لم تعد الخلافات بين رئيس الائتلاف الوطني السوري ومكونات الائتلاف ومؤسساته طي الكتمان داخل أروقة الائتلاف بعد مشادة بين رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية نصر الحريري ورئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى يوم أمس، حيث تعرض الحريري لسيل من الشتائم من مصطفى.
وقالت مصادر لموقع تلفزيون سوريا إن الحادثة وقعت يوم أمس الجمعة في أثناء حضور وفد من الائتلاف والحكومة المؤقتة لتقديم واجب العزاء لعضو الهيئة العامة في الائتلاف محمد قداح في مدينة إسطنبول.
وأوضحت المصادر أن مصطفى دخل إلى العزاء وبادر الحضور بالمصافحة، إلا أن الحريري امتنع عن ذلك التزاماً بإجراءات السلامة العامة للحد من انتشار فيروس كورونا، الأمر الذي اعتبره مصطفى مخالفة بروتوكولية وإهانة واضحة بحقه.
من جهته اعتبر رئيس الائتلاف الوطني خلال رسالة أرسلها إلى مجموعة الهيئة العامة على تطبيق واتساب - اطلع عليها موقع تلفزيون سوريا - أنّ رد رئيس الحكومة كان مهيناً بالنسبة له، مضيفاً: "أضع هذا الموضوع أمام هيئتكم الموقرة وبين يدي الهيئة السياسية والأمانة العامة واللجنة القانونية واللجان المختصة لاتخاذ ما ترونه مناسبا من إجراءات".
واعتبر بعض الذين حضروا الموقف أنّ ذريعة الحريري في عدم الوقوف ومصافحة رئيس الحكومة المؤقتة كان يمكن أن تكون مبررة لولا أنّه صافح أشخاصا آخرين في ذات مجلس العزاء، ولولا أن الحريري هو من أصرّ على وفد الائتلاف للنزول إلى الداخل السوري في عز الإجراءات المشددة لمكافحة فيروس كورونا مما تسبب بوفاة سفير الائتلاف في قطر نزار الحراكي.
بداية الخلافات
بدأ التوتر بين الحكومة السورية المؤقتة وممثلي هيئة التفاوض السورية وأعضاء اللجنة الدستورية وبعض الكتل في الائتلاف الوطني من جهة، ورئيس الائتلاف الوطني "نصر الحريري" من جهة أخرى بعد رفضهم تعيينه رئيساً للائتلاف بطريقة استهجنها جمهور الثورة واعتبروها غير ديموقراطية.
يقول مصدر في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة لموقع تلفزيون سوريا طلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية الموقف، إنّ الدورة الحالية للائتلاف الوطني اتسمت بتصاعد الخلافات الداخلية وانعدام الإنجازات، وهذا أحد أهم أسباب موافقة معظم كتل الائتلاف الوطني على عدم التجديد لرئيس الائتلاف لدورة ثانية، فالخلافات مع هيئة التفاوض واللجنة الدستورية والحكومة المؤقتة خلقت حالة من التوتر بين فريق رئيس الائتلاف الوطني والمكونات الأخرى، بعد أن كانت الفرصة ذهبية للعمل بعد الدورة التي رأسها السيد أنس العبدة والتي اتسمت بالهدوء وتصفير المشكلات.
ويضيف المصدر أنّ أسباب الخلاف متعددة لكن يمكن تلخيصها بثلاث نقاط مهمة:
- الأولى: سعي رئيس الائتلاف لتهميش الحكومة السورية المؤقتة إذ بدأ بمراسلة المجالس المحلية والفصائل العسكرية والمؤسسات القضائية واللقاء معهم دون الرجوع إلى الحكومة المؤقتة المسؤولة عن القضايا التنفيذية أو اصطحاب أي من وزرائها في جولاته.
-الثانية: محاولة رئيس الائتلاف الهيمنة على الملف التفاوضي وتحجيم مكون الائتلاف في هيئة المفاوضات واللجنة الدستورية مما أثار غضب كتلة الـ G4 التي يرأس عضوين فيها هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، وهما أنس العبدة وهادي البحرة.
- الثالثة: تجاوز رئيس الائتلاف الوطني للنظام الأساسي وإصدار قرارات دون الرجوع إلى الهيئة العامة وعلى رأسها قرار إحداث مفوضية عليا للانتخابات، مما أحرج الائتلاف الوطني أمام الرأي العام الذي اعتبر القرار صادرا عن مؤسسة وليس شخصاً.
وتتقاطع المصادر في أنّ تلك التجاوزات دفعت كتلة الـ G4 وكتلة المجلس التركماني وكتلة المجلس الوطني الكردي وبعض الشخصيات الوازنة بعد نحو ثلاثة أشهر من تعيين الدكتور نصر الحريري رئيسا للائتلاف الوطني إلى الذهاب باتجاه تخفيف حدة التوتر داخل الائتلاف الوطني ورأب الصدع بين المكونات مع الاتفاق بعدم التجديد له لدورة ثانية.
