لو تابعنا تصريحات جو بايدن لوجدنا من أمرها عجبا، فهي مثل أسعار البورصة، تتغير كل ساعة، نبدأ من تصريحاته بشأن قتل الأطفال الأربعين، فلا بد من ذريعة أخلاقية وعاطفية لتسويغ أسباب الانتقام وتشريع القتل، وقوله بها أول أيام طوفان الأقصى، واغتصاب كتائب القسام النساء، وتشبيهه لحماس بالنازية وداعش، ثم تراجعه عن ذلك التصريح، والتراجع جرى بالنيابة عنه وليس بلسانه، وتهديده مرتين لحزب الله محذرًا من التورط بالحرب، حتى يتسنى لإسرائيل الاستفراد بغزة. لكن دماء كثيرة سالت ومظاهرات كبيرة اندلعت في عواصم العرب والعالم، منها لندن ومدريد وبرلين، فتطورت أقواله كثيرًا وتبدلت، ويستشرف من آخرها إغراءً لحزب الله بالدخول في الحرب، والغرض منه تخويف إسرائيل ممثلة بحكومة نتنياهو، توزيع البطولة مناصفة بين الشيعة (الذين يميل إليهم) وبين السنّة، بدلًا من أن تستفرد حماس ببطولة المشهد كله.
وكان قبيل إقلاعه بالطائرة من إسرائيل التي زارها في زيارة طالت سبع ساعات، "لعزاء" نتنياهو بضحايا المشفى المعمداني، أو لشدّ أزره، قد أجاب عن سؤال وحيد من صحافية أميركية مجهولة، يُظَن أن السؤال وضع في فمها، وقد قرأت "الأبلة " الصحافية السؤال من الهاتف، وهو سؤال سهل كان يمكن حفظه غيبًا عن ظهر قلب، لكن يظهر أنها صحافية من الدرجة الثالثة، أو قد تكون مجرد موظفة في البيت الأبيض، وكان السؤال عن احتمال مشاركة أميركا في الحرب إن شارك حزب الله، فأعلن أنه لن يدخل الحرب إلا إذا تخطى حزب الله الحدود، كأنه يرسل تطمينات للحزب بالمشاركة في الحرب، وقد يُظَن أن الأمر توريط للحزب في الحرب التي تجنب دخولها خلال الأيام الماضية، وكان يكتفي "بتنفيس الدواليب" من مزارع شبعا. فما سبب هذه التحولات، أم إن الأحوال تتبدل في كل ساعة.
جو بايدن حذر إسرائيل من تكرار أخطاء 11 سبتمبر، وغزوها لأفغانستان والعراق التي علقت في رمالها وجبالها، ومن أن تطول الحرب في غزة خمس سنوات
تضافرت إشارات أخرى نكص عنها الرئيس الأميركي جو بايدن مثل قوله إن قوات النخبة الأميركية نافي سيلز US NAVY SEALSهي للدعم اللوجستي. هناك تحولات أميركية أخرى نجدها في مظاهرات اليهود من أجل السلام، وتسهيل دخولهم إلى الكونغرس، واعتصام نحو 300 ناشط يهودي فيه، بينهم عشرون حاخامًا، ثم اعتقالهم بعد ساعات. جو بايدن حذر إسرائيل من تكرار أخطاء 11 سبتمبر، وغزوها لأفغانستان والعراق التي علقت في رمالها وجبالها، ومن أن تطول الحرب في غزة خمس سنوات، مضمرًا عدم قدرة إسرائيل عليها، وظهرت إشارات على عدم موافقة أميركا على قطع الماء والكهرباء والطعام عن غزة. ومن العلامات على تبدل الموقف من إطالة الحرب، استقالة موظف أميركي في الخارجية احتجاجًا على تسليح إسرائيل من غير ضوابط وحدود، وتغير لهجة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون درلوين.
وكذلك تصريحات بيرني سندرز عضو الكونغرس اليساري "الشجاعة" الذي أعلن اعتراضه على وقف إمداد الماء والغذاء والكهرباء عن غزة، لأن نصف الشعب من الأطفال، وقد يكون تصريحه تشجيعًا لأعضاء آخرين جبناء بالاقتداء به، فإما أن هذه التحولات سببها وعي العالم بما يجري، وخروج المعركة عن قدرة ضبطها، أو أن المخرج الأميركي سمح بها إنقاذًا لإسرائيل من نفسها.
أما التحولات الأخرى في الإعلام العالمي، فنجدها في بيرس مورغان ومحمد حجاب وباسم يوسف وحسام زملوط، وظهور ممثلين مصريين بينهم نجوم، أشهرهم محمد رمضان، الذي أدى دورًا تمثيليًا فيه كثير من المبالغة وهو يتحدث عن السلاح المصري المكدّس والصدئ في المستودعات، ونحن هنا أمام احتمالين، أولهما أن طوفان الأقصى قد أيقظ النائمين، والثاني أن هؤلاء التقطوا إشارات من ممولين إقليميين، أو عالميين باللقطة لسرقة البطولة والنجومية من محمد الضيف وأبي عبيدة وهنية ومشعل.
أغلب الظن أن أميركا تشعر بالخطر من ربيع عربي يزلزل العروش العربية، وأن يتقوض الكيان الإسرائيلي الذي أظهر هشاشة عسكرية وبنيوية منقطعة النظير، وجاوز الحد فتكًا بالأطفال والنساء، وتدميرًا للمشافي ومدارس الأونروا التابعة للأمم المتحدة، وإنّ قدرة الإدارة الأميركية على الكذب تتضاءل، وثمة خوف من تفشي العنصريات في أميركا، كما وقع للطفل الفلسطيني وديع الفيومي الذي قتل بـ 26 طعنة، كما أنها فرصة سانحة للتخلص من حكومة اليمين برئاسة نتنياهو التي سيطرت على المحكمة الإسرائيلية العليا، والقبول بخسارة معركة في غزة بأقل الأضرار خشية خسارة الجبهة الموحدة في أوكرانيا ضد روسيا، أو الجبهة القادمة في الصين.
كما أن سؤال القانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة قد طرح كثيرًا خلال الحرب، فكان لا بد من الحفاظ على صورة أميركا التنويرية الديمقراطية التي تضررت كثيرًا.
لقد تكبدت إسرائيل خسارة بنيوية، وستحاول أميركا ترميمه، قبل أن تتهدم كليًا، نذكر مرة ثانية بأن المعركة الكبرى هي مع روسيا والصين
علت الأصوات بإدخال المساعدات إلى غزة، وقد تعمل القاهرة وعمان إلى طرد سفراء إسرائيل مؤقتًا كمشاهد إضافية لإسباغ البطولة على أهم حليفين هما مصر والأردن، يُنتخب بعدها السيسي بطلًا، قبل أن تصل المظاهرات إلى ميدان التحرير.
لقد تكبدت إسرائيل خسارة بنيوية، وستحاول أميركا ترميمه، قبل أن تتهدم كليًا، نذكر مرة ثانية بأن المعركة الكبرى هي مع روسيا والصين. فقد تعرضت الطائرات الأميركية في سماء بحر الصين إلى 800 تحرش بالطيران، اقتربت في هذه التحرشات الطائرات الصينية من الطائرات الأميركية حتى مسافة خمسين مترا.
لن تستطيع أميركا الحرب على ثلاث جبهات: أوكرانيا، تايوان، غزة.