في مشهد بمنتصف فيلم "جاسر" الذي أبصر النور منذ مدة قريبة على يد المخرج وحيد القواسمي، يظهر في ذلك بطل الفيلم الذي يحمل اسمه، جاسر، وهو يركب دراجته ليلاً تحت ضوء الإنارة في الشوارع ذات اللون البرتقالي ليصل إلى شقة مؤلفة من طابقين يشترك في السكن فيها مع جارته التي تعشق الخصام، وقطتها.
وعن تلك الشخصية يقول القواسمي: "إنه فقير جداً وليست لديه سيارة، ولا يملك أي وسيلة أو طريقة ليحقق حلمه".
كان جاسر يضع سماعاته ويستمع لأغنية راب، فبدا لوهلة سعيداً بعدما تحرر من التعنت والكره والتوتر الذي تعرض له منذ أن وصل إلى الولايات المتحدة قبل شهر.
يخبرنا القواسمي، الذي انتقل من عمان في الأردن إلى ممفيس في الولايات المتحدة عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، أن المشهد يرتبط بطفولته بشكل مباشر، حيث يقول: "عندما كان على الدراجة بكيت عندما رأيت ذلك، لأنني أعدت تشكيل وخلق تلك الفترة من حياتي".
العودة إلى الوطن من وجهة نظر المخرج
"جاسر" أول فيلم روائي طويل للمخرج القواسمي، وبما أنه ناطق باللغتين العربية والإنكليزية فإنه سيعرض للمرة الأولى في العالم يوم الجمعة ضمن فعاليات مهرجان ناشفيل السينمائي أمام حشد من الجماهير وذلك في قاعة جونسون ضمن مركز الفنون التمثيلية بتينيسي.
يحكي فيلم "جاسر" قصة خيالية عن لاجئ سوري استقر في ممفيس بعدما قُتل معظم أفراد أسرته في بلده بسبب الحرب الوحشية الدائرة فيها. يجد هذا الشاب لنفسه عملاً في مطعم يقدم وجبات شرق أوسطية أقيم في تلك المنطقة، ويملكه شخص فظ يلعب دوره الممثل اللبناني طوني مهنا، وهذا الفظ يحاول أن يجعل من جاسر شخصاً أقوى حتى يهتم بنفسه، وسرعان ما يصبح جاسر صديقاً لابنة صاحب المطعم، ولأحد الطباخين واسمه جيروم.
إلا أن معظم أحداث الفيلم تدور حول الصداقة غير المعتادة التي تربط بين جاسر وجارته ميريل المحافظة التي أصبحت تتابع الأخبار بنهم، بعدما كانت مغنية جاز لكنها أصبحت مدمنة على المسكنات، وتلعب دورها الفنانة لورين براكو التي تم ترشيحها لنيل جائزة أوورد أكاديمي.
تعامل ميريل جاسر بارتياب وتعنت خلال لقاءاتهما القليلة الأولى، وذلك قبل أن يتدخل جاسر ليمنع عملية سرقة وسطو على بيتها، لتكون تلك من المرات الكثيرة التي يتدخل فيها هذا الشاب لحماية ميريل التي لا تبدي له أي امتنان.
تلعب براكو دور ميريل بوقاحة وحس دعابة وعطف مميزين، إذ كان من السهل تحويل ميريل إلى شخصية هزلية من شخصيات هوليوود المتعنتة مغسولة الدماغ، إلا أن المخرج أدرك معاناتها هي أيضاً لكونها تعيش حالة وحدة وخوف وإدمان على المسكنات والكحول.
وحول تلك الشخصية يقول المخرج: "كل ما فعلته أني كتبت عن شخصية حقيقية... عنصرية، كانت تستخدم كلمات جارحة للغاية".
ولكن جاسر لم يشعر بالحاجة لتحرير ميريل من عيوبها الكثيرة حتى تصبح إنسانة كاملة، أو حتى معاملتها بأسلوب أفضل مما تعامله به، وعن ذلك يقول المخرج: "لا نستطيع أن نكتفي بطردهم من مجتمعنا... بل علينا أن نحاورهم، إذ إن ما أتمناه من هذا الفيلم هو قيام حوار بين آراء مختلفة وسياسات مختلفة، وبيئات مختلفة".
مدينة ممفيس تلعب دور البطولة
يلعب دور جاسر الممثل مالك رحباني، الذي قدم من لبنان منذ مدة قريبة، وعن ذلك يقول بأنه شعر بحماسة شديدة عندما عرض عليه الدور، وأخبروه أن التصوير سيتم في ممفيس.
وفي الفيلم، يظهر جاسر كأحد المعجبين بالهيب هوب وهذا ما يربطه بزميله في العمل الذي يطمح أن يصبح مغني راب، واسمه جيروم، ويلعب دوره الممثل داريوس توتويلار، إذ هنالك تقدير واهتمام مشترك بالموسيقى التي تحولت إلى قوة جمعت بين العديد من شخصيات الفيلم ووحدت فيما بينها، ولهذا نسمع في هذا الفيلم أغان أصلية قدمها آل كابوني من إنتاج لورانس ميتشل.
وسيعرض فيلم "جاسر" فيما بعد في عدد من المهرجانات السينمائية، بما أنه تم الترويج له حتى يتم توزيعه، ويخبرنا مخرجه القواسمي بأنه يتمنى من كل من عاش حياة المهاجر أو اللاجئ في الولايات المتحدة أن يشاهد هذا الفيلم ويحكم عليه بنفسه، إذ يقول: " له دور تنفيسي مهم للغاية، إذ ستشعر بتحرر روحك عندما تشاهد فكرة كنت تفكر بها عندما كنت في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من عمرك وأنت تذهب إلى المدرسة العامة وتحضر دروس السينما فيها، وتقول لنفسك: أريد أن أصبح مخرجاً سينمائياً، وبعد ذلك بسنين طويلة، تقوم بذلك".
المصدر: wpln