غياب المساءلة
تجمع المصادر على أنّ غياب المساءلة كانت إحدى سمات الدورة الحالية لاسيما بعد نشر صحيفة الجسر لتحقيق صحفي يتحدث عن امتلاك رئيس الائتلاف الوطني لمنزل في إسطنبول تتجاوز قيمته 600 ألف دولار أميركي، إذ طلب رئيس المكتب القانوني "هشام مروة" استجواب رئيس الائتلاف عن مصدر ثروته التي تتجاوز أضعاف ثمن المنزل، فكان رد الحريري بأنّ ابنه صرف في دبي أضعاف هذا المبلغ ولن يخضع للمساءلة إلّا إذا سأل ابنه عن تبديد هذا المبلغ.
وترى المصادر أنّ تلك الإجابات هي تهرب من المساءلة لاسيما بعد ورود أخبار تفيد بمطالبة مسؤول الملف السوري في الخارجية السعودية لنصر الحريري بتقديم ملف مالي يوضح فيه صرفيات الهيئة التي وصلت إلى ملايين الدولارات، من دون أي رد من الحريري.
الصراع على الملف العسكري
في حين يذهب فريق لاتهام رئيس الحكومة المؤقتة بتعزيز موقفه مع فصائل على حساب فصائل أخرى يرى مراقبون أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في الطريقة الخاطئة لتشكيل كتلة الفصائل داخل الائتلاف الوطني، إذ كيف يمكن لفصائل تتبع لوزارة الدفاع أن يتم اختيار ممثليها من خارج الوزارة.
ويقول مسؤول العلاقات الخارجية في الجبهة الشامية لتلفزيون سوريا إنّ جميع الفصائل ومن ضمنها الجبهة الشامية تنظر إلى الائتلاف والحكومة المؤقتة على أنها مؤسسة واحدة وليست مؤسستين مختلفتين، والجيش الوطني بالنهاية يتبع لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، وبالتالي فجميع الفصائل تعتبر نفسها جزءاً من وزارة الدفاع وإن كان هناك اختلاف في وجهات النظر فهي لا ترقى لأن تتحول إلى صراع بين الفصائل ومؤسسات المعارضة.
اجتماع حاسم
إنّ ما فجّر المشكلة بحسب المصادر هو اجتماع الهيئة السياسية يوم الإثنين الماضي الذي حاولت مجموعة نصر الحريري خلاله الضغط على الهيئة السياسية لفصل عضو الائتلاف الوطني ديما موسى وممثلة الائتلاف في الولايات المتحدة الأميركية مريم جلبي بعد كلمة الحركة السياسية النسوية أمام مجلس الأمن، إذ إنّ إصرار كتلة وازنة داخل الهيئة السياسية على التحفظ لبعض ما ورد فيها دون سلب الحركة حقها في التعبير عن الرأي، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
تقول المصادر إنّ فريق رئيس الائتلاف كان يدفع باتجاه استجواب ديما موسى تمهيدا لفصلها قبل الاستحقاق المقبل في 12 و 13 من الشهر الحالي، وهذا ما لم يتمكنوا منه، فسارعت نائبة رئيس الائتلاف ربا حبوش لإقناع رئيس الائتلاف بإصدار قرار يقضي بتشكيل هيئة للمرأة السورية دون الرجوع إلى الهيئة العامة وتصويت الثلثين عليه، في سيناريو شبيه بإصدار قرار المفوضية العليا للانتخابات، ثم أصدرت تصريحات باسم هيئة المرأة قبل الإعلان عن الهيئة.
وتضيف المصادر أن فريق رئيس الائتلاف اعتبر أن رئيس الحكومة وكتلة الـ G4 وبعض حلفائهم كانوا وراء فشلهم في إصدار أي قرار في الهيئة السياسية لدعم موقفهم، وهذا ما يتعارض مع طموح نصر الحريري الذي يمكن اعتباره مشروعا لولا السلوك الذي اتبعه لتحقيقه، بحسب تعبير المصادر.
لا رد من الائتلاف
بالتواصل مع مدير مكتب رئيس الائتلاف الوطني والأمين العام للائتلاف الوطني وبعض المقربين من رئيس الائتلاف للسؤال عن وجهة نظر الطرف الآخر لم نتلقّ أي رد على المكالمات، إلا أن المعلومات التي وردت من داخل الاجتماع الطارئ الذي طلب رئيس الائتلاف عقده أنّ الأمور ذاهبة للحل، ولا مجال لطرح حجب الثقة على اعتبار أنّ المسألة لا تستدعي ذلك، فضلا عن عدم قدرة رئيس الائتلاف على حشد ثلثي أعضاء الائتلاف للتصويت، إذ إنّه لا يمتلك أكثر من 12 صوتا لذلك.
لا يختلف السياسيون السوريون والناشطون على أن أي مؤسسة معارضة هي قيمة مضافة للثورة السورية، على أن تتسم تلك المؤسسات بالمبادئ التي نادت بها الثورة وعلى رأسها مشاركة السوريين في تقرير مصيرهم واتباع مبدأ الشفافية الذي يعتبر عماد الدولة المدنية التي طالما حلم بها السوريون بعد أعوام من هيمنة الدولة الأمنية في ظل الحزب الواحد؛ إلا أن كثيرا من قرارات ونشاطات الائتلاف والحكومة وهيئة التفاوض كانت مرفوضة شعبياً، بل إن بعض التصرفات والقرارات المرفوضة تسببت بحملات للناشطين طالبت بإسقاط الشخصيات المترأسة لهذه المؤسسات.