تركيا ومساعي التحول إلى دور الوسيط في سوريا

2024.07.06 | 03:35 دمشق

2555555555555555555555574
+A
حجم الخط
-A

مضى أكثر من عام على اللقاء الذي جمع وزير الخارجية التركي السابق مولود جاويش أوغلو مع وزير الخارجية في النظام السوري فيصل المقداد، قبل أن تعود أنقرة لإعطاء زخم جديد للتطبيع مع النظام السوري بعد جمود واضح.

فقد أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصريحات في أواخر يونيو/ حزيران 2024، تحدث فيها عن استعداده للقاء بشار الأسد واستعادة العلاقات معه كما كانت قبل عام 2011.

دوافع تركيا لاستعادة العلاقات مع النظام السوري

إن المتغيرات في السياسة التركية تجاه الملف السوري ليست وليدة اللحظة، ويمكن القول إنها بدأت منذ عام 2016 بعد أن تراجعت الولايات المتحدة عن هدفها المتمثل بإسقاط النظام السوري، وأوقفت دعم المعارضة السورية وحولت دعمها العسكري والسياسي لصالح تنظيم قسد بحجة التركيز على تنظيم داعش. لذلك أصبحت أنقرة تركز على مكافحة الإرهاب مع بذل الجهود بالتنسيق مع روسيا لوقف المعارك بين المعارضة السورية والنظام.

اليوم يتحرك الجانب التركي في كل من العراق وسوريا لتفكيك جبهة معادية ضده، تضم حزب العمال الكردستاني والفصائل الموالية لإيران في العراق، وتنظيم قسد والنظام السوري على الأراضي السورية، حيث تنسق هذه الأطراف فيما بينها ضد الأمن القومي التركي.

انفتحت أنقرة خلال الأشهر الماضية على توسيع العلاقات مع الحكومة المركزية العراقية، مستفيدة من رغبة بغداد في تطوير الوضع الاقتصادي عن طريق التعاون مع تركيا في مجال الطاقة، وعقدت تفاهمات مع الحكومة العراقية من أجل مكافحة الإرهاب، ونجحت في استصدار تصنيف حزب العمال الكردستاني على قائمة الإرهاب من حكومة بغداد، وتحاول تكرار التجربة مع النظام السوري من خلال التلويح بورقة التطبيع السياسي، وتسهيل الحركة التجارية عن طريق المعابر التجارية، على أمل إقناعه بالتعاون ضد حزب العمال الكردستاني وتنظيم قسد. وقد أرسلت أنقرة رسائل إيجابية بهذا الخصوص مع الحكومة العراقية التي تحاول لعب دور الوساطة.

تشهد مناطق تل رفعت ومحيطها، ومنطقتي منبج وعين العرب انتشاراً مشتركاً بين قوات تتبع لقسد وكوادر من حزب العمال الكردستاني، وقوات النظام السوري، ويتم تنفيذ هجمات مستمرة من هذه المواقع ضد القوات التركية داخل سوريا وعلى مقربة من الحدود.

لا يبدو أن تركيا مستعدة للتفريط بعلاقتها مع المعارضة السورية أو نفوذها على الأراضي السورية قبل الوصول إلى تسوية والمساهمة في إعادة فرض الاستقرار.

التوقيت والدوافع

التوقيت الذي اختارته أنقرة للتحرك في كل من العراق وسوريا مدروس، حيث تنشغل إيران بالانتخابات الرئاسية، وبمفاوضات منع التصعيد بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، وبالحرب على غزة.

تعول تركيا على قدرتها على التعاون مع روسيا في الملف السوري، والتي نجحت من خلالها سابقاً بتجميد الأعمال القتالية شمال غربي سوريا، وهي الآن تتجاوب مع مساعي روسيا لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، على أمل ألا تتمكن طهران هذه المرة من تعطيل المسار بعد الضربات الموجعة التي تلقتها في سوريا وفقدانها كبار مستشاريها وخبراءها المسؤولين عن الملف السوري بالضربات الإسرائيلية طيلة الأشهر الماضية.

