروسيا في الأسد؟ لكن السؤال للشاعر كان السؤال القديم كيف نقدمه للقارئ: هل نقدمه كمصدر وثيق الصلة بوزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين، أم نقدمه كمصدر مقرب من الكرملين. رد الشاعر بأنه لا يدقق في أمر تعريفه، بل الأهم بالنسبة له هو أن يعرف القارئ بأن وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين تعتمدان كتابين له "كمصدر مهم" لإطلاع الدبلوماسيين والعسكريين الروس، وكذلك نواب مجلس الدوما وأعضاء مجلس الاتحاد، على الأسباب الحقيقية "للأزمة السورية وباقي الأوضاع في الشرق الأوسط"، وتأكيد ضرورة ما تقوم به روسيا اليوم في سوريا. وألحق كلامه عن التعريف به بالقول بأنه يعتقد أن من الصعب على أي صحفي أو محلل سياسي روسي اليوم أن يعرف "من هو رامي الشاعر ومن يمثل".
رد الشاعر على السؤال عما تبقى لروسيا في الأسد، بعد الحصة الأميركية المستجدة المفترضة والحصة الإيرانية، جاء من ضمن ما تردده روسيا عن موقفها من الأزمة السورية. وقال بلهجة حازمة آمرة "ليكن الجميع على معرفة" بأن روسيا لا تنافس أحداً على سوريا، وتحترم سيادة سوريا وحقها في اختيار مع من تقيم علاقاتها.
وأكد الشاعر بأن روسيا ليست ضد أن تقيم سوريا علاقات مع الولايات المتحدة، وأن تتجاوب مع الجهود الدولية لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254. وهي "تعمل كوسيط" لرفع الحصار والعقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا. لكن الإدارة الأميركية ما زالت ترفض ذلك، وكل المؤشرات تشير إلى أنها رفضت بشكل حاسم المبادرة ــــــــ العرض الذي نقله مبعوث القصر الجمهوري إليها.
وفي الرد على سؤاله عما ستفعله روسيا حيال محاولات الأسد الحثيثة لتعطيل مبادراتها في درعا، وعما إذا كانت قد أصبحت رهينة لمواقف الأسد، قال الشاعر "ليكن الجميع" على ثقة بأن روسيا تتعامل الآن مع الملف السوري على أنه ملف إنساني، ولا تبني استراتيجيتها إلا على هذا الأساس، ولا تهتم "بالتغيرات المزاجية لأي طرف وعلى أي مستوى". وأكد على أن روسيا مستمرة في السعي إلى توافق بين السوريين، والذي لا بد أن يحصل "قريباً جداً" بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية والاحتقان الشعبي "الواسع والعميق" الذي أصبح تدني المستوى المعيشي هو الأساس فيه.
ورفض الشاعر أن تكون روسيا رهينة لأي أزمة، فهي "دولة نووية عظمى"، والقرارات التي تؤخذ فيها بشأن السياسة الداخلية والخارجية "تُعتمد من قبل البرلمان الروسي".
وبشأن التسوية في درعا، قال الشاعر "أكرر ما قلته منذ اليوم الأول" أنه لن تكون هناك حرب في درعا ودرعا البلد والجنوب بشكل عام. ومساعي الضباط الروس متركزة الآن على وقف حتى التراشق الناري العشوائي من بعيد، بل ويتم تسجيل أي خرق لوقف إطلاق النار. وأكد بأنه يجري الآن التحقيق في حادثة مقتل المواطن محمود علي صالح القطيفان الذي أصيب في منزله بشظايا طلقة مضاد متفجرة، وسوف "يحاسب بالترتيب من أطلقها ومن أصدر الأمر، ابتداءً من قائد المجموعة وقائد السرية والكتيبة واللواء والفرقة التي يتبع لها هذا المضاد، والذي يستخدم بشكل عشوائي ضد المدنيين".