يبحث الشباب والصبايا في مناطق سيطرة النظام السوري عن أي مخرج يساعدهم في تأمين احتياجاتهم اليومية، مع التراجع الاقتصادي المستمر والأزمات المعيشية التي يعانون منها.
وتعمل مدربات في دمشق وريفها على الترويج لدورات مكثفة في مجالات متعددة لا تتجاوز مدة الواحدة منها شهرا أو اثنين بهدف تدريبهم على خوض تجربة تعلم "موضات" جديدة في سوريا مثل تنظيف البشرة والمكياج المنزلي وتزيين الحفلات وأعياد الميلاد وتنسيق الورود.
ورغم التكاليف المرتفعة لمثل هذه الدورات بالنسبة لمن يعيش في سوريا إلا أن الإقبال عليها في تزايد مطرد خصوصاً مع وجود فوراق كبيرة بالطبقات الاجتماعية في سوريا، وضمور الطبقة المتوسطة مع زيادة نسبة هروب الشباب وتراجع عدد السكان في سوريا إلى النصف تقريباً بين مهجر ونازح ولاجئ.
ورصد موقع تلفزيون سوريا العديد من الدورات التي ينظمها معاهد أو مدربات من خلال حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر ملصقات ومنشورات مطبوعة معلقة أمام الجوامع والطرقات.
تزيين الحفلات
ورغم أن تزيين الحفلات قديم وشائع إلا أنه لم يكن منتشراً في سوريا إلا في صفوف الطبقة المخملية في أحياء دمشق الراقية والتي كانت تستعين بمحال الورود لتنسيق حفلات أعياد الميلاد وذكرى المولد النبوي أو احتفال الترحيب بالحجاج أو زينة رأس السنة الميلادية.
في الوقت الراهن تنتشر صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً إنستغرام وتيك توك تروج لإمكانية تنسيق زينة الحفلات من الألف إلى الياء مقابل أجر مادي.
وأحياناً يتم التعاون بين منسقي الزينة ومنسقي الورود لتزيين المكان المُراد تنظيم حفل فيه، بهدف إخراجه بأفضل حلة ثم بدء التصوير والنشر على السوشال ميديا.
وقالت المدربة وفاء بدران التي تدرب في مجال تزيين الحفلات وتنسيق الورود مع مدربات أخرى، دورة تنسيق الحفلات لدينا مكونة من 20 جلسة، وهي مخصصة للنساء، حتى يكون هناك راحة أكبر في التدريب، خصوصاً أن معظم من يهتم بذلك هن من طالبات الجامعات اللواتي يردن أن يحصلن مصاريف الدراسة وأجرة الطريق.
وأضافت بدران لموقع "تلفزيون سوريا"، أن تكلفة الدورة الواحدة تبدأ حالياً من 900 ألف ليرة (60 دولاراً)، بدون أي مواد، لأن الزينة لها تكاليفها، وأسعارها اليوم مرتفعة في سوريا، خصوصاً المواد المستوردة من الصين أو الهند.
وأشارت إلى أن الجلسات العشرين مقسمة على عدة أسابيع، 14 جلسة للزينة والباقي لتنسيق الورود والأعمال اليدوية التي تساعد على تحصيل ربح إضافي وتخفيف المصاريف على العاملة في المجال.
وأكّدت أن التكلفة الإجمالية للدورة مع موادها قد تصل إلى 4 ملايين ليرة (270 دولاراً)، ولكن ستبقى كل تلك المواد للمتدربة وستستفيد منها في العمل لاحقاً، لأنها في معظمها ورود اصطناعية وستاندات وأضواء وشموع وبلورات وأشرطة ملونة وزينة يدوية، معظم هذه المواد ستستخدم في الحفلات التي تُطلب إليها.
ما أهم ما تتعلمه المتدربة؟
وفي الدورات تتعلم المتقدمات أساسيات تزيين الحفلات وتشمل اختيار وتنسيق الألوان أو كيفية اختيار الألوان المتناسقة وتنسيقها بما يناسب موضوع الحفلة، بحسب بدران.
وأضافت أن المتدربات يتعلمن كيفية تصميم الطاولات والزينة، باستخدام الزهور والورود الاصطناعية أو الطبيعية، إلى جانب الشموع، والأدوات الزخرفية الأخرى.
وكذلك التعلم على إعداد البالونات، من خلال تقنيات تشكيل وتزيين البالونات بطرق مبتكرة.
ولا يخفى على أن هذا العمل يحتاج سرعة في الأداء، لأن الحفلات بشكل عام تكون محددة بزمن ويجب الانتهاء وتنظيف المكان وترتيبه قبل وصول المدعوين.
كما تعتمد مهارة العاملة في التنسيق والتزيين - بحسب المدربة بدران- على اختيار المكان المناسب "للستاند الرئيسي" والطاولة ليتناسب مع عمل المصورين والتقاط أفضل صورة ممكنة.
وأشارت إلى أن الدورة تشمل أيضاً التأكيد على أهمية التدرب على التعامل مع العاملات ومهارات التواصل وفهم احتياجاتهن والحفل الذي يريدونه واقتراح الألوان المناسبة لتقديم أفضل خدمة لأن ذلك سيساعد للتسويق بشكل كبير للخدمات المقدمة.
وختمت أن هناك متدربات لدينا أصبحن مشهورات جداً على مواقع التواصل الاجتماعي ولديهم الآن عشرات آلاف المتابعين ولم تعد تقتصر أعمالهن على التزيين بل انتقلن لإدارة الحفلات والفعاليات وتنظيمها من البداية حتى النهاية، مؤكدة على أن المتدربة الجيدة تستطيع أن تثبت نفسها بالسوق بوقت قياسي خصوصاً إن أحسنت التسويق وروجت لما تقدمه بشكل واسع.
متطلبات الحياة
ولدى سؤالنا عن السبب الذي يدفع طالبة جامعية لخوض التجربة، قالت سامية إحدى المتدربات، إن الوضع الاقتصادي يدفع أي طالبة حتى لو كانت طبيبة أو مهندسة للبحث عن أي فرصة عمل بدوام جزئي، والمميز في مثل هذه المهنة أنها لا تتقيد بدوام يومي، يعني أنا شكلت مع أختي وصديقتي فريقا وتعلمنا فن تنسيق الحفلات وتزيينها ومن يكون لديها الوقت تذهب حتى لا يتضارب العمل مع أوقات الجامعة.
وأضافت سامية لموقع "تلفزيون سوريا" أن الرواتب التي يحصل عليها أهلنا لا تكفي أجرة طريق، والدي ووالدتي يعملان في مجال التدريس منذ أكثر من 20 سنة، ولكن رواتبهم غير كافية أبداً، وهذا ما يتطلب منا المساعدة أو على الأقل تخفيف أعبائنا عنهم والبدء بتحمل مسؤولية أنفسنا.
وأشارت إلى أن العمل في هذا المجال ممتع، وتشعرين أنه خاص بنا نحن النساء، فهو فيه شيء من هندسة الديكور والترتيب والألوان وتنسيق الأشكال، بصراحة سعيدة جداً لتعلمي هذه الحرفة.
وأشارت سامية التي تود الاستمرار في هذا العمل حتى بعد تخرجها من كلية الهندسة المدنية، إلى أن "العمل في هذا المجال دخل إضافي وممتع رغم التعب والمشقة والتحديات التي تواجهنا، خصوصاً بما يتعلق بالتنقل وتأمين سيارة لنقل معدات الزينة وموادها وأحياناً بعد مسافة الصالات أو البيوت التي فيها تقام بها الحفلات".
وعن الأرباح المتوقعة، قالت سامية، يجب ألا يقل الربح من كل المواد التي نعمل عليها عن 20 بالمئة، والأفضل أكثر، يعني على الأقل حتى يكون لديها هامش ربح مقبول تعيش من خلاله في ظل الوضع الاقتصادي السيء الذي نعيش فيه.
من جانبها قالت رهف التي انتهت من التدريبب حديثاً، "أنا جديدة عالمجال، بس يعني حاسة بأنه لح يكون إلي مستقبل بهي القصة، أنا حاببتها، فيها فن وترتيب وذوق، وطبعاً أهم شي مصاري لأنه كتير كانت الدورة مكلفة".
وأوضحت رهف لموقع "تلفزيون سوريا"، أن العمل في تنسيق الورود في الورشة كان أمتع ما يكون، يعني اختيار الألوان والطول والأحجام المناسبة وتنسيقها في باقة أو في مزهرية مع وضع اللمسات الأخيرة، شعور لطيف ويدفع للتفاؤل رغم كل ما نواجهه من متاعب في سوريا.