جميعهم "إرهابيون" بنظر فيكتور أوربان رئيس وزراء هنغاريا، ويقول عنهم ميلوس زيمان رئيس التشيك إنهم: "لا يستحقون أدنى تعاطف وذلك لإرسالهم أطفالهم بقوارب مطاطية وهم يعلمون أنها يمكن أن تغرق"، أما برأي السياسي الفرنسي إريك زمور فهم: "لصوص وقتلة ومغتصبون"، في حين تتساءل مجلة شارلي إيبدو الفرنسية التي اشتهرت بالسخرية اللاذعة: "ما الذي كان سيحدث لو عاش إيلان الكردي وأمثاله وكبروا؟" وتصور إيلان الذي جرف الموج جسده الغض نحو الشاطئ وهو بعمر ثلاث سنوات، في رسم كاريكاتوري وهو يتحرش بامرأة في ألمانيا عبر لمس مؤخرتها! إذ كما يرى عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي ميشيل إيجيي صاحب الأعمال والكتب الشهيرة حول المهاجرين، فإن أعداء المهاجرين يتخيلون أن هنالك عالمين، أحدهما نظيف ومعافى ومرئي، والآخر قذر ومظلم وتسوده الأمراض وغير مرئي، وهو ما يسميه عالم "الفتات والبقايا".
"إخوتي في إدلب"
تحولت الأقليات المسلمة والمهاجرون المسلمون الذين تعرضوا لكل أنواع الشيطنة عبر الدعاية التي أطلقتها أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب العنصرية في مختلف بقاع العالم، خاصة في أوروبا، إلى هدف لزعيم أهم حزب معارض في تركيا، ألا وهو كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري هو وأعضاء حزبه، وذلك منذ عام 2012.
إلا أن أعضاء ذلك الحزب يختلفون عن نظرائهم الأوروبيين من ناحيتين، والناحية الثانية مثيرة للسخرية إلى أبعد الحدود. وذلك لأن حزب الشعب الجمهوري حزب يساري ذي توجه قريب جداً من النزعة الاشتراكية العالمية. أما النقطة الثانية فهي أن زعيم حزب الشعب الجمهوري يستخدم العبارات نفسها التي تفوه بها أوربان ومارين لوبان تجاه اللاجئين، إلا أنه في الوقت ذاته يشير إليهم بعبارة: "إخواني وأخوتي"!
إذ مثلاً في رده على احتمال هجرة نحو مليون سوري موجودين في إدلب في عام 2021، هرباً من هجمات النظام الذي حقق تقدماً بدعم روسي، صرح كليتشدار أوغلو بالآتي: "إن كل إخوتي في إدلب دمويون، ومجندون في التنظيم الإرهابي"، ويقصد هنا تنظيم الدولة. كما أنه أقسم ومايزال يكرر قسمه حتى اليوم بقوله: "كونوا على يقين من أن إخوتنا السوريين سيكونون بلاء على أمتنا أقسم بالله. وذلك لأن أعتى عتاة العالم السفلي سيظهرون بين ظهرانيهم"، وفي إشارة إلى أن بعضهم إرهابيين، ويزعم قائلاً: "إننا لا نعرف من الإرهابي ومن البريء، فكما ترون بدأت الهجمات تظهر في مناطق كثيرة"، وذلك دون أن يكلف نفسه عناء شرح من المقصود بهذا الكلام، أو أين وقعت تلك الهجمات ومتى وقعت أو كيف.
مؤامرة الاستبدال العظيم
لعل كليتشدار أوغلو قد استلهم أفكاره من نظرية رينو كامو الشهيرة حول مؤامرة الاستبدال العظيم، بما أن كامو مصدر إلهام اليمين المتطرف الفرنسي، أو لعل ردود الفعل الانعكاسية في عقول أعداء المهاجرين تعمل دوماً بالطريقة ذاتها. إذ بالرغم من عدم وجود أي مكان في تركيا تطغى فيه أعداد السوريين على عدد السكان المستقرين، وبالرغم من أن إجمالي عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية لم يتجاوز 300 ألف شخص، إلا أن زعيم أهم حزب معارض من اليسار التركي يزعم أن: "الحمض النووي للأتراك قد تغير بكل وضوح"، كما يدعي بأنه: "في حال إجراء انتخابات، سيفوز إخوتنا السوريون برئاسة البلديات، إذ هنالك سوريون في كل الولايات التركية البالغ عددها 81 ولاية، وفي بعض ولاياتنا، يزيد عدد السوريين على عدد الأهالي".
