جاءت جريمة مجدل شمس لتوفر لإسرائيل مجموعة من الفرص. الجدل حول هوية الصاروخ الذي تسبب بمقتل الأفراد الدروز في ملعب كرة القدم في المنطقة المحتلة لا يفيد في شيء.
لقد وقعت المجزرة في سياقات واضحة المعالم لاشتباك منظّم ومحدد ويكاد يكون متفقًا عليه بين حزب الله وإسرائيل، وكان يمكن اعتبار الضحايا بمثابة الخسائر الجانبية وإلحاقهم بحشد الضحايا المنسيين، ولكن قرار إسرائيل بوضع أبناء مجدل شمس المقتولين في دائرة الضوء والانتباه، كثّف المأساة السورية وأضاف إلى كل سياقات التغول على السوريين بُعدًا جديدًا وقاسيًا. إذ إن انقسام الآراء في القرية المحتلة بين من يتبنون الهوية الإسرائيلية ومن لا يزالون مصرين على الهوية السورية يظهر ضيق الخيارات التي تقارب الاستحالة.
الاستثمار الإسرائيلي في الدم السوري يتخذ صيغة إعلائه ليكون عنوانًا للحرب على لبنان وتدميره بداعي الانتقام للمواطنين الإسرائيليين، وبذلك يتم تحميل المجزرة اللبنانية القادمة عنوانًا سوريًا وتصبح إسرائيل بمثابة ولي الدم السوري، بينما لم تهتم الحكومة السورية بإبداء أي ردة فعل حيال ما حصل.
السياقات التي ثبتت حكم آل الأسد أبرزت نفسها بقوة لتكشف عن أن الجولان، الذي لا يزال أرضًا عربية محتلة بالنسبة للأمم المتحدة، إنما يكتسب شرعيته وواقعيته من اعتراف النظام الأسدي به ومقايضته بالإبقاء على سلطاته والدفاع عنها.
وعليه، فإن تلك المقتلة السورية التي قادها ذلك النظام ورعاها واستدعى إيران وحزب الله وروسيا لمساعدته على إنجازها تجد في هذه اللحظة الاستئناف الطبيعي لها، والذي يؤكد قبل كل شيء على عمق الترابط بين النظامين الأسدي والإسرائيلي ومدى قدرة إسرائيل على الاستفادة من العناوين الكبرى التي باعها لها الأسد في تركيب نظام مصالح واستهدافات واسع ومدعم بخطاب الشرعية والدفاع عن الأقليات والمكونات الإسرائيلية، إضافة إلى بث الفتنة بين دروز سوريا ودروز لبنان والمناطق المحتلة ونقل الاضطراب إلى الداخل اللبناني والتسبب بإشكالات حادة تسبق أي عمل حربي وتتماهى معه.
حزب الله يعلم أن ميدان انتشاره في المنطقة سيكون ضمن دائرة الاستهداف، لذلك شرع بإعادة التموضع في المناطق التي يحتلها في سوريا وخصوصًا تلك المحاذية للحدود اللبنانية.
منح إسرائيل حق الانتقام لمواطنين عرب وسوريين يعيشون في مناطق محتلة واعتراف لبنان الرسمي بحقها في ذلك ومطالبتها بتخفيف الضربة والتوسط لدى الجهات الدولية النافذة للحد منها واقتصارها على أماكن محددة واستثناء بيروت والمطار يعني القبول بأن البلد بات ينقسم إلى مناطق متمايزة في وزنها وأهميتها.
