تستغل مكاتب سياحية بدمشق حاجة سوريين للسفر من جراء تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، وتحتال عليهم بحجة استخراج تأشيرة سفر لهم مقابل مبالغ كبيرة بالاشتراك مع وزارة السياحة التابعة للنظام التي تُصدَّر إيصالات موقعة منها ومن تلك المكاتب بالمبلغ المدفوع والمتبقي بذريعة ضمان حقوق الطرفين.
وتعرض عدة سوريين مؤخراً لحالات احتيال ودفع مبالغ تفوق الـ 100 مليون ليرة، ورغم رفع البعض منهم دعاوى ضد هذه المكاتب، إلا أن إجراءات التقاضي وطول مدتها تُفقد المبلغ المدفوع قيمته جراء التضخم.
طارق، 34 عاماً، شاب سوري يحمل شهادة حرفية ومهنية في هندسة الحدائق، قال: دفعت 50 مليون ليرة كدفعة أولى لمكتب في الحجاز بقصد الحصول على فيزا عمل إلى ألمانيا، على أن يكمل دفع باقي المبلغ (50 مليوناً) لدى استلامها".
وأضاف في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أنَّ المكتب أعطاه إيصالات مختومة بالمبلغ المدفوع والمتبقي موقعة من قبل وزارة السياحة والمكتب كضمان لحقوقه المالية.
لكن، بعد انتظار لثلاثة أشهر أخبره مسؤول المكتب، بأن طلب التأشيرة رُفض، وبأن المبلغ الذي دفعه ذهب تكاليف تقديم الطلب وتحضير الملف.
وأوضح الشاب الثلاثيني، أنَّه بعد مطالبته صاحب المكتب بالمبلغ وتهديده برفع دعوى عليه، "اختفى"، وأغلق المكتب وهرب إلى لبنان، موضحاً، أنّ مكتبه مستأجر وأنه نصب على نحو الـ 15 شخصاً بالطريقة ذاتها.
ولفت إلى أنه لجأ إلى القضاء لتحصيل المبلغ الذي خسره، وما زال ينتظر، وأنه اضطر للعمل 18 ساعة يومياً كي يستطيع توفير الـ 50 مليوناً التي استدانها من قريب له.
لا يختلف ما حدث مع طارق عما حصل مع خالدة، التي وقعت ضحية مكتب آخر في جسر فكتوريا، والذي أوهمها بقدرته على استخراج تأشيرة لها إلى بيلاروسيا كبديل عن طرق الوصول إلى أوروبا تهريباً عبر البحر.
وعليه، خسرت خالدة 2000 دولار كدفعة أولى أخذها المكتب بقصد استخراج فيزا بيلاروسيا لها، كما قالت لموقع تلفزيون سوريا، وأضافت، "بعد أقل من شهر وخلال تواصلي مع رقم المكتب تبين أنه مغلق"، وكذلك مقر المكتب أُغلق بعد فترة ثلاثة أشهر دون قدرتها على استرداد مادفعته.
هل ينصفهم القانون؟
ويوضح محامٍ مقيم في دمشق لموقع تلفزيون سوريا، أنَّ الخلاف في هذه الحالة مدني طالما هناك إيصال دفع وامتناع عن إعادة المبلغ ولا توجد أية مشكلة من الناحية القانونية.
بينما الواقع العملي مختلف تماماً، إذ أنه في حال رفع دعوى مدنية على صاحب المكتب قد تستمر لسنوات وتواجه مشكلتين: الأولى والأهم هي عدم وجود أي أملاك لصاحب المكتب للحجز عليها واستيفاء الشخص لحقه، والثانية انهيار قيمة العملة وقت التحصيل، وفقاً لكلام المحامي.
وأضاف، أنَّ تلك المكاتب السياحية بدمشق تشترط للحصول على تأشيرة دفع نصف المبلغ مسبقاً، منوهاً إلى أنَّ هناك مكاتب اختصاصها النصب والاحتيال، وفي حال كان المكتب غير مرخص يخسر الشخص المبلغ المدفوع في أغلب الحالات.
وفي السياق ذاته، أكد صاحب مكتب سياحي بدمشق أنه لا توجد تأشيرات لأوروبا عن طريق مكاتب السياحة والسفر قائلاً: "إنَّ ذلك ممنوع أصلاً لأن أغلب السفارات مغلقة بدمشق وليس لها مكاتب رسمية مختصة بإصدار تأشيرات دخول، وفي حال حصل شخص على تأشيرة من مكتب سياحي فهي مزورة حكماً".
لجنة من ثلاث "وزارات "
وذكر صاحب المكتب ذاته في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أنَّ الفيصل بالموضوع سمعة المكتب، لأن أصحاب المكاتب العريقة يستحيل أن تخاطر بسمعتها في هذا المجال، بينما مكاتب النصب والاحتيال لا تهتم للسمعة.
وفي وقت سابق من العام الفائت 2023، كشف مدير القياس والجودة بـ"وزارة السياحة" زياد البلخي، في حديث صحفي عن تشكيل لجنة إدارية ذات طابع قضائي لمعالجة الإشكالات والشكاوى التي ترد حول عمل مؤسسات ووكالات السياحة والسفر المرخصة في سوريا.
وأضاف، بأنَّ اللجنة مشكلة بالقرار رقم 519 لعام 2023، وتضم ممثلين عن وزارات السياحة والداخلية والأوقاف ويرأسها قاضٍ ممثلاً عن وزارة العدل، مبيناً أنه خلال العامين الماضيين وردت 57 شكوى، أحيلت منها 21 للجنة ونتج عنها تجميد عمل 6 مواقع سياحة وسفر وإغلاق 8 أخرى.