شهدت الليرة السورية ارتفاعًا ملحوظًا في قيمتها أمام الدولار الأميركي منذ إعلان إسقاط رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد في 8 كانون الأول الحالي، وذلك بعد انهيارات عديدة ومتتالية شهدتها منذ عام 2011، آخرها كان خلال عملية "ردع العدوان" العسكرية حين تجاوز سعر الصرف 35 ألف ليرة سورية للدولار الواحد.
وخلال أقل من شهر، أعلن مصرف سوريا المركزي رفع قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي مرتين، ليصبح السعر الوسطي 13,567 ليرة للدولار الواحد وفق آخر نشرة صرف صادرة عن المصرف في 29 كانون الأول الحالي.
هذا التحسن جاء بالتزامن مع عودة الآلاف من السوريين المهجرين والمغتربين عقب إعلان التحرير، وإلغاء العمل بمراسيم منع تداول العملات الأجنبية، ما أحدث انتعاشًا في حركة الأسواق، ليسجل الدولار نحو 15 ألف ليرة سورية في الأيام التي تلت هروب الأسد.
كما ترافق مع إعلان حكومة تصريف الأعمال عن أهدافها الرامية إلى النهوض بالواقع الاقتصادي وتهيئة بيئة استثمارية تجذب رؤوس الأموال للاستثمار في سوريا وسط العديد من التحديات الاقتصادية والمالية الكبيرة.
لكن خبراء اقتصاديين يرون أن هذا التعافي الجزئي في سعر الليرة ليس حقيقيًا في ظل التحديات والمشكلات العديدة التي يعاني منها الاقتصاد في سوريا، وأن الاستقرار في سعرها مرهون بالاستقرار السياسي والاستثمار وتحرك عجلة الاقتصاد.
تحسن غير إيجابي
ولا يمكن وصف واقع الليرة الحالي بالتحسن، بحسب ما أوضحه الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر لموقع تلفزيون سوريا، إذ تتذبذب الليرة صعودًا وهبوطًا منذ انتصار الثورة وحتى الآن. فعقب الانتصار بأيام قليلة تحسنت بشكل ملحوظ بنسبة تجاوزت 30%، لتعود وتخسر مكاسبها، ولاحقًا أيضًا تحسنت وعادت لتخسر جزءًا كبيرًا من مكاسبها.
وقال السيد عمر إن هذا التغيير في سعر الليرة هو تذبذب بين ارتفاع وانخفاض، وهو ليس إيجابيًا بالنسبة للحكومة وللشركات وللأفراد، لكون استقرار العملة عاملًا رئيسًا لاستقرار النشاط الاقتصادي.
وحتى اللحظة لا توجد مستجدات اقتصادية تدفع الليرة للتحسن، فلم يتم ضخ دولار في السوق ولم تأتِ أي استثمارات جديدة، بحسب السيد عمر الذي علل التذبذب الحالي بالعوامل النفسية والإشاعات في السوق النقدية، إضافة إلى المضاربات التي قد يديرها بعض أصحاب رؤوس الأموال.
نقص النقد الأجنبي
وتتمثل التحديات التي تواجهها الليرة السورية بشكل رئيسي بعدم امتلاك البنك المركزي السوري لأدوات نقدية فعالة للتحكم بالسوق النقدية، وفقًا للسيد عمر، فالمصرف المركزي لا يملك أرصدة كافية من الدولار، إضافة إلى وجود فائض كبير من الليرة في السوق وذلك بسبب مبالغة النظام المخلوع بالاعتماد على التمويل بالعجز في نفقاته.
كما أن أعلى قيمة نقدية هي من فئة الخمسة آلاف ليرة، والتي تعادل 40 سنتًا فقط. وفي حال تم زيادة الرواتب بنسبة 400%، قد تنخفض بشكل أكبر بسبب ضخ كميات كبيرة منها في السوق.
وكان رئيس الحكومة السورية المؤقتة، محمد البشير، صرح بأن احتياطي النقد الأجنبي في سوريا منخفض للغاية، في حين نقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن أحد المصادر أن احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي تبلغ نحو 200 مليون دولار نقدًا، في حين قال مصدر آخر إن احتياطيات الدولار الأمريكي "بمئات الملايين".
