"كان الاستعراض في إكرام الضيف عادة لدينا، وكان معيبا أن يطرق بابك ضيف في أي وقت من دون أن تكرمه، فالجميع يعرف وقتنا المتاح والمناسب، وكنا أيضاً نطرق أبواب من نريد زيارتهم بلا أي حسابات، لكن كل شيء اختلف اليوم"، هكذا يستذكر أبو رائد 68 عاماً عادات الزيارات في دمشق قبل الحرب في 2011.
يقول أبو رائد (طلب عدم ذكر اسمه) لموقع تلفزيون سوريا "اليوم بتنا نحسب ألف حساب لو زارنا أحد، والكارثة لو كانت زيارة عائلية لأسرة كاملة أو أسرتين، فقد بات هذا النوع من الزيارات بحاجة لموازنة ضخمة بالنسبة لي كشخص متقاعد لا أملك مورداً سوى نحو 100 ألف ليرة في الشهر، ونحو 200 دولار تأتيني من ابني في ألمانيا".
يضيف أبو رائد إنه ينفق أكثر من 300 ألف ليرة في يوم واحد لتقديم الضيافة، وفي حال كانت الزيارة عائلية تطول لساعات، حيث يجب عليه شراء الموالح والقهوة والفواكه والحلويات للحفاظ على سمعته كمضيف كريم، مشيراً إلى أن زيارتين أو ثلاثة بالشهر من هذا النوع تؤدي في النهاية إلى تقنين الطعام في المنزل.
تغيير العادات والتقاليد
أبو غسان 48 عاما (طلب عدم ذكر اسمه) يتقاطع في رأيه مع أبو رائد، ويقول إنه أكد على زوجته أن تبلّغ جميع الأقارب بأن يتصلوا بهم قبل ثلاثة أيّام على الأقل من أي زيارة، ليستعد مادياً لذلك، وقال "بات من الضروري الاتصال مسبقاً قبل أي زيارة، وعادة الطرق المفاجئ على الباب قد تسبب لي إحراجاً لعدم وجود ضيافة للزائرين في منزلي، فأنا بالكاد أستطيع أن أشتري الفواكه مرة في الشهر لعائلتي، وقمنا بتقنين شرب القهوة يومياً بعد غلائها، بينما قطعنا الحلويات من منزلنا تماماً، وبالتالي أحتاج لترتيب نفقاتي قبل 3 أيام على الأقل وتأمين مبلغ كافٍ لشراء ضيافة مناسبة نوعاً ما للضيوف ولو بأقل الحدود".
وتابع "شراء نوعين من الفواكه قد يكلف أكثر من 15 ألف ليرة في حال استثنينا الموز، وشراء أوقية بزر دوار الشمس مع بعض النقاريش قد يكلّف 20 ألف ليرة، وشراء نوع بسيط من الحلويات مثل الكيك السادة قد يكلف 25 ألف ليرة بأقل تقدير، وإذا أضفنا القهوة والشاي، فأنت أمام 70 ألف ليرة تزيد كلما زاد عدد الزوار، ونحن بهذا المبلغ بالكاد نؤمن وجبة الغداء اليومية".
أم سرحان تقول إنها توقفت عن 3 عادات أصيلة تربت عليها في منزلها، الأولى جمعة النساء صباحاً والتي باتت مرهقة جداً مادياً خاصةً بعد غلاء القوة، والثانية هي تقديم الفطور أو الغداء أو العشاء للضيوف المقربين، والثالثة هي شراء شيء سواء حلويات أو شوكولا أو مستلزمات للمنزل عند الذهاب لزيارة أي عائلة "كي لا ندخل وأيدينا فارغة" حيث يعتبر ذلك معيباً على حد تعبيرها، لكن الاستغناء عن هذه العادة بات إجبارياً اليوم.
تشير أم سرحان إلى أنها باتت تحسب "ألف حساب" قبل زيارتها أي منزل، لأنها تشعر بالفعل بحجم التكاليف الضخمة التي تترتب عليها وعلى المنزل المراد زيارته. ليست أم سرحان فقط، بل حتى وداد وهي متزوجة حديثاً قالت إنها باتت وزوجها يخجلان من تكرار زيارة منزل عائلتيهما أكثر من مرة بالشهر كي لا يضطروا للدخول وأيديهم فارغة وإجبار الطرف الآخر بالتكلف بالغداء أو العشاء أو الضيافة.
ندرة الضيوف والمناسبات
التكاليف المادية المرهقة التي تزيد من ضغط النفقات على الأسر عند استقبال الضيوف، أدت إلى الحد من العلاقات الاجتماعية، وقال أبو مرهف 53 عاماً "بات من النادر أن يطرق بابنا أحد أو أن نطرق باب أحد إلا بالمناسبات، وحتى تلك المناسبات باتت بحاجة لألف حساب"، وأضاف "اعتذرت أكثر من مرة عن مناسبات مثل عيد ميلاد حفيد أو حتى زيارة مريض بحجة مرضي لكن السبب الأساسي هو عدم قدرتي على شراء شيء لهم".
ليس فقط أبو مرهف من حدّت التكاليف من علاقاته الاجتماعية بل أغلب من التقاهم موقع تلفزيون سوريا أكدوا ذلك، مشيرين إلى أن الزيارات باتت محدودة جداً ومحصورة بأقرب الأقارب فقط لأن الطرفين سيتكلفان بنفقات يمكن صرفها باتجاه أمور أكثر أهمية بظل الظروف الاقتصادية الصعبة، بينما قد لا يملك بعضهم حرفياً ثمن فنجان القهوة الذي فاق سعر الكيلوغرام منه 150 ألف ليرة.
وأشار آخرون إلى أن هناك بعض الأسر التي وضعت قواعدَ للزيارات مثل الاشتراط على تقديم القهوة والشاي فقط وعدم اصطحاب أي شيء مع الضيف لبيت المضيف كي لا يضطر الأخير لاصطحاب شيء معه عند زيارته لاحقاً ما قد يسبب الخجل ويحد من العلاقات والزيارات.
ووصل سعر كيلو الموز الذي كان شراؤه شائعاً عند زيارة مريض أو أي عائلة، إلى 20 ألف ليرة أي أن شراء 2 كيلو بحاجة إلى 40 ألف ليرة، بينما وصل سعر وقية بزر الدوار إلى 15 ألف ليرة، والنقاريش إلى 10 آلاف ليرة، والكاتو المحشو لـ6 - 8 أشخاص ثمنه نحو 90 ألف ليرة. وفي حال وجد في المنزل ثلاثة أطفال على الأقل وأراد الزائر شراء بعض "الأكلات الطيبة" قد يحتاج لإنفاق أكثر من 30 ألف ليرة إضافية.