لا يعتبر ميخاليس بروتوبسالتيز نفسه بطلاً، وذلك لأنه عندما رشحت أخبار حول تحطم سفينة في ذلك اليوم، فعل كما يمكن لأي رجل في مكانه أن يفعل بحسب ما أخبرنا، إذ قام صاحب شركة البناء هذا بإرسال رافعة إلى قمة جرف كيذيرا حيث بدأت بإنقاذ المهاجرين الثمانين الواحد بعد الآخر بعدما هرعوا إلى ذلك الموقع إثر خروجهم من الماء لأن الروح غالية.
عندما ظهر أحد الناجين وهو مبتل ومصدوم داخل كيس رمل ربط إلى الرافعة، أحس بروتوبسالتيز بشيء من الارتياح لكنه أحس بالانزعاج أيضاً لما رآه، أي لمشهد الرجال والنساء والأطفال الذين لم يحظوا بفرصة النجاة فظلوا يراوحون المكان في البحر وهم يصرخون ويستنجدون في الوقت الذي حاولوا فيه تسلق الصخور الحادة التي أدت إلى تحطم مركبهم.
واليوم، الإثنين، أي بعد مرور ثلاثة أسابيع على ظهور مشاهد مأساوية على تلك الجزيرة، سيتم تكريم هذا الرجل البالغ من العمر 66 عاماً ضمن احتفالية ستقيمها وزارة الشؤون البحرية في أثينا. إلا أن أحداث تلك الليلة المأساوية والتي أثارت الكثير من الرعب، ماتزال تتردد أصداؤها، ولهذا اتصل رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيز، بهذا الرجل عبر الهاتف وقدم له الشكر باسمه شخصياً.\
"لم نقم إلا بما تمليه علينا إنسانيتنا"
عن ذلك يقول بروتوبسالتيز: "ما شهدناه في تلك الليلة كان أشبه بمشاهد الجحيم، إذ كان الوضع مرعباً جداً، حيث لم يخطر ببالي أبداً أن أرى شيئاً كهذا في حياتي". كان البحر ليلتها يزمجر، والريح تعوي، والأمواج عالية، ولهذا حاول الأشخاص الذين علقوا في ذلك الخليج الصخري أن يصمدوا، وأن يتمسكوا بالكيس الذي أخذ يحمل شخصين في الدفعة الواحدة في بعض الأحيان، إلا أنه كان حمل شخصاً واحداً في الغالب، وذلك حتى تتمكن الرافعة من حمله إلى الأعلى... إلا أنني أنا وكل من كانوا هناك والذين بلغ عددهم المئة لم نفكر مرتين"، وهكذا وبمساعدة الحبال تمكنوا من إنقاذ عشرين شخصاً، ويضيف هذا الرجل قائلاً: "لم يجبرنا أحد على مساعدتهم، وكل ما يقال عن اليونانيين الذين يتركون المهاجرين ليغرقوا في البحر يجعلني أستشيط غضباً لأنه محض كذب".
مهاجر أفغاني يتم سحبه بوساطة الحبال إلى الأعلى خلال عملية الإنقاذ التي تمت عقب تحطم المركب
تبعت وسائل الإعلام اليونانية ذلك الرجل حتى مدينته وأخذت تشيد ببطولته بما أنه كان بوسعه ألا يفعل شيئاً عندما انحرف يخت يتسع لخمسة عشر راكباً في أقصى الأحوال لكن كان على متنه 95 راكباً عن مساره بعيداً عن ميناء دياكوفتي الرئيسي في جزيرة كيذيرا، بل حتى شقيقات هذا الرجل اللواتي يعشن في سيدني، بما أن كيذيرا كانت أكثر جزيرة يونانية هاجر منها كثيرون، تواصلن معه وأخبرنه بأنهن شاهدنه عبر محطة سي إن إن الأميركية.
وهنا يعترف بروتوبسالتيز بأنه لم يشعر إلا الآن بأهمية وقيمة الإنجاز الذي حققه هو ورفاقه من أبناء تلك الجزيرة، ثم يعلق بالقول: "كل هذا الكلام عن البطولة أمر مبالغ به، وذلك لأننا لم نقم إلا بما تمليه عليه إنسانيتنا، لأننا في كيذيرا دوماً نساعد المحتاج، ثم إن الجميع أكان من أميركا أو الأرجنتين أو جنوب أفريقيا أو أستراليا، ونحن أبناء هذه الجزيرة، جميعنا عشنا تجربة الهجرة، ومع أني لا أعرف ماذا يحدث في مناطق أخرى من اليونان، لكننا لم نترك أبداً الناس ليقضوا غرقاً".
