كشفت نتائج الشهادة الثانوية والإعدادية عن زيف الادّعاءات والتصاريح التي أدلى بها قياداتٌ في "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وحزب الاتحاد الديمقراطي وإدارتها الذاتية عن المناهج التي فرضوها في معظم مناطق سيطرتهم, والتأكيد على ما أسموه التدريس باللغة الأم (اللغة الكُردية), وإلزام الآلاف من أبناء منطقة الجزيرة وفي مقدمتهم الكُرد التدريس بمناهج غير معترف بها، ووصفها المختصون والمراقبون للشأن الكُردي بالمناهج المؤدلجة والراسخة لمفاهيم حزب العمال الكُردستاني التي تكرّس لغة الدم والسلاح.
أبناء قادة "قسد" يدرسون بمناهج النظام
أفادت مصادر مقرّبة من عائلات بعض القياديين في قسد و"الإدارة الذاتية" بأنّ أبناءهم قدّموا على شهادتي الثانوية والإعدادية في مناهج وزارة التربية التابعة للنظام، واتضح ذلك بعد صدور نتائج الشهادتين، مما أثار غضب وامتعاض الأهالي على مواقع التواصل الاجتماعي للازدواجية التي تتعامل بها "قسد" والذين تسبّبوا بضياع مستقبل أجيالٍ من أبناء المناطق التي يسيطرون عليها.
وبحسب المصادر الخاصة فقد حصل شيركو بالي ابن مصطفى بالي المتحدّث الإعلامي السابق لقسد على 16684 علامة في فرعه الأدبي في محافظة حلب, في حين حصل محمد القفطان نجل إبراهيم القفطان الرئيس المشترك لحزب سوريا المستقبل (أحد الأحزاب الرئيسية في مجلس سوريا الديمقراطي) على 2793 في التعليم الأساسي، ورسبت لافا علي بنت صالح علي أحد المسؤولين في هيئة التعليم في الإدارة الذاتية وحصلت على 10343 في الشهادة الثانوية وحصلت رونيزا جوهر بنت مصطفى جوهر ممثل حزب الوحدة الديمقراطي (جناح الشيخ آلي) في "الإدارة الذاتية" في مدينة رأس العين ورئيس بلديتها قبل دخول الجيش الوطني, على 14306 علامة في التعليم الأساسي.
التهديد بالفصل
أصدرت الإدارة الذاتية في الربع الأخير من عام 2019 قراراً ينصّ على فصل أيّ موظفٍ مهما طال شأنه، يرسل أبناءه إلى مدراس وجامعات النظام وتحت طائلة المسؤولية "القانونية" ومنذ إصدار ذلك القرار ورغم ورود معلومات وثبوتيات عن تلقي أبناء قياديين من إدارتها المدنية والعسكرية لمناهج النظام في جميع مراحل التعليم بدءاً من المرحلة الابتدائية والجامعية في باقي المحافظات، لم تنفّذ الإدارة أي خطوةٍ مما أصدرته.
اتهامات لـ "الإدارة الذاتية" بضياع مستقبل الآلاف
قالت نسرين جتو عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكُردستاني - سوريا (أحد أبرز الأحزاب في المجلس الوطني الكُردي) إنّ حزب الاتحاد الديمقراطي بفرضه مناهج تعليمية حرم الآلاف من أبناء المنطقة من التعليم وتسبّب بضياع مستقبلهم من خلال شعاراتٍ رنّانة تتعلّق بالتعليم باللغة الأم (اللغة الكُردية) والتخلص من مفاهيم البعث، مؤكّدة أن أبناء محافظة الحسكة كانوا من المميزين في الجامعات السورية وكانوا في أوج عطائهم, ولكن بعد اندلاع الثورة وتسلم الديمقراطي مناطق سيطرته من النظام اختلفت الموازين، وبفرض الإدارة مناهجها بحسب معاييرهم ومقاييسهم وبشكلٍ ممنهج, ضاقت السبل أمام أبناء المنطقة وتسبّب بموجة هجرةٍ طالت الآلاف.
وأشارت جتو إلى أن الحركة السياسية الكُردية في سوريا كان لها دورٌ ريادي في تعليم أطفال الكٌرد لغتهم الأم، في غرف مظلمة رغم الضغوطات الأمنية القاسية التي كان يفرضها النظام منذ العقود الماضية, واستطاع الكُرد من خلال مثقفيهم وحركتهم السياسية الحفاظ على ميراثهم الثقافي والفلكلوري حتى قبل الإعلان عن حزب العمال الكُردستاني وجناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي.