تتكون عناصر المعادلة المستجدة وفق نمط يتلاءم مع طموحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الراغب في إطالة أمد الحرب ومنحها شرعية أمريكية ودولية. الضربة المتوقعة على لبنان تحظى بتغطية عالمية ويتم الحديث عن حدودها وحسب مع إقرار بعدم القدرة على ضبط إيقاعها وترك القرار في ذلك لآلة الحرب الإسرائيلية التي استفادت من المشهد بتكثيف ضرباتها في غزة وشن هجمات في الضفة والاستعداد لضربات تطول إيران وحزب الله في سوريا ولبنان. قد تتخذ تلك الضربة عنوانًا لبنانيًا، ولكن الحزب يعلم أن ميدان انتشاره في المنطقة سيكون ضمن دائرة الاستهداف، لذلك شرع بإعادة التموضع في المناطق التي يحتلها في سوريا وخصوصًا تلك المحاذية للحدود اللبنانية.
الحدث الداخلي الإسرائيلي المتمثل في اقتحام مستوطنين لقاعدة بيت ليد ومحاولة إطلاق سراح جنود متهمين بالضلوع في اعتداءات جنسية على أسير فلسطيني ساهم في تأجيل الضربة، ولكنه أثبت من ناحية أخرى مناخ التوحش في المجتمع الإسرائيلي، ما من شأنه أن يجعل من الضربة على لبنان عنوانًا للشعبية والشرعية.
إن حربًا تخوضها إسرائيل مرتدية عباءة ولي الدم السوري ويكون فيها حزب الله مدافعًا عن لبنان وفلسطين ليست إلا عنوانًا عبثيًا عريضًا جديدًا يضاف إلى العناوين العبثية التي تحكم إهدار الدماء في المنطقة
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية خلال زيارته إلى أمريكا وإلقاء خطاب أمام الكونغرس قد حرص على خلق حالة من وحدة العداء لإيران بين إسرائيل وأمريكا، وقد كان تأييد خطابه من قبل الجمهوريين والاعتراض عليه من قبل بعض الديمقراطيين دليلًا على قدرته على تشكيل حالة تأثير فاعلة في مسارات المعركة الانتخابية القائمة بين ترامب وهاريس مع ميل واضح إلى جهة ترامب.
كل ذلك سيجعل من الاستثمار في حربه أو في خلق مسار تهدئة يصب في صالحه عنوانًا للتنافس الانتخابي، ما من شأنه أن يدفع إلى تصعيد كبير قبل أن تستقر الأوضاع على تسويات. الحلول المطروحة حاليًا والتي تتضمن عودة إلى تطبيق القرارات الدولية من قبيل القرار 1701 الذي يفرض ابتعاد حزب الله لمسافة 10 كيلومترات إلى ما وراء الليطاني لا يبدو مقبولًا بالنسبة لإسرائيل وحزب الله.
كما أن الحديث الذي كثر في الآونة الأخيرة عن أنفاق الحزب والتي تتفوق في عمقها وتحصيناتها وفعاليتها على أنفاق حماس بشكل كبير تشكل عنوانًا بارزًا في سياقات الحديث عن طبيعة الحرب، حيث زودت أمريكا إسرائيل مؤخرًا بشحنة قنابل ثقيلة يمكنها اختراق طبقات الأرض وتدمير الأنفاق.
وكذلك يجري الحديث عن أن استراتيجية حزب الله تقوم على نقل المعركة إلى الداخل الفلسطيني، وهو عنوان تجد فيه إسرائيل تهديدًا جديًا وخطيرًا. ولكن في كل ما ينفجر من مسارات، فإن الضحايا لا يتغيرون، ولكن المفارقة الحادة تكمن في تنافس القتلة في استثمار دماء الضحايا والنطق باسمهم.
وفي المحصلة، فإن حربًا تخوضها إسرائيل مرتدية عباءة ولي الدم السوري ويكون فيها حزب الله مدافعًا عن لبنان وفلسطين ليست إلا عنوانًا عبثيًا عريضًا جديدًا يضاف إلى العناوين العبثية التي تحكم إهدار الدماء في المنطقة، والتي تجمع بين السوريين واللبنانيين والفلسطينيين في بنية استهداف موحدة تقودها إسرائيل من ناحية وإيران وأذرعها من ناحية أخرى.