تتحدث وسائل الإعلام الغربية عن "آلام الإسرائيليين"، وكيف أنهم يخشون العودة إلى مستوطنات غلاف غزة، لأنهم يحلمون بصواريخ حماس تقصف منازلهم، وتحول حياتهم إلى جحيم.. وتقول صحيفة وول ستريت جورنال إن مستوطنة "سديروت تحولت إلى حد كبير إلى مدينة أشباح"، وإن "حماس" قصفت المستوطنات منذ عام 2005 بـ 36 ألف صاروخ.
وتروي الصحيفة قصة عائلة إيلان كوهين وهو مدير استقبال المرضى في قسم الطوارئ، والذي عاش في مدينة عسقلان طوال حياته وتقول: "ينامون الآن في غرفة معيشتهم، ليكونوا أقرب إلى ملجئهم من القنابل في الطابق السفلي". وتتابع الحديث عن "إرهاب" حماس وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
لا يذكر إيلان وهو يروي قصته للصحيفة، أي حادثة قصفت فيها "حماس" قسم الطوارئ الذي يعمل فيه أو مستشفى أو مركزا صحيا في المنطقة، في حين تتجاهل تهديد جيش الاحتلال بقصف مستشفى الشفاء في غزة بعد أن قصف المستشفى المعمداني وقتل قرابة 500 مدني.
تنقل الصحيفة عن كوهين أن له أصدقاء في غزة حاول الاتصال بهم والاطمئنان عليهم مرارا لكن من دون جدوى. هكذا ترسم الصحيفة صورة "الإسرائيلي الأبيض"، القادم من الجنوب ليعيش بجانب أهالي الشمال الذين تحكمهم حركة "حماس".
لم تذكر الصحيفة أن إسرائيل قطعت الاتصالات والقصف يطول كل شيء في غزة، والنوم في غرفة المعيشة ليس متاحا لأحد هناك "فلا يوجد مكان آمن في غزة".
"لا يوجد مكان آمن"
"لا يوجد مكان آمن"؛ قال هذه العبارة السوريون في شمال غربي البلاد وشرقيها، الذي تعرض لغارات من النظام السوري وروسيا وقصف مدفعي وصاروخي، حتى غارات التحالف الدولي التي ضربت داعش قتلت مئات المدنيين في دير الزور والرقة، واليوم تعود هذه العبارة إلى الواجهة في تقارير المراسلين الصحفيين والمدنيين في غزة، الذي يواجهون الموت تحت القصف الإسرائيلي في المستشفيات وفي محيطها، لأن قيادة جيش الاحتلال تدعي أن "حماس" حفرت أنفاقا تحت المستشفيات، وهي تستخدم المدنيين دروعا بشرية، والمفارقة أن سلطات الاحتلال طلبت من المدنيين الانتقال إلى جنوبي غزة وعندما نزحوا إلى هناك قصفتهم.
قصف المستشفيات والأماكن "المحرمة" تحدث عنها الإعلام الغربي بإسهاب إبان الغزو الروسي لأوكرانيا، وأشارت إلى أن وجود "مقاومة" عنيدة، تدفع "الجيوش" إلى استخدام سياسة الأرض المحروقة التي لا تنجو منها المستشفيات، وقالت إن روسيا كثفت هجماتها الجوية على أهداف مدنية في ظل ما يلقونه من مقاومة أوكرانية، وذلك عندما قصف الروس مستشفى ماريوبول.
هذه السياسة تنتهجها إسرائيل أيضا، حيث قالت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء، إن 160 عامل صحة فقدوا حياتهم في غزة، 16 منهم قتلوا في أثناء أدائهم واجبهم، مبينة أن المراكز الصحية في غزة تعرضت لـ 102 هجوم، ونظيرتها في الضفة الغربية المحتلة استهدفها 121 هجوما، وأضافت أن 509 أشخاص قتلوا من مواطنين ومرضى وأطقم طبية وأصيب 447 آخرين.