متطوع يقدم الإسعافات الأولية للاجئ أفغاني بعد إنقاذه
تقع جزيرة كيذيرا التي يبلغ عدد سكانها 3600 نسمة بين شبه الجزيرة اليونانية وجزيرة كريت، وتبعد نحو 400 كلم عن غربي تركيا. إلا أنها أصبحت ضمن الطريق الذي زاد المهربون من استخدامه لتجنب الدوريات التي يتم تسييرها على الساحل الشرقي لبحر إيجة مع تجنب السفر إلى إيطاليا بشكل مباشر. لذا، ومنذ شهر آب الفائت، رست خمسة مراكب في كيذيرا.
مقبرة بحر إيجة
وفي يوم تحطم المركب عند أقصى الشرق، تم العثور على 16 جثة لنساء أفريقيات شابات بعدما طفت قبالة جزيرة ليسبوس. إلا أن هاتين الحادثتين اللتين أعقبتهما حادثة العثور على 92 شخصاً عراة على الحدود البرية بين اليونان وتركيا خلقت حالة توتر أكبر في العلاقات بين البلدين، حيث اتهمت أثينا أنقرة بغض الطرف عمداً عن مهربي البشر الذي يعملون على الشريط الساحلي التركي، في حين انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما وصفه بالسياسات اليونانية العدوانية تجاه طالبي اللجوء، والتي تشمل الإخلاء القسري وصد المهاجرين، الأمر الذي حول بحر إيجة إلى مقبرة على حد تعبيره.
وهذه المزاعم حول وجود عمليات صد للمهاجرين تتم بتسهيل من وكالة الحدود الأوروبية فرونتيكس بحسب ما ذكرته منظمات حقوقية، لطخت سجل حقوق الإنسان في اليونان وأحرجت مسؤولين في بروكسل التي تسن منها سياسات إدارة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، والتي أصبحت موضع نقد شديد في الآونة الأخيرة.
الهجرة كسلاح
بيد أن حكومة اليونان من يمين الوسط كررت إنكارها فيما يخص تورطها بعمليات الترحيل الفورية، واتهمت تركيا بإرسال اللاجئين إليها عبر الحدود البرية والبحرية التي تفصل بين البلدين. كما تعهد نوتيس ميتاراتشي وزير الهجرة اليوناني بوضع ما وصفه باستخدام تركيا للهجرة كسلاح على رأس جدول أعماله عند لقائه برئيس الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة في نيويورك في بحر هذا الأسبوع.
برج مزود بكاميرات حرارية ورادار في منطقة إيفروس القريبة من الحدود مع تركيا
في تلك الدولة التي شهدت تزايداً كبيراً في أعداد المهاجرين الذين وصلوا إليها عندما بلغت الحرب في سوريا أوجها، والذين تم الترحيب بهم في بداية الأمر بمودة كبيرة واستثنائية، أصبحت الآلة الإعلامية الموالية للحكومة تتجاهل الحديث عن عمليات صد المهاجرين بما أن تلك المزاعم قد تم تسييسها من قبل المعارضة التي تسعى لتسجيل نقاط ضد الحكومة.
بيد أن السياسة لم يكن لها أي دور برأي بروتوبسالتيز في عملية الإنقاذ تلك على الرغم من أنه اعترف بتأييده للحكومة حيث قال: "هنالك أشخاص في خطر، وحياتهم في خطر، لذا فإن كل ما يمكن أن يخطر ببال المرء هو كيف بوسعه إنقاذهم... فالحقيقة هنا هي أن أشخاصاً متمدنين يريدون أن يتصرفوا بطريقة متمدنة، ولهذا لم يخطر ببالي مطلقاً إلا عندما عدت إلى البيت بأنهم يتهموننا بفعل كل تلك الأمور، وها نحن ذا، مجموعة من البشر على جزيرة يونانية صغيرة، قمنا بإنقاذ 80 نفساً في تلك الليلة لأن ذلك هو التصرف الصحيح".
المصدر: The Guardian