اعتقال المعلمين
اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة لـ "الإدارة الذاتية" في كلٍّ من الدرباسية وعامودا ومعبدة العشرات من المدرسين بسبب تقديم دروس تقوية لطلاب المرحلة الإعدادية والثانوية وإرغامهم التوقيع على تعهدات بعدم تقديم تلك الدروس تحت التهديد بالسجن.
قوبل هذا التصرف بخروج عدة مظاهرات في كلٍّ من الدرباسية ومعبدة من قبل الطلاب وذوي المدرسين الذين طالبوا بالإفراج عنهم، أو الاستمرار في المظاهرات والاعتصامات كما عبّر أهالي مناطق سيطرة قسد عن غضبهم لهذا التصرف الذي سمّوه باللا مسؤول، وأكدوا ضرورة الإفراج عن المدرسين الذين يبنون الأوطان في باقي الدول بحسب ما أدلوا به لعدة مواقع وقنوات إعلامية محلية.
كما أقدمت ميليشيا "شبيبة الثورة" التابعة لحزب العمال الكُردستاني في مدينة القامشلي على إحراق كلٍّ من معهد الرسالة ومركز خاص للتعليم للحدّ من التعليم بمناهج النظام
المجلس الوطني الكردي متمسك بالتعليم
اشترط المجلس الوطني الكُردي منذ البدء في مفاوضاته أحزاب الوحدة الوطنية التي يترأسهم حزب الاتحاد الديمقراطي, إلغاء المناهج التي فرضتها الإدارة الذاتية، أو إفساح المجال أمام أبناء المنطقة حرية الاختيار بين منهاج الإدارة غير المعترف بها ومناهج النظام.
في بداية المفاوضات، وبحسب مصادر من ضمن المجلس الوطني الكردي، اتفق الطرفان المجلس مع أحزاب الوحدة الوطنية والضامن للديمقراطي وتلك الأحزاب مظلوم عبدي والراعي الأميركي على إفساح المجال أمام الأهالي على حرية الاختيار بين مناهجهم ومناهج النظام، وإفساح المجال أمام المعاهد والمراكز التعليمية الخاصة للتدريس بمناهج وزارة التربية التابعة للنظام والمعترف بها، وفي فترة الانتخابات الأميركية وغياب الراعي الأميركي قامت الأجهزة الأمنية التابعة للإدراة الذاتية باعتقال عشرات المدرسين وحرقت عدة معاهد خاصة في القامشلي.
أسباب رفض الأهالي مناهج الإدارة الذاتية
منذ فرض الإدارة الذاتية مناهجها في مناطق سيطرتها تعالت الأصوات الرافضة لتلك المناهج لأسباب متعددة، وفي مقدمتها بأنها غير معترف بها لا من قبل منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة ولا من قبل دول الجوار ولا حتى من قبل النظام والذي يربطهم مع الإدارة علاقات عسكرية وإدارية، كما تتعلّق بالمناهج التي وصفها مختصون بالشأن التعليمي بالمؤدلجة والتي تكرّس مفاهيم حزب العمال الكُردستاني وزعيمهم عبد الله أوجلان, والمصنّفة عالمياً وإقليمياً تحت لائحة الإرهاب.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الكادر التدريسي غير مختص وغير مؤهّل للتعليم, ومعظمهم حاصلون على شهادتي الإعدادية والثانوية, ويتمّ توظيفهم بشكلٍ عشوائي، من دون التعرف إلى مؤهلاتهم التعليمية.
ومنذ سيطرة قسد على معظم محافظتي الرقة ودير الزور، حاولت فرض مناهج الإدارة الذاتية, وبسبب الرفض الشعبي المتكرّر من خلال المظاهرات والاعتصامات اتفق الأهالي مع قسد وبرعايةٍ أميركية على فرض مناهج خصّصتها منظمة اليونيسيف, وباللغة العربية ومعترف بها دولياً وبعيدة كلّ البعد عن أدلجة العمال الكُردستاني.
في حين استطاعت قسد أن تفرض تلك المناهج في محافظة الحسكة وبشكلٍ خاص المناطق ذات الغالبية الكُردية، أمام سكوت الأميركان رغم خروج عشرات المظاهرات والبيانات المندّدة من قبل المجلس الوطني الكُردي والمنظمات الحقوقية.
كما غضّت قسد النظر عن المدارس الخاصة في كلٍّ من القامشلي والحسكة والمالكية, وهدّدت القائمين على تلك المدارس بتسجيل أيّ طفلٍ كُردي تحت التهديد بإغلاق تلك المدارس، مما ضيّق السبل أمام الطفل الكُردي التسجيل في المدارس الموجودة في المربع الأمني والتي وصل أعدادها إلى الآلاف, كمدرسة زكي الأرسوزي في القامشلي التي وصل عدد الطلاب فيها إلى 16 ألف طالباً.