وأشارت المنظمة إلى أنه يتم إجراء عمليات جراحية لبعض الأشخاص في غزة من دون تخدير بما في ذلك عمليات بتر الأطراف.
ثغرة "الإرهاب" وقصف المستشفيات
عام 2015، تساءلت شبكة سي إن إن الأميركية، حول ما إذا كان قصف الجيش الأميركي لمستشفى قندوز في أفغانستان جريمة حرب، حيث قتل فيه 22 شخصا بينهم 12 طبيبا من "أطباء بلا حدود".
وقال خبير استضافته الشبكة: "تتمتع المستشفيات بوضع حماية خاص بموجب القانون الإنساني الدولي. لذا، فإن مهاجمة مستشفى أو منشأة طبية، سواء كانت منشأة مدنية أو عسكرية، يعد جريمة". ومع ذلك، إذا تم استخدام المستشفى لدعم العمليات العسكرية لأغراض غير طبية، فإنه يفقد حالة الحماية الخاصة ويمكن أن تتعرض للهجوم من قبل قوات المعارضة. لكن القانون يشترط أن يكون الهجوم متناسبا مع التهديد والمخاطر التي ينطوي عليها".
وبعد عام، قال "البنتاغون" إنه سيتم تأديب 16 عسكريا بسبب الضربة القاتلة على مستشفى قندوز بأفغانستان، لكنه أكد أنها "لم تكن جريمة حرب لأنها نتجت عن خطأ بشري غير مقصود وتعطل المعدات".
مستشفيات غزة
قالت صحيفة نيويورك تايمز، إن "بايدن فوجئ بعدم رغبة نتنياهو في التراجع عن مهاجمة المناطق الحضرية"، تفاجؤ الرئيس الأميركي بأتي عقب مجازر عدة بينها مجزرة مخيم جباليا والمستشفى المعمداني.
وبعد أن تسبب قصف الاحتلال بدمار أجزاء كبيرة وواسعة في مستشفى الطب النفسي الوحيد في قطاع غزة ومستشفى العيون.
ودعا عشرات الأطباء الإسرائيليين في عريضة الجيش الإسرائيلي إلى قصف مستشفى الشفاء، شمالي قطاع غزة؛ بزعم أنه يضم مقرا للمسلحين الفلسطينيين.
وادعت العريضة، أن هذا المطلب الموجّه للجيش بقصف المستشفى "حق مشروع لإسرائيل".
وعرضت حركة حماس أن يوفد الأمين العام للأمم المتحدة أو أي من هيئاتها لجنة لفحص الوضع في مستشفيات قطاع غزة للتأكد من خلوها من المقاتلين. في حين شددت منظمة هيومن رايتس ووتش، الجمعة، أنها لم تجد ما يؤكد مزاعم الجيش الإسرائيلي بأن مقر قيادة حماس يقع تحت مستشفى الشفاء.
منظمة الصحة العالمية، قالت في تقرير إن: هجمات إسرائيل على مستشفيات ومراكز غزة الصحية نتج عنها مقتل 509 من مواطنين ومرضى وأطقم طبية وإصابة 447 آخرين.
مستشفيات سوريا
العدوان على غزة، والانحياز لإسرائيل ومحاولات تبرئتها من ارتكاب المجازر، يضع التنديد بقصف المستشفيات والتعاطف مع الضحايا على مقياس المصلحة السياسية، وعلى سبيل المثال، فقد عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حزنه عقب مجزرة المعمداني، وقال إن استهداف المستشفى مأساة وكارثة إنسانية مروعة.
الحرب العلنية على المستشفيات في غزة، شنته وما تزال القوات الروسية في سوريا، إذ تذكر الشـبكة السـورية لحقـوق الإنسـان أنها وثقت مقتـل 874 مـن الكـوادر الطبيـة على يـد أطراف النزاع والقوى المسـيطرة فـي سـوريا منـذ آذار 2011 وحتـى آذار ،2023 توزعـوا علـى النحو الآتي: قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية: 655، القوات الروسية: 69، والعديــد منهــم قــد قتلــوا بســبب قصــف المراكــز الطبيــة، أو فــي أثنــاء إسـعافهم الجرحـى.
