قرأتُ في مكان ما معلومة تقول: إن السفير الحالي لدولة فلسطين في دمشق، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" سمير الرفاعي، كان معتقلاً في وقت ما في أحد سجون النظام، بسبب انتمائه السياسي في زمن غضب حافظ الأسد على الرئيس الراحل ياسر عرفات، وعلى أعضاء حركته النضالية التحررية!
لستُ متأكداً من المعلومة، ولا أحتاج لبذل جهد كبير من أجل إثباتها، فالفحوى منها أي قمع النظام التاريخي للفلسطينيين، قابلة للتأكيد من خلال أمثلة كثيرة، وقد عشتُ في وقت مبكر من شبابي تجربة اعتقال قصيرة، بدأت في فرع الضابطة الفدائية في حي التجارة التابع للأمن العسكري، وانتهت في فرع فلسطين، وتحديداً في مبناه القديم في منطقة الجمارك، لصق كلية الآداب في جامعة دمشق.
وفي هذه التجربة حظيت بلقاء عشرات الشباب الفلسطيني المعتقل في سجون النظام، وذلك بناء على تقارير أمنية تقول بأنهم "عرفاتيون"! أي من جماعة ياسر عرفات، وهذه التهمة توازي في مضمونها أن يكون المعتقل منتسباً إلى منظمة إرهابية، في عرف المحققين الأسديين.
طبعاً لم يكن السجن مقتصراً على هؤلاء فقط، بل كان مفروضاً على كثيرين من منتسبي المنظمات الفدائية الأخرى، أن ينالوا حصتهم من "كرم ضيافة" المخابرات السورية، لا لشيء سوى "كسر أعينهم" وكذلك جمع المعلومات عن الجميع؛ الشخص البعيد قبل الآخر القريب.
لن يشكل كون سمير الرفاعي معتقلاً سابقاً في سوريا من عدم كونه كذلك أي فرق في الحديث عن واقع حال الفلسطينيين السوريين، في عهد الأسد الأب أو عهد الابن
بين هؤلاء قابلتُ شاباً نابلسياً، من منتسبي الجبهة الديموقراطية، التي يرأسها نايف حواتمة منذ عشرات السنين، كان يدرس الطب في بلغاريا وقاده حظه العاثر إلى دمشق، حيث قرر زيارتها بناءً على دعوة تنظيمية، لكن ألقي القبض عليه في مطار دمشق، وبقي في السجن لشهر، ولم أعرف مصيره، بعد خروجي من ذلك الجحيم، لكن ما لفتني فيه أنه كان لا يصدق أبداً وجوده في سجن لدى النظام الذي يصرع الفلسطينيين بأنه يدافع عن قضيتهم!
عرفتُ بعد وقت، أن عدداً ممن قابلتهم، قضوا سنوات في جناح العرفاتيين في سجن صيدنايا قبل أن يفرج عنهم في وقت ما من تسعينيات القرن الماضي، وضمن هذه التفاصيل لن يشكل كون سمير الرفاعي معتقلاً سابقاً في سوريا من عدم كونه كذلك أي فرق في الحديث عن واقع حال الفلسطينيين السوريين، في عهد الأسد الأب أو عهد الابن، بل ما سيشكل الفرق لدي ولدى الفلسطينيين أنفسهم تفصيلان مرا خلال الأيام الماضية.
أولهما تلك الفعالية التضامنية مع الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي التي نظمتها سفارة محمود عباس، بعنوان "وقفة دعم وإسناد لأسرانا الأبطال"، والتي حلت ضيفة فيها بثينة شعبان المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية، واستغلتها عبر إلقاء كلمة لإعادة تصديع الرؤوس بالشعارات التي يكررها النظام في كل مناسبة، عن مساندته ومطالبته الكيان الصهيوني بإطلاق الأسرى الفلسطينيين من سجونه!
المفارقة الكامنة في هذا التفصيل -إن كنا نحتاج للشرح هنا- تأتي من أن هذه السفارة، ربما تحاول أن تدافع عن حضورها في دمشق، وتغطي على تجاهلها للمعتقلين الفلسطينيين في سجون النظام نفسه، عبر الإيحاء بأن قضيتها ليست في دمشق بل هناك في فلسطين!
وطبعاً لن ننسى أنها كانت بعد أيام معدودة فقط، قد أصدرت بياناً تدافع فيه عن نفسها ضد اتهامات وجهت لها بأنها تساعد على تهجير اللاجئين من سوريا، سيما وأن عدد من غادر صوب أوروبا وأمكنة أخرى يتجاوز 200 ألف فلسطيني.
أما التفصيل الثاني، فهو تصرف يدعو للسخرية قام به الرئيس محمود عباس إذ منح الممثلة السورية المؤيدة للأسد سلاف فواخرجي جواز سفر فلسطيني، في الوقت الذي لا يتمكن فيه عشرات الآلاف الفلسطينيين من الحصول على مثل هذه الوثيقة، ودون أن يتم إيضاح الدواعي التي تدفع إلى أن تحصل عليها مواطنة دولة عربية أخرى، إلا أن السبب كان مساعدة فواخرجي على السفر إلى دول أخرى، لا يمكنها زيارتها من خلال جواز سفرها السوري!
كما يتجاهل سفير فلسطين في دمشق صور مواطنيه المختفين في الحفرة السوداء السورية، يقع محمود عباس ربما بسبب الخرف المبكر أو انكشاف الانحدار الأخلاقي، في جورة مشابهة
ربما كان اتجاه القضية بالنسبة لمحمود عباس يتعاكس مع اتجاهها لدى سفيره في دمشق، وبدلاً من أن يركز كل منهما جهده على القضايا الملحة حيث يمارس مهامه، تتوجه بوصلتاهما صوب اتجاهات مختلفة، فينتج عن هذا المنحى الاعتباطي في التفكير والعمل، أن يصبح الموضوع الفلسطيني أخف وأقل قيمة!
وبينما يحكي بعض الممانعين عن تأثير سلبي للثورات العربية على القضية الفلسطينية، والاهتمام بها، ينسون، أو يتناسون على وجه أصح، أن الابتلاء الذي أصيبت به قضية العرب المركزي، كان يأتي من بين ظهراني أصحابها الأصليين، فكما يتجاهل سفير فلسطين في دمشق صور مواطنيه المختفين في الحفرة السوداء السورية، يقع محمود عباس ربما بسبب الخرف المبكر أو انكشاف الانحدار الأخلاقي، في جورة مشابهة.
يتآخى الفلسطيني مع السوري في الدم والمصير، وتتماثل صور الحكام والسفراء وأصحاب المناصب والحظوات، وكأنهم أبناء سلالة شيطانية واحدة.