ملخص:
- يساهم اللاجئون السوريون في ليبيا بشكل كبير في دعم الاقتصاد من خلال مهاراتهم وأعمالهم التجارية.
- رغم غياب سياسة لجوء رسمية وظروف حقوق الإنسان الصعبة، وجد السوريون وطناً جديداً وتكيفوا مع الظروف المعيشية في ليبيا.
- تُسهِّل السلطات الليبية منح تصاريح العمل والإقامة للسوريين، مما يساعدهم على الاندماج والنجاح.
- أصبح السوريون جزءاً من المجتمع الليبي، حيث يقدِّر الليبيون مهاراتهم وتنوعهم الثقافي، بما في ذلك المطاعم والمتاجر السورية.
- ومع ذلك، يظل وضعهم القانوني غير مستقر بسبب نقص الحماية القانونية، مما يجعلهم عرضة للانتهاكات ويفتقرون إلى الوصول الكامل للحقوق الأساسية.
كشف تقرير لشبكة "دويتشه فيله" DW عن إسهام اللاجئين السوريين في ليبيا في دعم اقتصاد البلاد من خلال العمال المهرة وأصحاب المهن ورجال الأعمال.
وبحسب الشبكة الألمانية، فإن الاقتصاد الليبي المثقل بالأزمات يستفيد من آلاف اللاجئين السوريين. وعلى الرغم من افتقار البلاد إلى سياسة رسمية للجوء وحالة حقوق الإنسان المزرية هناك، يقول السوريون لـ DW إنهم وجدوا وطناً جديداً في ليبيا.
ونقل المصدر عن "عمر العواد" الذي يعبر عن سعادته الكبيرة نتيجة إقامته الحالية في ليبيا. فقد فر الشاب البالغ من العمر 31 عاماً مع عائلته من سوريا في عام 2011، بعد اندلاع الحرب التي لم تنته بعد.
يقول العواد، الذي يعمل ميكانيكي سيارات ويقيم في العاصمة الليبية طرابلس: "في البداية، فكرت في الهجرة إلى ألمانيا، مثل كثيرين غيري. لكنني قررت بعد ذلك البقاء في ليبيا"، مضيفاً: "هنا لدي كل ما أحتاجه وأستطيع أن أضمن لعائلتي مستقبلاً جيداً". وتمكن من فتح ورشة خاصة لإصلاح السيارات، وقال إنها مزدهرة.
اللاجئون في ليبيا
ليس العواد المهاجر السوري الوحيد السعيد بقرار الاستقرار في ليبيا. إذ قال مراقبون للمصدر إن العديد من المهاجرين السابقين اكتسبوا موطئ قدم ليس فقط كعمال بسطاء ولكن أيضاً كرجال أعمال ومتخصصين مؤهلين.
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كان هناك قرابة 14500 لاجئ وطالب لجوء من سوريا في ليبيا في عام 2020.
وتشير أحدث أرقام الأمم المتحدة إلى أن المهاجرين السوريين في البلاد لا يزالون يشكلون أقلية.
في الوقت الحالي، يوجد نحو 60 ألف لاجئ وطالب لجوء من مختلف أنحاء أفريقيا مسجلين لدى وكالة اللاجئين. كما يُعتقد أن 125802 شخص نزحوا داخل البلاد بالإضافة إلى نحو 44 ألف شخص نزحوا منذ أيلول 2023 عندما ضربت العاصفة دانيال شرقي ليبيا.
احترام السوريين وتسهيل معاملاتهم
يعود نجاح اللاجئين السوريين في بلدهم المضيف الجديد إلى عاملين رئيسين؛ ويقال إنهم تكيفوا بشكل جيد مع الظروف المعيشية الخاصة في ليبيا، حيث لا تزال البلاد منقسمة بين حكومتين متنافستين، ولم تنته الحرب فيها بشكل كامل بعد.
علاوة على ذلك، أظهرت ليبيا أيضاً أقصى قدر من المرونة عندما يتعلق الأمر بمنح تصاريح العمل والإقامة للاجئين السوريين.
"في تركيا منعتنا التعقيدات القانونية من توسيع أعمالنا"، يقول أبو علي (41 عاماً) الذي يدير محل حلويات سورية في طرابلس. ويضيف: "في ليبيا كل شيء أسهل بكثير، وتمكنا من فتح أعمالنا مع القليل جداً من البيروقراطية".
كما يتبنى الليبيون نهجاً غير معقد في التعامل مع الوافدين الجدد.
