لم يمضِ سوى أسبوعين على تشكيل حكومة تصريف الأعمال السورية برئاسة محمد البشير وتوليها إدارة مؤسسات الدولة، حتى أصدرت مجموعة قرارات اقتصادية التي وصفها مراقبون بأنها "ثورية".
وانعكست هذه القرارات إيجابياً على عدة أصعدة، أبرزها: تحسّن قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، فقد استقر سعر صرف الدولار عند عتبة 13 ألف ليرة، بعدما كان 16 ألف ليرة قبل سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
إجراءات اقتصادية وتحسن ملموس
شملت القرارات الاقتصادية إزالة الرسوم الجمركية التي فرضها النظام السابق لسنوات على المستوردات، بهدف تغطية العجز الذي كانت تعاني منه مؤسسات الدولة، وقد أدّى ذلك إلى انخفاض ملحوظ في أسعار العديد من السلع والبضائع والمركبات.
هذا التطور أعاد الأمل للشرائح الأكثر ضعفاً في سوريا، التي حُرمت لسنوات طويلة من تلبية احتياجاتها الأساسية بسبب السياسات الاقتصادية الشمولية للنظام السابق.
إلى جانب الأدوات المنزلية والأدوية المستوردة، تجدّد حلم السوريين بامتلاك السيارات، فقد انخفضت أسعار بعض أنواعها بنسبة تصل إلى 200%، بفضل إلغاء الرسوم الجمركية المفروضة عليها في عهد النظام البائد.
وما عزّز الآمال أيضاً، وعود حكومة تصريف الأعمال بإنعاش الاقتصاد سريعاً وزيادة الرواتب بنسبة 400% في المرحلة المقبلة، ما قد يفتح نافذة لتحسين الأوضاع المعيشية بعد سنوات من القهر.
بصيص أمل بعد سنوات القهر
"كنا نغرق في الفقر يوماً بعد يوم دون أن يشعر بنا أحد.. لم تكن رواتبنا الشهرية تكفي احتياجاتنا الأساسية لأكثر من أسبوع، بلغ دين زوجي نحو 30 مليون ليرة في السنة الأخيرة فقط"، بهذه الكلمات عبّرت رؤى المصري، معلمة في جرمانا وأم لثلاثة أطفال، عن معاناتها خلال السنوات الماضية.
تضيف المصري لـ موقع تلفزيون سوريا: "حياتنا كانت جحيماً من التوتر والقلق الدائم على مستقبلنا ومستقبل أولادنا.. إذا زادت الرواتب بنسبة 400% كما وعدت الحكومة، مع انخفاض الأسعار، فسنتمكن أخيراً من العيش بكرامة".
أمّا سامر أبو بكر، معلم دهانات في دمشق، فيرى أن زيادة الرواتب ستنعكس إيجابياً على مختلف المهن والأسواق، لكنه يشدد على ضرورة انخفاض الأسعار لتحقيق هذه الفائدة.
وفي هذا السياق، سبق أن أشار أحمد الشرع -القائد العام للإدارة السورية الجديدة- منتصف كانون الأوّل الفائت، إلى أنّ الحكومة تدرس رفع الرواتب بنسبة 400%.
ويبلغ متوسط رواتب موظفي في القطاع العام في سوريا، نحو 25 دولاراً، وتعاني شريحة منهم من تحديات معيشية بالغة التعقيد نظراً لارتفاع أسعار السلع والخدمات الرئيسية في البلاد.
مخاوف رغم الآمال
رغم التفاؤل، هناك مخاوف من تأثير القرارات الاقتصادية على الصناعات الوطنية، إذ يرى أبو الخير، تاجر أدوات كهربائية في جرمانا، أن "تخفيض الرسوم قد يؤدي إلى تدفق البضائع المستوردة بأسعار منخفضة، ما قد يضر بالمصانع المحلية ويهدد بإغلاقها.
وأوضح أنّ "التكلفة العالية للإنتاج التي تعاني منها المصانع السورية نتيجة لضعف الأداء الإنتاجي في مقابل المعامل الأجنبية، ستؤدي إلى ضعف التنافس لصالح البضائع الأجنبية رخيصة الثمن، ما قد يتسبّب في إغلاق المعامل الوطنية وخسارة مئات العمال لوظائفهم".
من جهتهِ، يشير المحامي والحقوقي السوري عز الدين محمد عز الدين، إلى أنّ القرارات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال، كانت سريعة وجريئة، مشيراً إلى أنّها تحتاج إلى توافق وطني لتجنب التفاوت الطبقي.
وأوضح: "كنت أفضّل أن يكون هناك توافق وطني على هذه القرارات؛ لأنها تغيّر هوية الاقتصاد السوري برمته، إذ إن النظام البائد المجرم -رغم ديكتاتوريته- كان يضفي شرعية شَكلية على مثل هذه القرارات؛ لذلك تحوّل قبل نحو عقدين من اقتصاد اشتراكي إلى آخر ليبرالي اجتماعي اخترعه هو بنفسه".
وسبق أن أوضح رئيس حكومة تصريف الأعمال، محمد البشير، أنّ "الحكومة تتجه نحو خصخصة الاقتصاد، وتشجيع الاستثمار، ومكافحة الاحتكار، وتخفيض الرسوم الجمركية لتحسين الظروف المعيشية.
يشار إلى أنّ تقارير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة تقول: إنّ 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، في حين يعاني 12.9 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي.