تفاوتت العلاقات بين النظام السوري وحزب الله من الترحيب الشديد بانخراط الحزب في حرب الأسد ضد شعبه عام 2013، إلى التوجس الكبير مع اتضاح طبيعة الطموحات الاحتلالية الإيرانية ورغبتها في إرساء نفوذ في سوريا على حساب النظام وبالضد من طموحاته.
ولما كانت إيران تعمل وفق نظام قديم ومتهالك، فقد حرصت على تعميم نموذج احتلال استعماري بصيغة القرون الوسطى، يتضمن إحلال جماعات سكانية جديدة مكان السكان الأصليين، وتعميم الطقوس الشعائرية الخاصة، وخلق أنساق طقوسية تتسم بالمبالغة بهدف تعميم حالة التحشيد الأيديولوجي والولائي، ومحاولة توسيع الرقعة الجغرافية للنفوذ عبر عمليات قضم متواصلة وأعمال استملاك وشراء أراضٍ ورعاية عصابات تجارة المخدرات والعملات وتهريب البضائع.
كان النظام يعتبر أن له دينًا على الحزب، إذ أَمَّن له الساحة الخلفية المناسبة لتصنيع السلاح وتهريبه والتدريب، ما منح الحزب القدرة على التطور والتحول إلى قوة يُحسب لها حساب في المنطقة. ولذلك، فإن مشاركته في الدفاع عنه لا تُعد منة وشهامة بقدر ما تُعد واجبًا لا يستوجب الشكر.
يختلف رأي الحزب ومنطلقاته، فهو قد دخل الحرب باستراتيجية واعية لا تدرج إسقاط النظام في دائرة الأولويات إلا من داخل سياقات تمكين النفوذ الإيراني وتغلغله في المنطقة.
تضاربت الحسابات الإيرانية مع الحسابات الروسية، مع محاولات إيران انتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب في الساحة السورية ومقارعة الروس في الاستيلاء على المرافق السورية العامة والصفقات والإدارات.
بات معروفًا أن ما سمح للأسد بالاستمرار ومنعه من السقوط لم يكن تدخل حزب الله والميليشيات الإيرانية، بل التدخل الروسي الذي خلق معادلات جديدة تحولت معها كل ميليشيات إيران إلى قوى مساندة تعمل كحشد بشري رخيص معد للاستهلاك الميداني، ويكون أفرادها معرضين للخسائر البشرية، في حين يعمل الروس على تكريس معادلة الحسم الجوي.
ولكن، خلافًا لمشروع حزب الله، كان نظام الأسد الاستثمار الأساسي لروسيا، وإبقاؤه على قيد الحياة السياسية والمؤسساتية كان غاية في حد ذاتها. تم قبول الوجود الإيراني، الذي يمثل حزب الله واجهته الأساسية، كعنوان يدعم هذا التوجه ويساعد على إنجازه.
تضاربت الحسابات الإيرانية مع الحسابات الروسية، مع محاولات إيران انتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب في الساحة السورية ومقارعة الروس في الاستيلاء على المرافق السورية العامة والصفقات والإدارات، وكذلك في التحكم بالقرارات. فكان أن ردت روسيا بتسهيل الضربات الإسرائيلية ضد إيران والتأسيس لتضارب المصالح بينها وبين نظام الأسد.
نمت وتطورت عناصر الخلاف بين الأسد وحزب الله، ويمكن القول إن حدث اغتيال عماد مغنية في كفرسوسة عام 2008، قبل ثلاث سنوات من اندلاع الثورة السورية، كان العنوان الذي خلق أزمة ثقة عميقة بين الطرفين لم تلبث أن تطورت مع الانخراط في الحرب السورية، حيث راحت قيادات الحزب تتعرض للاغتيال في مناطق أمنية تابعة للنظام السوري.
إضافة إلى ذلك، شاعت تقارير عن تنفيذ ضباط في الجيش السوري لإعدامات ميدانية ضد عناصر من الحزب، كما أن مجاهرة علي رضا زاكاني، ممثل مدينة طهران في البرلمان الإيراني والمقرب من المرشد الأعلى، عام 2014، بأن أربع عواصم عربية، من ضمنها دمشق، أصبحت بيد طهران، لم تُعجب النظام السوري.
وتوالى التصعيد المكبوت بين الطرفين، ولكن العناوين الأخيرة ألقت بظلال قاتمة على مشهد العلاقة. إذ إن اغتيال القيادي البارز في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي في استهداف السفارة الإيرانية في دمشق بهجوم إسرائيلي، وردود فعل النظام الباردة، أطلق موجة اتهامات غير مسبوقة في تاريخ العلاقة بين الطرفين، حيث ظهرت اتهامات رسمية تعتبر النظام مسهلاً للاغتيال.
إدانة إسرائيل بخطاب مترهل ويخلو تمامًا من أي معنى ميداني وسياسي بالقياس إلى وقائع التفاهم والتعاون الصلبة التي تربط بينها وبين النظام.
انفجرت الأمور إثر حادثة مجدل شمس التي أودت بحياة مجموعة من الأطفال الدروز بصاروخ اعتبرته إسرائيل موجهًا من حزب الله.
وفي تعليقها على الحادث، كررت وزارة الخارجية السورية خطابها التقليدي؛ فأدانت الهجوم وحملت إسرائيل المسؤولية عنه، ورفضت الاتهامات الموجهة للحزب. ولكن كان لافتًا أنها أطلقت عليه تسمية "المقاومة الوطنية اللبنانية"، وهي عبارة حمالة أوجه، إذ إنها كانت تُطلق على المقاومات غير الإسلامية التي كانت تقاتل قبل الحزب.
رد الحزب إلى الوطنية والهوية اللبنانية يتلاءم مع رغبة النظام في تحييد نفسه عن المعركة والإيحاء بأن المسألة شأن لبناني. فقد غابت أي إشارة إلى التحالف أو وحدة المصير أو توحيد الساحات، وبدا البيان وكأنه أقرب إلى رفع العتب منه إلى إبداء الموقف.
إدانة إسرائيل بخطاب مترهل ويخلو تمامًا من أي معنى ميداني وسياسي بالقياس إلى وقائع التفاهم والتعاون الصلبة التي تربط بينها وبين النظام، والتي جعلته في نظر الحزب وجمهوره على وسائل التواصل الاجتماعي مصدرًا للخروقات الأمنية والاستخباراتية.
وقد كان للرد الإسرائيلي واستهداف الضاحية الجنوبية واغتيال المسؤول العسكري الأبرز في حزب الله، فؤاد شكر، أن خلق نوعًا من التوازي في المواقف السلبية بين الحزب والنظام، إذ عمد نصر الله إلى تحييد النظام من معادلة الرد، كما أن مقاطعة التلفزيون السوري الرسمي لخطاباته تصب في الإطار نفسه وتعلن عن تضارب حاد في المشاريع والمصالح.
حاليًا، تتوالى الأخبار حول المواقف الروسية التي تحض الأسد على فصل مساره عن المسار الإيراني جملة وتفصيلًا. وهو مشروع قد بات مع توالي الإغراءات العربية والتبني الدولي له بمثابة الحل الوجودي للنظام الذي لن يشرعن بقاءه وحسب، بل سيعيد تعويمه ويسمح برفع العقوبات عنه.
ومن ناحية أخرى، وفي توقيت مريب، يزور رئيس جهاز المخابرات العامة التابعة للنظام، حسام لوقا، بيروت من دون أن يتضمن برنامج زيارته لقاءً بالأمين العام للحزب، حسن نصر الله.
يرجح أن هدف الزيارة يتعلق بالتأكيد على النوايا الإسرائيلية الحربية واستعداد أمريكا الجدي للدفاع عنها، والاعتذار عن عدم رغبة النظام في المشاركة في الحرب إذا ما انفجرت، لأن أولوياته في مكان آخر.
لقد صارت الممانعة تقفز على رجل واحدة، هي الرجل الإيرانية، وليس الحزب ضمن هذه المعادلة سوى لاعب صغير في لعبة كبرى.