رغم أن سعر صرف الدولار على "فيس بوك" والتطبيقات المعتمدة لدى التجار وصل إلى 14200 ليرة سورية حتى يوم أمس الأربعاء، إلا أن سعره الحقيقي لدى الصرافيين في السوق السوداء وصل إلى 14500 ليرة، بينما أكد بعض سكان دمشق لموقع تلفزيون سوريا أنهم صرّفوا الدولار بـ15 ألفاً من بعض التجار مؤخراً.
سوق الصرف في دمشق لا يطابق النشرات
سوق الصرف في دمشق على أرض الواقع وللمرة الأولى، غير مطابق لنشرات الصفحات المعتمدة ليس انخفاضاً، بل يعلوها بكثير، حتى شكك كثير من السوريين مؤخراً بمصداقية صفحات مثل "الليرة اليوم" التي كانت معتمدة لسنوات طويلة من قبل التجار والسكان على حد سواء، لكنها ووفق وصفهم، باتت تتماشى مؤخراً مع ما يريده المركزي، وليس ما يعكسه السوق الذي يحسب تجاره أسعار السلع وفق أكثر من 15 ألف ليرة لسعر الدولار الواحد.
يحمل عصام 200 دولار في جيبه ويجول في دمشق بين أسواق الحميدية والحريقة وسوق الكهرباء بالمرجة، ليحصل على أفضل سعر، ويقول "أعرف 5 صرافين في تلك الأسواق، واعتدت أن أصرف لديهم خلال السنوات الماضية. كنت أختار أحدهم عشوائياً وأعتمد معهم سعر صفحات وتطبيقات الإنترنت، لكني تفاجأت هذه المرة بأن أحدهم عرض علي أكثر من سعر النشرة بـ200 ليرة".
ويضيف "عادةً يشتري الصرافون الدولار وفق سعر الشراء وهو السعر الأدنى أي بـ14000 بحسب سعر الأربعاء، لكن أحد الصرافين عرض علي 14200 ليرة، أي بحسب سعر المبيع وهذه سابقة، ما دفعني للبحث عن من يدفع لي أكثر وفعلاً وجدت من دفع لي 14500 ليرة".
حسابات نهاية العام
قد يعود الفرق بين سعر الدولار في السوق والنشرات إلى قرب نهاية العام، وارتفاع سعر الذهب وفي سؤال لمعرفة سبب دفع الصرافين قيمة أكبر من القيمة المعروضة على صفحات التداول، قال أحد بائعي الذهب والذي يقوم عادةً بتصريف الدولار لزبائن محددة، إنه "مستعد لشراء الدولار بـ15 ألف ليرة إن وجد".
وتابع لموقع تلفزيون سوريا مفضلاً عدم ذكر اسمه "الذهب يرتفع وهو مرجح بارتفاع أكبر، ويجب أن أسدد ما علي من مبالغ بالدولار لباقي التجار قبل نهاية العام كي أستطيع شراء الذهب مرة أخرى. فتجار الذهب يتعاملون بالدولار فقط".
وأضاف "كما أنني أسعى للحصول على الدولار لسداد ديوني، فإن أغلب التجار كذلك، ويعملون على دفع مستحقات أخرى، وهذا زاد من الطلب عليه، إضافةً إلى عامل التحول للدولرة في قطاعات عديدة، مثل العقارات والسيارات نتيجة تضخم الليرة وصعوبة حمل مبالغ كبيرة، وكل ذلك خلق طلباً أكبر، ناهيك عن عامل الخوف لدى التجار من اندلاع حرب والتوجه نحو التحوط، وخوف المواطنين من انهيار الليرة أكثر مع استمرار مصرف سورية المركزي بخفض قيمة الليرة بين الحين والآخر".
مؤشرات "مخيفة" جاءت من الموازنة
يرى خبراء اقتصاديون، أن اعتماد موازنة 2024 مؤخراً أسهم بانهيار الليرة فعلياً، فاعتمادها بنفقات قدرها 35.5 تريليون ليرة، ورغم أنها تعتبر أعلى بنحو 115% من موازنة عام 2023، إلا أنها لا ترسم ملامحاً جيدة للعام القادم من ناحية النهوض، بل تشير إلى مزيد من التدهور المقبل لكل مفاصل الاقتصاد ومن ضمنها قيمة الليرة، حيث إن الموازنة تعتبر أقل بنسبة 43 في المئة عن العام السابق في حال احتسابها بسعر صرف الدولار الصادر من المركزي السوري.
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق شفيق عربش، قال مؤخراً لصحيفة الوطن المقربة من النظام، إن قيمة الإنفاق الاستثماري في الموازنة المحدد بـ9 آلاف مليار ليرة، لو تم أخذها بأرقام سعر الصرف الرسمي الصادر عن مصرف سوريا المركزي فستقارب الـ800 مليون دولار، وهي لا تعادل 25 في المئة من الموازنة الاستثمارية للدولة في عام 2008، وهذا الرقم لن ينهض بالاقتصاد السوري بشكل نهائي، ولا يكاد يكفي بعض نفقات الإصلاحات لبعض المرافق العامة فيما لو تعطلت".
من المتوقع أن يفوق عجز الموازنة 9.5 ترليونات ليرة. ويؤكد الخبراء أن انهيار الليرة السورية مرتبط بجزء كبير منه بسياسة التمويل بالعجز، من خلال استمرار ضخ الليرة السورية دون وجود رصيد إنتاجي أو تصديري. وهذا ما أدى لإغراق السوق بالليرة سابقاً وانهيار سعرها، بينما تنذر موازنة 2024 وعجزها الضخم بانهيار أكبر قادم لليرة بالتأكيد، ما يثير مخاوف التجار والمستثمرين، ويدفعهم للتحوط المالي.