وإضافة لذلك، يرى كليتشدار أوغلو أن: "السوريين يتمتعون بكل أنواع الامتيازات"، إذ بخلاف الأتراك: "لا يقفون في الطابور بانتظار دورهم في المشافي، بما أن الأطباء يعاينونهم قبل غيرهم. كما يسجلون في الجامعات دون الخضوع لفحص وطني، وأصحاب المهن والأعمال بينهم لا يدفعون الضرائب، ولا يخضعون لأي رقابة أياً كانت".
وبحسب ما يرى زعيم حزب الشعب الجمهوري فإن كل قطاعات المجتمع التي تضم: "أصحاب محال، وفلاحين، وعمالا، وعاطلين عن العمل، وعجزة، وطلابا وغيرهم" محرومون من الدعم الحكومي مقارنة باللاجئين السوريين، ويكرر هذا الرجل مقولته أن: "الحكومة تعطي السوريين المال الذي يجب أن تعطيه للشعب التركي... وتقول: لا تقلقوا ولا تهتموا، إذ بوسع أولادنا أن يظلوا فقراء وعاطلين عن العمل، أما السوريون ففي الدرجة الأولى، وبعدهم يأتي مواطنونا".
وبما أنه لم يشبع من تحريض الناس عبر التطرق إلى الفروقات الطبقية، لذا فإنه في بعض الأحيان يطالب جماعات عرقية ودينية معينة بأن تثور، وذلك عندما يقول موجهاً خطابه للرئيس أردوغان: "إنك لا تهتم بنا بقدر اهتمامك بالسوريين، فهم مواطنون من الدرجة الأولى، لكن أصولي هنا [بما أنه من الروم الشرقيين] تعود لأيام محمد الفاتح، ولا زلت أعامل كمواطن من الدرجة الثالثة. ولهذا عليكم أن تثوروا، لتقولوا إنكم لا تقبلون بذلك".
قرية علوية ترفض قيام مخيم فيها
في تلك الأثناء، قامت مجموعة من نواب حزب الشعب الجمهوري وأعضاء الحزب بتخريب بناء مخيم للاجئين، الذي خطط لافتتاحه في سيفريجيهويوك بمرعش، وذلك نظراً لوجود كثافة سكانية علوية هناك، حيث طلبوا من الأهالي أن يحتجوا على ذلك الإجراء، وعن ذلك يقول كليتشدار أوغلو: "نريد، نحن شعب سيفريجيهويوك، أن نعيش مرتاحين في قريتنا، إذ ليست لدينا مشكلة، إلا أنهم [ ويقصد هنا الحكومة] فتحوا الباب للمشكلات حتى تدخل علينا".
وثمة صيغة معينة يلجأ إليها كليتشدار أوغلو للرد على حرب تركيا ضد تنظيم الدولة ووحدات حماية الشعب في سوريا، حيث يقول: "أبنائي من الشبان الوسيمين سيستشهدون في سوريا، في الوقت الذي يسبح فيه شبابهم على شواطئنا، ويتباهون ويتفاخرون ويستمتعون ويسيرون بكل حرية". وفي بعض الأحيان، وكغيره من السياسيين العنصريين من اليمين المتطرف، يصرح قائلاً: "عندما تقول ذلك أمامهم يقولون: يا إلهي! إنها عنصرية... كلاً، لأن كل ما أفعله هو حماية حقوق شعبي".
