تتصاعد أزمة الغذاء في العالم عموماً والشرق الأوسط، خصوصاً في سوريا التي أصلاً هي في أزمة بين الغذاء والطحين والوقود، إضافة للتضخم وانهيار العملة، بعد إحدى عشرة سنة من الحرب الضروس التي شنها النظام على الشعب السوري.
جاءت أزمة الغذاء على خلفية العدوان الروسي على أوكرانيا وتدخلت تركيا والأمم المتحدة بشأن الحبوب التي سيطرت عليها روسيا، ومسألة تصديرها والالتزام بالعقود المبرمة سابقاً مع أوكرانيا وتم التوقيع برعاية تركية لتصدير الحبوب الأوكرانية، وحاولت موسكو وفق ما تسرّب من معلومات عن بواخر خرجت من موانئ أوكرانية تحمل قمحا مسروقا من أوكرانيا إلى الموانئ السورية الواقعة تحت إشراف روسيا، وتداولها الإعلام الأوكراني أن سوريا اشترت القمح المسروق من الروس.
بادرت أوكرانيا بعدها إلى قطع العلاقات مع سوريا عقب اعتراف دمشق بـاستقلال ما يسمى بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المنشأتين على الأراضي الأوكرانية المحتلة بدعم روسيا، واستقبال بعض أفراد قيادة الإقليمين في دمشق، لذا أقبلت كييف على تعليق عمل سفارتها في سوريا.
وفي الوقت الذي قبلت فيه سوريا بشراء القمح المسروق رفضت مصر شراء الحبوب الأوكرانية من روسيا تقديراً للعلاقات الودية مع أوكرانيا.
علماً أنه كان هناك روابط صداقة وثيقة وروابط أسرية تربط بين أوكرانيا وسوريا لسنوات عديدة قبل الثورة السورية، ثم وقفت أوكرانيا مع الشعب السوري المظلوم الذي تعرض للإبادة على يد نظام الأسد ومن ثم التدخل الروسي على أرض السوريين.
الجدير بالذكر، أن أوكرانيا تنتج حصة كبيرة من الغذاء العالمي: 27% من بذور عباد الشمس و5% من الشعير و3% من القمح و2% من الذرة، بينما تعتبر أوكرانيا أحد الموردين الرئيسيين للمنتجات إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحتى على الرغم من الأعمال القتالية وإغلاق القوات الروسية للموانئ الأوكرانية، وتحاول أوكرانيا تصدير حبوبها بكل الطرق الممكنة من أجل تجنب حدوث أزمة غذاء عالمية.
وسجّلت أزمة الغذاء في سوريا خلال العامين الماضيين تسارعاً مخيفاً لم تشهده خلال سنوات الصراع الدامي كلها، وتقفز تقديرات أعداد السوريين غير الآمنين غذائياً بمعدلات كبيرة خلال أشهر، فالوصول إلى الغذاء أصبح أصعب مع ارتفاع أسعاره بالدرجة الأولى رغم استمرار توفّره نسبياً.
ومع بداية عام 2022 حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من تفاقم المشكلة بشكل لا يمكن تداركه في سوريا مشيراً إلى أن 90 بالمئة من السوريين يعيشون في فقر؛ وأن 60 بالمئة منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وفي عام 2021، تم تحديد مخصصات مادة الخبز في مناطق النظام بربطة واحدة لكل عائلة، أي أقل من رغيفين للفرد يومياً إذا كان عدد أفراد الأسرة أربعة أشخاص، وتحتوي ربطة الخبز المسموح بها حسب البطاقة الذكية على سبعة أرغفة بوزن 1100غ للربطة، أي 275غ للفرد يومياً.
لهذا ينبغي الإشارة إلى أن برنامج الغذاء العالمي الذي يحصي هذه الأعداد يشير عملياً إلى أن حاجات تأمين المساعدات الإنسانية الغذائية لداخل سوريا قاربت 1,16 مليار دولار متطلبات عام 2020، ولكن ما تمّ تمويله لا يتعدى 332,7 مليون دولار، ونسبة أقل من 30%؛ فالبرنامج وفق تقاريره استطاع أن يغطي مساعدات غذائية عامة لـ 4,9 مليون شخص فقط!
كذلك موجة الجفاف التي ضربت المحاصيل وتبعها الحرائق، والآن سوريا معرضة في الأشهر القادمة لأزمة غذاء جديدة تُضاف لها الأزمة العالمية أيضاً التي تعصف بالمنطقة، لهذا الجمعية العامة للأمم المتحدة تذهب إلى مشروع قرار خارج مجلس الأمن لتجنب الفيتو الروسي بخصوص دخول المساعدات التي يريد النظام أن يستحوذ عليها، وهذا يهدد قرابة خمسة ملايين إنسان في شمال غربي سوريا في محافظة إدلب وشمالي حلب إلى أزمة في نقص المواد الأساسية للغذاء، فالأزمة الغذائية العالمية ستكون أضعافاً على سوريا بظل انسداد أفق الحل السياسي في البلاد.