يقول الشاب الليبي مفتاح الغزال، طالب السياحة في جامعة طرابلس: "السوريون محترفون وعمليون. نحن نحترمهم لأنهم يمتلكون المهارات التي نحتاجها بالضبط".
توافقه الرأي المعلمة الليبية نجوى عمر، التي تضيف: "أصبح السوريون الآن جزءاً من حياتنا اليومية، وأصبحت المطاعم والمتاجر السورية جزءاً لا يتجزأ من الأحياء الليبية".
وقالت عمر "نحن الليبيون نحب المطبخ السوري وهذا ساعد في بناء العلاقات بين الشعبين". وفي رأيها، لم يعد هؤلاء السوريون يعتبرون لاجئين بعد الآن لأن ليبيا هي وطنهم الجديد.
الوضع القانوني غير المستقر
ومع ذلك، لا تزال ليبيا تفتقر إلى أي سياسة رسمية للجوء على الرغم من أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حثت الحكومة الليبية مرارا وتكرارا على معالجة الوضع المزري الذي يواجهه طالبو اللجوء واللاجئون.
علاوة على ذلك، تشير منظمات حقوق الإنسان بانتظام إلى أن المهاجرين، بما في ذلك السوريون، يعانون من انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا.
وأكد الناشط الحقوقي الليبي محمد البرجلي أنه "لا توجد قوانين رسمية". ولم توقع ليبيا على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 ولا على البروتوكول الإضافي لعام 1967. وقال إن هذا يعقد الوضع القانوني للاجئين في البلاد حيث لا يتمتع العديد منهم، بما في ذلك السوريون، بالحماية القانونية الكاملة التي من شأنها أن تمنحهم حق الوصول إلى الحقوق الأساسية مثل العمل والتعليم والرعاية الصحية.
ويضيف البرجلي: "لهذا السبب، يجد اللاجئون أنفسهم في وضع قانوني هش يجعل من الصعب عليهم المطالبة بحقوقهم رسمياً". وأوضح أن السوريين تمكنوا إلى حد كبير من التكيف مع الأنظمة غير الرسمية في ليبيا، وهو ما يسهل عليهم الحصول على تصريح عمل مقارنة بالمهاجرين الآخرين.
"لقد اخترت البقاء في ليبيا"، يقول أبو مالك الذي فر من سوريا أيضاً. في البداية، كان يحلم بالوصول إلى أوروبا. "لكن هذا الحلم محفوف بالمخاطر، وهنا في ليبيا لدي فرصة للعمل وعيش حياة كريمة".
وقال الرجل البالغ من العمر 37 عاماً، والذي يعمل الآن في متجر لدهان السيارات، إن الظروف ليست مثالية رغم ذلك، "لكنني لست مضطراً لدفع الضرائب والكهرباء والمياه مجانية".
كما أن الشيف أبو علي راضٍ عن قراره بالبقاء. وقال: "لم يكن من السهل علينا مغادرة الوطن، ولكننا في الوقت نفسه وجدنا طريقة لكسب لقمة العيش هنا، ونحن نقدر الفرص التي توفرها ليبيا. نشعر بأننا جزء من المجتمع الليبي".
الوضع الصعب في شرقي ليبيا
لكن المفوضية الرسمية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لديها مكتب واحد فقط في ليبيا، ويقع في طرابلس، في غرب ليبيا.
ويواجه السوريون الذين يصلون لأول مرة إلى شرقي البلاد صعوبات في التسجيل كلاجئين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لأن الاحتكاك السياسي بين الحكومتين المتنافستين يجعل السفر صعباً.
وقال العواد: "عندما أتيت إلى ليبيا، لم أتمكن من التسجيل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لأنني كنت أعيش في شرقي البلاد، على الأقل تمكنت من الاعتماد على مهاراتي كميكانيكي سيارات حتى تمكنت أخيراً من التسجيل في عام 2019".
وفي حين يتمكن بعض طالبي اللجوء في ليبيا من إيجاد طريقة لكسب عيش مرضي، فإن العديد من المهاجرين الآخرين غالباً ما يظلون في وضع قانوني ضعيف ويواجهون خطر الاحتجاز والإيواء في مراكز احتجاز غير مجهزة بشكل كاف.
وقال البرجلي إنهم غير قادرين على الحصول على الوثائق اللازمة من أجل تلقي الحماية القانونية والمساعدات الإنسانية. وأردف: "إن هذا يتركهم عاجزين عن حماية أنفسهم من الاستغلال أو حتى الترحيل"، وفق ما أورد التقرير.