لا راحة لأي مستثمر عربي في تركيا
وبالمقابل، فإن العرب بمجملهم تحولوا إلى أعداء في عقيدة حزب الشعب الجمهوري طوال ردح طويل من الزمن، وهنالك أنواع كثيرة من الخطابات الاستشراقية التي يستخدمها وجهاء الحزب للتعامل مع الإسلام بوصفه جزءاً من "الحالة العربية"، وعليه فإن زعيم حزب الشعب الجمهوري لا يقف ضد اللاجئين السوريين الذين هربوا من الحرب الدائرة في بلدهم ولجؤوا إلى تركيا فحسب، إنما يقف أيضاً ضد أي مستثمر يأتي من العالم العربي، فعلى سبيل المثال، أخذ كليتشدار أوغلو يصب تقريعه على الاستثمارات القطرية في تركيا، بقوله: "إن الدولة التي عمرها يرجع لآلاف السنين أصبحت جزءاً من قطر" وفي مناسبة أخرى، غرد بالعربية في تغريدة انطوت على تهديد مبطن للحكومة عندما كتب: "هل سنعطي شركاءكم في الجريمة من القطريين أو السعوديين فترة استراحة؟ هل يعتقد هؤلاء أن بوسعهم أن يرتاحوا هنا؟"
"لا تردوا السلام على كل من هب ودب"
إذا كان زعيم الحزب نفسه يشوه سمعة اللاجئين ويحرض الناس ضدهم، تخيل إذن إلى أي مدى يمكن أن يذهب أعضاء ذلك الحزب. إذ يرى الوزير السابق فكري صالار من حزب الشعب الجمهوري أن: "السوريين نقلوا مرض نقص المناعة المكتسبة/الإيدز إلى البلد"، ولهذا يجب على اللاجئين ألا: "يطؤوا أرض إزمير لأنها الوجه المشرق لبلدنا" بحسب رأي أوزلين آيرمان وهي عضو في البرلمان عن إزمير، كما يرى زميلها في البرلمان عن إزمير أيضاً، آيتون تشيراي أن: "مخيم اللاجئين المزمع افتتاحه ما هو إلا خنجر زرع في قلب إزمير، أما النائب السابق عن حزب الشعب الجمهوري، إلهان جيهانير، فيرى أن: "شعب هاتاي يجب ألا يؤجر أي بيت للاجئين"، كما عليهم أن: "يعبروا عن ردة فعلهم وأن يكفوا عن رد السلام على كل من يسلم عليهم".
وفي الوقت الذي فرض فيه خيري توركييلماز رئيس بلدية مقاطعة مودانيا ببورصا حظر ارتياد الشاطئ على اللاجئين، لأنهم بنظره: "يعيشون حياة المشاهير"، يقول تانجو أوزجان، رئيس بلدية بولو من حزب الشعب الجمهوري: "لا نريد رؤية السوريين في بولو" ليتفوق في تصريحاته على تصريحات اليمين المتطرف التي جرت على لسان زمور، مع توجيه تعليمات مباشرة ضد السوريين تقضي بالآتي: "ينبغي التوقف عن منح السوريين أي رخصة لمزاولة أي عمل أو مشروع تجاري". وخلال الأسبوع الأول لتوليه لمنصبه، تفاخر أوزجان بقطع المعونات الغذائية والمالية عن اللاجئين، وفي هاتاي، أزالت البلدية التي يسيطر عليها حزب الشعب الجمهوري لافتات المحال التجارية المكتوبة بالعربية في الأحياء التي تشتمل على كثافة عالية من اللاجئين السوريين لأنها تخلق حالة: "تلوث بصري".
خطاب إيجابي تجاه اللاجئين
ولكن، ألم يخرج حزب الشعب الجمهوري بأي خطاب أو فعل إيجابي تجاه اللاجئين؟ بلى، فعل، وذلك عندما أعد الحزب تقريرين حول المصاعب التي يواجهها اللاجئون، كان ذلك عندما التقت غمزة أكوش إيلغيزدي وهي نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري والنائب عن بلدية إسطنبول باللاجئين السوريين المقيمين في إسطنبول في عام 2021، وأعدت تقريراً عنهم تحت عنوان: "طالبو اللجوء السوريين في إسطنبول: رغبتهم بالعودة وتوقعاتهم"، وفي ذلك التقرير، كتبت إيلغيزدي: "عندما ننتقد الحكومة، علينا أن نتوخى الحذر وألا نستخدم اللاجئين كأداة ضدها، حتى لا نحولهم لهدف لأي ردة فعل عنصرية". وثمة نتائج خلص إليها هذا التقرير تكشف عن وجهة نظر الحزب ومؤيديه تجاه اللاجئين، ولو بشكل غير مباشر، حيث جاء فيه: "عموماً، يفضل السوريون الأحياء التي يقيم فيها أعضاء حزب العدالة والتنمية بشكل أساسي".
وثمة إقرارات حاسمة في هذا التقرير مثل: "ليس من المجحف أن نقول إن التركمان، الذين لا يواجهون مصاعب كثيرة تتصل بالاندماج بسبب اللغة، قد قوبلوا بتقبل أكبر من طرف الأتراك بفضل أصولهم العرقية، وحمايتهم لجيرانهم العرب والكرد" أو: "إن طالبي اللجوء من الأصول الكردية، الذين يفضلون القدوم إلى تركيا على الذهاب إلى روجافا، قد وجدوا تضامنا من قبل العرب والتركمان، وليس من قبل الكرد في تركيا". وإضافة لذلك، قامت مجموعة من نواب حزب الشعب الجمهوري بإعداد تقرير تحت عنوان: "بين الحدود: من المأساة البشرية إلى اختبار الإنسانية" في عام 2016، وهذا التقرير إيجابي بالعموم، بالرغم من تعرضه لانتقادات طالت بعض الثغرات والمبالغات التي وردت فيه، وكذلك لمعالجته القضية من منظور أمني بدلاً من معالجتها من منظور إنساني.