وفي تقرير مثير عام 2013 قالت الشبكة "لقد تسببت عمليات القصف اليومية التي تقوم بها القوات الحكومية منذ عام 2011 وحتى الآن بمختلف أنواع الأسلحة بتضرر قرابة 2.5 مليون مبنى ما بين منزل ومستشفى ومسجد وكنيسة، قرابة 800 ألف مبنى منها مدمر بشكل كامل، وقد نال القصف العشوائي والمتعمد من المستشفيات وتسبب ذلك القصف والتدمير بالإضافة إلى عمليات النهب والتخريب الممنهج الذي تقوم به القوات الحكومية كل ذلك تسبب بأن تخرج (45 % من المستشفيات في سوريا عن العمل وتتوقف بشكل كامل)، أما الـ 55 % المتبقية فهي إما تعمل بشكل جزئي (15% تعمل بشكل جزئي)، أو تعمل بشكل جيد (40%).
وأضافت أنه يبلغ عدد المستشفيات الخاصة في سوريا قرابة 390 مستشفى كما أن هناك قرابة 124 مستشفى حكوميا، وتعتبر محافظة الرقة الأكثر تضررا وذلك لأنها بعد أن خرجت عن سيطرة النظام السوري تعرضت لعمليات قصف غير مسبوق بعدد هائل من صواريخ السكود فتدمر قسم كبير من مستشفياتها وتوقف معظمها عن العمل وتشير تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان بحسب زيارات ميدانية أن 85% من مستشفيات محافظة الرقة متوقفة عن العمل.
تذرعت روسيا والنظام السوري بوجود "مقاتلين" في المستشفيات لتبرير قصفها، ومثال ذلك قصف مستشفى في خان شيخون عقب الهجوم الكيماوي عام 2017، مما أدى إلى مقتل العديد من المرضى والمصابين حينئذ، وسميت هذه الاستراتيجية "بالنقر المزدوج" وهي استهداف المنطقة مرتين لإيقاع أكبر عدد من الضحايا، بعد قدوم المسعفين إلى المنطقة لإجلاء المصابين والقتلى.
المستشفيات في أوكرانيا
العام الماضي، وعقب قصف روسيا لمستشفى ماريوبول في أوكرانيا، انتشرت صور مرأة حامل وهي تنقل إلى سيارة إسعاف حول العالم، مجسدة رعب الهجوم على أكثر البشر براءة، بحسب وكالة أسوشييتد برس الأميركية.
وأثار الهجوم إدانة عالمية فورية، إلى جانب وعود بتقديم مزيد من الدعم للدولة المحاصرة. وقُتل في الهجوم ثلاثة أشخاص، من بينهم طفل يبلغ من العمر 6 سنوات، وأصيب أكثر من 12 شخصا.
وزعم المسؤولون الروس، المتهمون بارتكاب جرائم حرب، أن مستشفى الولادة قد استولى عليه متطرفون أوكرانيون لاستخدامه كقاعدة، وأنه لم يتم ترك أي مرضى أو مسعفين بالداخل.
وكان هناك ما لا يقل عن 707 هجمات على الرعاية الصحية بين شباط وكانون الأول 2022 في أوكرانيا، بحسب الأمم المتحدة.
ووجد تقرير بعنوان "الدمار والخراب.. عام واحد من الاعتداء الروسي على نظام الرعاية الصحية في أوكرانيا"، أنه كان هناك هجومان في المتوسط كل يوم بين 24 شباط و31 كانون الأول 2022. وشمل ذلك قصف المستشفيات، وتعذيب المسعفين، وإطلاق النار على سيارات الإسعاف.
