العقدة الإيرانية في العلاقات التركية مع النظام السوري

2024.06.23 | 06:14 دمشق

آخر تحديث: 23.06.2024 | 06:14 دمشق

678678
+A
حجم الخط
-A

مع كل مرة تُطرح فيها قضية تطبيع العلاقات التركية مع النظام السوري على الطاولة، يبرز حجم التباينات بين الجانبين، واختلاف الأولويات التي تحول دون الوصول إلى نتيجة ملموسة، رغم وصول المباحثات قبيل الانتخابات الرئاسية التركية التي جرت في أيار/ مايو 2023 إلى لقاء سياسي على مستوى وزراء الخارجية ضمن ما عرف بالمسار الرباعي لتطبيع العلاقات، ثم ما لبثت أن توقفت هذه اللقاءات، بل وتراجعت وتيرتها الأمنية.

أكبر ملفين خلافيين بين الجانبين هو عدم الاتفاق على آلية مرضية للجانب التركي فيما يتعلق بمسألة مكافحة الإرهاب، حيث تطمح أنقرة لأن يبادر النظام للقيام بدوره فيما يتعلق بتقويض "الإدارة الذاتية" شمال شرقي سوريا، التي تبدو وكأنها حجر أساس في تقسيم البلاد، وقبل هذا كله تريد أنقرة من النظام وقف التنسيق مع قسد على أقل تقدير، من أجل إبداء حسن للنوايا.

بالمقابل، يتمسك النظام السوري بمطلب تحديد الجانب التركي لجدول زمني من أجل انسحاب القوات التركية من على الأراضي السورية، ويطرحه شرطاً لاستكمال المباحثات.

لا يمكن قراءة موقف النظام السوري بمعزل عن حجم التأثير الذي تمتلكه طهران على قراره، حيث إن الأخيرة على الرغم من إبدائها مراراً للاستعداد للعب دور الوساطة من أجل تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، لكن وساطتها كانت قائمة على خطة عمل قدمها وزير الخارجية السابق حسين أمير عبد اللهيان في أيلول/ سبتمبر 2023، تتضمن التزام تركيا بسحب قواتها من سوريا، بالتوازي مع انتشار لقوات النظام على الحدود التركية، أي أن مطلب انسحاب القوات التركية الذي يتمسك به النظام هو في الحقيقة مرعي من قبل طهران.

طهران لا ترغب بمزيد من النفوذ التركي في كل من العراق وسوريا، بل تعمل على خفضه قدر الإمكان، وإن كان بالتنسيق تكتيكاً مع حزب العمال الكردستاني، وتقديم السلاح له لإعاقة العمليات العسكرية التركية شمالي العراق

تعتبر طهران كلاً من العراق وسوريا ممراً للبحر المتوسط، ولذا ترفض بقاء كل من القوات الأميركية والتركية على الأراضي السورية، خاصة في ظل التنافس الحاد بين أنقرة وطهران في ساحات أذربيجان والعراق، كما أنها لا ترحب بتوسيع التفاهمات الأمنية بين الجانبين التركي والعراقي، بما يؤدي إلى إقامة منطقة أمنية على الحدود التركية العراقية، وهذا ما يؤخر إطلاق الجيش التركي لعملية عسكرية كانت متوقعة في مطلع صيف عام 2024 في شمالي العراق.

فيما يتعلق باستجابة النظام السوري لمطلب تركيا بمكافحة الإرهاب، فهو مرتبط أيضاً بالإستراتيجية الإيرانية بالمنطقة عموماً وبسوريا بشكل خاص، حيث تتحالف طهران مع حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق، ورعت عملية التنسيق بينه وبين فصائل الحشد الشعبي وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني من أجل تأمين الممر الإيراني من العراق إلى الأراضي السورية، وفي الوقت ذاته تسعى لتوظيف بعض العشائر في شمال شرقي سوريا من أجل تنفيذ هجمات ضد جناح قسد المتحالف مع واشنطن لأنها ترغب في الضغط على القوات الأميركية ورفع التكلفة عليها لدفعها لمغادرة الأراضي السورية، وإحلال قوات موالية لها على الشريط الحدودي مع تركيا كما فعلت في مناطق غربي حلب التي سيطرت عليها ميليشيات إيرانية بغطاء روسي بين عامي 2019 و2020.

من الواضح أن طهران لا ترغب بمزيد من النفوذ التركي في كل من العراق وسوريا، بل تعمل على خفضه قدر الإمكان، وإن كان بالتنسيق تكتيكاً مع حزب العمال الكردستاني، وتقديم السلاح له لإعاقة العمليات العسكرية التركية شمالي العراق، بالإضافة إلى دفع النظام السوري للتصلب والتمسك بمطلب مغادرة القوات التركية للأراضي السورية مقابل استكمال مباحثات التطبيع.

لقد عولت تركيا بعد اندلاع الحرب الأوكرانية على إمكانية ملئها للفراغ الذي ستتركه روسيا في سوريا، ولذا اتجهت لتنشيط المحادثات مع دمشق، ولكن طهران تدخلت مباشرة على خط المباحثات التي رعت روسيا اعتباراً من آواخر عام 2022، واستطاعت تحويلها إلى مسار رباعي تشارك فيه بفاعلية، وانتهى بفشل التوصل إلى تفاهمات، واليوم على الرغم من الرسائل التي يرسلها النظام عبر بعض القنوات الخلفية إلى أنقرة، ويتحدث فيها عن استعداده لإعادة صياغة علاقته مع إيران حال وافقت أنقرة على شروطه، لا يبدو أن النظام قادر على التخلص من العقدة الإيرانية، وإن كان فعلا يرغب بهذا، خاصة مع توقعه مزيدا من الضغط على النفوذ الإيراني في المنطقة حال عاد دونالد ترامب الذي يتبنى نهجاً متشدداً تجاه طهران إلى البيت الأبيض مجدداً.