من علينا أن نصدق من حزب الشعب الجمهوري؟
إلا أن كلا التقريرين لم يخلف أي أثر على زعيم هذا الحزب، أو على خطاب أعضائه، أو على سياساته المعادية للهجرة. في الحقيقة، في الوقت الذي تطرق فيه كلا التقريرين للحديث عن عدم استهداف اللاجئين، لم يذكر أي منهما أسماء الشخصيات والسياسيين الذين استهدفوا اللاجئين وشيطنوهم! فقد طرح إيرجومينت آكدينيز وهو أحد الكتاب في صحيفة Evrensel اليسارية، بلغته الصحفية التي تنم عن أخلاق ومبادئ رفيعة، موضوع اللاجئين في الصحافة التركية منذ البداية، وذلك عندما تساءل في إحدى مقالاته: "من علينا أن نصدق من حزب الشعب الجمهوري؟" في إشارة للتناقضات بين تصريحات زعيم الحزب مع ما ورد في هذين التقريرين.
وبالمقابل، انتقدت صحيفة Bianet الليبرالية اليسارية أحزاب المعارضة في مقالة بعنوان: "مناهضة اللاجئين: انعدام أخلاق المعارضة من أجل المعارضة فقط"، حيث بنت تلك الصحيفة انتقاداتها على أساس أن أحزاب المعارضة التركية تتبنى خطاب الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا تجاه المهاجرين والأجانب والمسلمين والأتراك. وعلى المنوال ذاته، دانت تلك الصحيفة ما نشر في صحيفة Sözcü الناطقة باسم حزب الشعب الجمهوري، ضد اللاجئين، وتساءلت: "ما الفرق بين من يحرقون بيوت الأتراك وبين صحيفة Sözcü المعارضة التي تستهدف الحي الذي يقيم فيه مهاجرون صوماليون بأنقرة؟"
لا أحد ينتقد الأسد
لقد وعد كليتشدار أوغلو، الذي لم ينتقد بشار الأسد ولو لمرة واحدة، بترحيل اللاجئين إن فاز بانتخابات 2023، وفي تعبير مماثل لعبارته الأصلية العجيبة التي قال فيها: "إخواني الإرهابيين الدمويين في إدلب"، صرح زعيم حزب الشعب الجمهوري على نحو محرج بالآتي: "سنرحلهم إلى سوريا بالطبل والزمر". في حين أعلنت ميرال أكشينار، زعيمة الحزب الجيد، ثاني أقوى حزب سياسي في التحالف الشعبي، وهو حزب يشبه حزب AfD الألماني من اليمين المتطرف: "سنحاور الأسد وسنعيدهم".
ثمة شخصية سياسية أخرى، استقالت من الحزب الجيد قبل عام وأسست حزباً جديداً، ألا وهو حزب النصر، والمقصود هنا هو أوميت أوزداغ، الذي يركز في خطابه السياسي على اللاجئين، والذي أصبح، بخلاف كليتشدار أوغلو، يستهدف اللاجئين بكل صراحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال مقاطع فيديو ملفقة تتهمهم بالـ"فساد الأخلاق" و"التحرش بالفتيات والنساء التركيات".
في القرن الحادي والعشرين، وفي عالم يعامل فيه اللاجئون كما تعالج القمامة، بقيت تركيا منذ عام 2012 أكثر دولة كرماً، عندما استضافت أربعة ملايين لاجئ سوري تقريباً، معظمهم من الأطفال (قرابة مليونين)، والنساء، فتقاليد الدولة التي حولت الأناضول إلى موطن لطالبي اللجوء على مدار التاريخ ماتزال على العهد بقيادة الرئيس أردوغان.
على الرغم من أن خطاب المعارضة أصبح مؤثراً في تركيا خلال الآونة الأخيرة، حيث أصبحنا نشهد حالة تصاعد في المشاعر المعادية للاجئين، فإن أردوغان ما يزال يسأل: "هل أتى السوريون لتركيا ليتسلوا؟ ألم يدفعهم خوفهم من الموت هناك لطلب اللجوء في تركيا والهجرة إليها؟ لم نطردهم من هذه البلاد، ولن نطردهم منها... فبابنا مفتوح للاجئين، وسنظل نستقبلهم".
المصدر: بوليتيكس توداي