خلال تلك الفترة، كان هناك 292 هجوما أدى إلى إتلاف أو تدمير 218 مستشفى وعيادة، و181 هجوما على البنية التحتية الصحية الأخرى (مثل الصيدليات ومراكز الدم وعيادات الأسنان)، و65 هجوما على سيارات الإسعاف. كما وقع 86 هجوما على العاملين في مجال الرعاية الصحية، أسفرت عن مقتل 62 شخصا وإصابة 52 آخرين.
وعلق رئيس الوزراء البريطاني حينذاك بوريس جونسون، بالقول إن "هناك أشياء قليلة أكثر انحرافا من استهداف الأشخاص الضعفاء والعزل".
في حين وصف بايدن ما حدث في أوكرانيا بأنه "إبادة جماعية"، لكنه تجنب الإدانة عندما سئل عن الحرب الإسرائيلية.
وقال: "العالم أجمع متحد في دعم أوكرانيا وجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدفع ثمنا باهظا". معتبرا الهجوم "عارا على العالم أجمع".
إسرائيل التي "لا تخطئ" والدم الأسود
ولكن بعد الهجوم على المستشفى المعمداني في غزة، قال بايدن إنه "حزين بعمق" بسبب الانفجار في المنشأة.
وأضاف بايدن خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "استنادا إلى ما رأيت من الواضح أنه تم فعل ذلك من قبل الفريق الآخر، ليس من قبلكم".
وبشأن قصف المشافي في سوريا، لم يبخل الغرب بالتصريحات المنددة والعقوبات على النظام السوري، ورغم ذلك تستمر المجازر في شمال غربي سوريا للسنة 13، ويذكر أن الأمم المتحدة زودت روسيا بإحداثيات المستشفيات والمراكز الصحية في المنطقة لتجنيبها القصف، إلا أن روسيا فعلت العكس تماما، ما "أفجع" الأمم المتحدة.
وحتى اليوم، لم يعاقب النظام وروسيا ولم يدفعا أي ثمن لارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتؤكد ازدواجية المعايير التي كشفها العدوان على غزة، صعوبة تطبيق القانون الدولي إذا لم تلتزم جميع الدول به وقامت بمعاقبة المجرم، وقد يصبح المرجع في استهداف المستشفيات والإفلات من العقاب ثلاثي إسرائيل والنظام السوري وروسيا وأيضا "ازدواجية" معايير الغرب، وهي ما تثير جدلاً اليوم حول هوية الضحايا وتفاعل الحكومات معها.
استهداف المستشفيات والقتل "تحت القانون"
يقول أرشيف المكتبة الوطنية الأميركية للطب، إنه "خلال الحرب العالمية الأولى، تم استخدام السفن المستشفيات لعلاج الجنود الجرحى والمرضى بكفاءة ونقلهم إلى المستشفيات على الأرض. ومع اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907، تم قبول السفن المستشفيات باعتبارها محصنة، وعلى الرغم من أن معظم الدول المعنية كانت قد وقعت على الاتفاقيات قبل الحرب، فإنه بعد بدء المعارك، تم انتهاك الاتفاقيات بشكل متكرر، ولذا أصبحت غير فعالة".
ويضيف أن الحرب العالمية الأولى كانت واحدة من أسوأ الحروب من حيث انتهاكات حقوق الإنسان. إذ تم تجاهل اتفاقيات جنيف ولاهاي السارية آنذاك من قبل معظم الدول المعنية، وتم ارتكاب جرائم حرب خطيرة. وشملت أخطر انتهاكات حقوق الإنسان ما يأتي: مصادرة أو قصف أو إعاقة مستشفيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وكذلك سفن المستشفيات والعاملين في مجال الرعاية الصحية ومركباتها وإمداداتها؛ وإساءة معاملة أسرى الحرب؛ واستخدام أسلحة محظورة أو غازات سامة؛ وقتل المدنيين غير المتورطين أو انتهاك حقهم في الحياة بشكل مباشر أو غير مباشر.
واليوم رغم الحماية القانونية الممنوحة للوحدات الطبية بموجب القانون الدولي الإنساني، يجري في سوريا وغزة ما جرى في "أسوأ الحروب" دفعة واحدة كما قال الأرشيف.