وإضافة لما سبق، يعد التضخم الجامح وبقاء حقول النفط والغاز في شمال شرق سوريا تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والكلفة العالية لإعادة الإعمار التي تقدر بنصف ترليون دولار من التحديات الاقتصادية التي تواجه الليرة السورية، بحسب ورقة بحثية للباحث في مركز "عمران" للدراسات مناف قومان.
وأشار قومان في بحثه إلى أن غياب الاستقرار السياسي في المرحلة الانتقالية وتأخر الاعتراف الدولي بالإدارة الجديدة والتنافس بين القوى المختلفة من التحديات السياسية التي تؤثر سلبًا على الليرة والاقتصاد عمومًا.
كيف يمكن التحسين؟
تشكل فوضى أسعار الليرة في بعض المناطق والتلاعب بأسعار العملات في السوق السوداء تهديدًا للمواطنين وسط مطالبات بتوحيد سعر الصرف وضبط السوق وتوحيد أسعار السلع.
فيما يتعلق بالخطوات المطلوبة لتحسين قيمة الليرة، أشار الباحث يحيى السيد عمر إلى أنها تتركز بشكل رئيسي بالقدرة على ضخ كميات كبيرة من الدولار في السوق، إما من خلال إعانات خارجية أو زيادة التصدير والحد من الاستيراد، وهذه تتعلق بشكل مباشر بالقدرة على تحريك الإنتاج الاقتصادي. لذلك التحسن الحقيقي في قيمة الليرة قد يحتاج لعدة أشهر حتى يظهر، وفق توقعاته.
من جانبه، أوصى الباحث مناف قومان بضرورة تبني مصرف سوريا المركزي ممارسات شفافة تسهم في بناء الثقة بينه وبين المواطنين والأسواق، وإصلاح الهيكلية المؤسسية للمصرف المركزي، ومكافحة التضخم من خلال ضبط الكتلة النقدية واستخدام كافة الأدوات النقدية المتاحة لضبط الأسعار والحفاظ على قيمة العملة، وتحديد أسعار فائدة مرنة تتناسب مع الظروف الاقتصادية الحالية.
هل تُحذف الأصفار؟
ومن أبرز المشكلات المتعلقة بالعملة في سوريا بسبب التضخم وانهيار قيمتها، بالإضافة إلى اهترائها، صعوبة حمل أوراقها النقدية لكثرة عددها وثقل وزنها، إذ يضطر المواطنون لنقلها أحياناً في حقائب كبيرة الحجم أو أكياس بلاستيكية، ما يطرح حذف الأصفار منها كأحد الحلول لتقليل الحجم وتخفيف الوزن.
وكان القائد العام لإدارة العمليات العسكرية في سوريا، أحمد الشرع، تحدث عن نية لإصدار عملة جديدة في سوريا بعد استقرار وتحسن قيمة العملة الحالية، إذ تحمل الأوراق النقدية السورية صور الأسد الأب والأسد المخلوع.
وتعقيبًا على هذا الحديث، أكد الباحث يحيى السيد عمر على ضرورة استبدال الليرة، لعدة أسباب، منها أن العملة الحالية تحمل صورة رموز النظام المخلوع.
كما أشار إلى ضرورة تعديل قيمتها بحيث تصبح متناسبة مع الواقع النقدي الجديد. فعلى سبيل المثال، لا بد أن تكون أعلى ورقة نقدية تعادل 50 دولارًا على الأقل، وهذا ما يتطلب حذف عدة أصفار.
وعلى مستوى السعر التوازني المتوقع، فهو سعر متغير تبعًا لكمية الدولار والليرة في السوق، بحسب ما أوضحه.
وبينما تصدر الإدارة الجديدة قرارتها الاقتصادية تباعاً، يعاني التجار من عدم القدرة على تحديد الأسعار بسبب وجود ثلاث عملات في السوق وهي الليرة السورية والتركية والدولار الأمبركي إضافة إلى التغير الحاصل في سعر الصرف ما ينعكس سلباً على قدرة المواطنين في تأمين احتياجاتهم.