من الواضح أن أنقرة تسعى للتحول لجهة وسيطة في الملف السوري، وهذا يعني بالضرورة العمل على جعل نفسها مقبولة لدى النظام السوري الذي يعتبر الجانب التركي المسؤول الأول عن دعم المعارضة السورية السياسية والعسكرية.

وبالتالي، لا يبدو أن تركيا مستعدة للتفريط بعلاقتها مع المعارضة السورية أو نفوذها على الأراضي السورية قبل الوصول إلى تسوية والمساهمة في إعادة فرض الاستقرار. وهنا تحاول أنقرة استحضار دورها في ليبيا، حيث لعبت دوراً حاسماً في دعم فصائل غرب ليبيا بمواجهة قوات خليفة حفتر التي حاولت دخول طرابلس بين عامي 2019 و2020، ومنع الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني آنذاك سقوط العاصمة طرابلس. لكن خلال العامين الماضيين، تبذل أنقرة جهوداً حثيثة للانفتاح على شرق ليبيا، على أمل أن تتمكن من المساهمة في تشكيل حكومة موحدة تفرض سيطرتها على جميع أنحاء ليبيا. وهذا ما تسعى للوصول له في سوريا أيضاً، حيث تتقاطع تركيا مع روسيا بمبدأ الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

إن نجاح محاولات الانفتاح التركي على النظام السوري تتوقف على عدة عوامل أبرزها نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري.

السياسة التركية

ورغم كل العروض التي قدمتها الدول الداعمة لخليفة حفتر، بقيت أنقرة متمسكة بنفوذها ودعمها لفصائل غرب ليبيا وحكومة طرابلس، مع انفتاحها على نقاش التسويات السياسية التي تضمن اشتراك الأطراف المدعومة من قبلها في الحل. وهذا ما يمكن أن نتوقعه تماماً في سوريا، خاصة أن تركيا تبحث عن استكمال تأسيس مناطق آمنة شمالي البلاد لتسهيل عودة اللاجئين، وليس استقبال موجات لجوء جديدة من جراء عودة العمليات العسكرية حال عادت العمليات من طرف النظام السوري وداعميه.

إن نجاح محاولات الانفتاح التركي على النظام السوري تتوقف على عدة عوامل أبرزها نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري. فمن المحتمل أن تؤدي عودة ترامب إلى البيت الأبيض لاتخاذه قرار الانسحاب من سوريا. وهنا، إما أن يكون هذا الانسحاب منسقاً مع تركيا أو بدون تنسيق، مما قد يدفع الجانب التركي لتسريع خطوات التقارب مع النظام السوري، أو مراجعتها وإعادة تقييم المسار.

العامل الثاني المؤثر هو الموقف الإيراني، حيث تفيد المعلومات بأن إيران التي تجنبت اتخاذ موقف واضح من الوساطة العراقية، تضغط على النظام السوري لتأجيل إعادة تنشيط اللقاءات مع أنقرة، لأنها تريد أولاً أن تبلور صورة واضحة بخصوص مستقبل التصعيد في لبنان، وثانياً تطالب بوضع إطار واضح للمحادثات بين أنقرة ودمشق من أجل ضمان أن تكون النتائج مختلفة عن السابق.

العامل الثالث والمهم، هو مدى استعداد النظام السوري للتعاون في ملف مكافحة الإرهاب، والموافقة على تسهيل عودة اللاجئين برعاية تركية. وهنا مرة أخرى تبرز أهمية الدور الإيراني حيث لعبت إيران دوراً حيوياً في عمليات التغيير الديموغرافي وتهجير السكان.

بالمحصلة، إن التحولات التي تطرأ على النهج التركي تجاه سوريا متسقة مع المتغيرات في عموم سياستها الخارجية المتعلقة بالدول التي تمتلك فيها نفوذا مثل ليبيا وأذربيجان، حيث تمزج بين التمسك بالنفوذ والوجود العسكري، والانفتاح على المباحثات السياسية من أجل تثبيت واقع معين يضمن لها مستقبل مصالحها قبل أي حديث عن سحب قواعدها العسكرية.