تعد "المونة" في سوريا من أهم التقاليد التي يحافظ عليها السوريون منذ مئات السنين، وهي إحدى الطرق القديمة لتخزين الطعام في الصيف لاستخدامه في الشتاء.
أصناف معينة من الطعام يتم إعدادها بطرق خاصة لتحافظ على جودتها واستخدامها في غير مواسمها، وهي نوع من ثقافة التدبير المنزلي وتتعلق بالمائدة السورية وطابعها الخاص.
حمل السوريون معهم إلى مصر الكثير من عاداتهم، وساعدهم ترحيب المصريين وتقبلهم على الاستمرار في ممارسة هذه العادات التي كان من أهمها المونة.
وتتكون المونة من دبس البندورة والمكدوس واللبنة والزيتون وزيته، بالإضافة إلى الكشك والبازيلاء والفول وورق العنب وغيرها من الأصناف.
لكن من اللافت، على الرغم من وجود هذه الأصناف على مدار العام في مصر، إلا أن السوريين لم يستطيعوا التخلي عن هذه العادات، التي باتت مع مرور الوقت مصدر رزق للكثير من السوريات اللواتي يبرعن في إعداد المونة.
المونة.. مصدر رزق
على الرغم من وجود الكثير من أصناف المونة الجاهزة في المتاجر في الوقت الحالي، إلا أن النسبة الأكبر من ربات البيوت لا يثقن سوى بالمونة المعدة منزليا، وذلك بسبب الثقة في نظافتها وسلامة تخزينها وما إلى ذلك.
وانتشار السوريين في مصر ورغبتهم في كل ما هو سوري، فتح الباب أمام النساء السوريات، اللواتي يرغبن بتحسين وضعهن المعيشي وخاصة من فقدن المعيل، للعمل بمجال إعداد المونة، التي لا يمكن أن يستغني عنها السوريون.
لم تكن فاطمة محمد، سورية (40عاما) وهي أم لثلاثة أطفال، تعلم أن ما تعلمته من والدتها في طفولتها وشبابها سيفتح لها باب رزق تؤمن به متطلبات حياتها الصعبة.
تقول فاطمة، لموقع "تلفزيون سوريا"، كنت أتلقى راتبا من المفوضية، ويساعدني أخي في دفع إيجار المنزل، ولكن مع تردي الأوضاع الاقتصادية قررت البحث عن عمل.
فاطمة لم تكمل تعليمها ولا تجيد أي مهنة تعيلها وأسرتها، لذلك قررت صنع المونة وعرضها على مجموعة الجالية السورية في "الفيسبوك".
تضيف فاطمة، ما إن عرضت بعض المنتجات التي صنعتها في منزلي حتى تتالت عليّ الطلبات، وأصبحت أعمل من منزلي وأرسل المنتج إلى الزبون، موضحة أنها تتلقى في البداية جزءا من الثمن مسبقا "عربون" ثم تباشر العمل.
تؤكد فاطمة على رغبة الزبون بالمنتجات المصنوعة يدويا وتقول، كل ما هو مصنوع يدويا يباع بشكل أكبر ويزيد سعره، بالإضافة إلى أن النساء يثقن بالمنتجات المعدة يدويا، وأنا أحاول أن أجعل عملي نظيفا من دون أي مواد صناعية أو مواد مغشوشة.
تتنوع المونة على حسب الموسم، فهناك موسم للبقوليات، وآخر للمكدوس وموسم مختلف للكشك، بالإضافة إلى المربيات والمخللات وورق العنب.
تقوم النساء اللواتي يعملن بمجال إعداد المونة بتجميد ورق العنب، وإعداد المكدوس سواء بزيته أو من بدونه، وتجريح الزيتون ووضعه في الزيت، بالإضافة لإعداد الكشك وطحنه، ويتم الإعلان عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر المعارف.
بدورها مرام حامد، سورية (34عاما) وأم لولدين تقول، بدأت العمل في مجال المونة عندما ضاقت الأوضاع الاقتصادية، وأردت أن أساعد زوجي الذي يحمل مسؤوليات كثيرة، ولكني لم استطع العمل خارج المنزل فليس لدي مكان أترك فيه أولادي، فاستجمعت شجاعتي وبدأت مشروعي في صنع المونة.
ولا يقتصر طلب المونة على السوريين، بل وجدت استحسانا لدى المصريين الذين باتوا يقبلون على أصناف من المونة السورية لم يعرفوها قبل.
تضيف مرام، في البداية كان زبائني من السوريين فقط، ولكن مع اطلاع المصريين على ثقافة الطعام السوري، بدأت أحصل على طلبات من زبائن مصريين، في البداية كانت الدائرة تشمل جيراني ومعارفي فقط، ولكن مع الوقت ازداد عدد زبائني وتوسعت الدائرة. والحقيقة أن هذا العمل ساعدنا كثيرا في الوقوف في وجه الظروف الصعبة.
طعام سوري معد منزليا
تعمل العديد من النساء السوريات في مصر في إعداد الطعام في المنزل، وإرساله إلى الزبائن، سواء كان هذا الطعام مجمدا، أو مطهوا، أو حتى مرسلا من غير طهي.
وتساعد هذه المهنة السوريات في تأمين متطلبات الحياة، كما أنها تقيهن من الظروف التي قد يتعرضن لها في العمل خارج المنزل.
ثريا خالد، سورية (45 عاما) تقول، أعمل في هذا المجال منذ سبع سنوات، الآن يوجد لدي الكثير من الزبائن الذين اعتادوا على نكهة طعامي، وخصوصا الشباب الذين يعيشون من دون أمهاتهم، فهذا الطعام يذكرهم دائما أنهم ليسوا لوحدهم.
تضيف ثريا، في الآونة الأخيرة زادت الأسعار كثيرا، مما اضطرني إلى أن أزيد من سعر وجباتي، وأخاف من المرحلة القادمة حيث إن الزبون لا يقدر أن الغلاء على الجميع وأنني أكون مضطرة.
وتقول ثريا، إن زبائني ليسوا سوريين فقط، بل من المصريين والليبيين والفلسطينيين.
كما أن الطبخ المنزلي يعد أساسيا بالنسبة للشباب الوحيدين الذين يعيشون في مصر من غير أهلهم، ويعيشون مع بعضهم، وهم من أهم زبائن الطبخ المنزلي.
يؤكد رائد سالم على هذا الأمر ويقول، أعمل في مصر منذ أكثر من خمس سنوات، أحيانا لا يكون لدي وقت للطهي، ولا أحب الأكل الجاهز من المطاعم كثيرا مما يجعلني أطلب من بعض السيدات السوريات إعداد أكلات معينة لي وأحول لهن المال مقابل هذا.
ليس السوريين فقط، بل هناك العديد من المصريين الذين يحبون الطعام السوري ولكنهم لا يعرفون طريقة طهيه، فيطلبونه من السيدات السوريات.
تقول سحر سليم، مصرية، أحب الأكلات السورية كثيرا، خصوصا الشيخ محشي، والشيشبرك، وفشلت بصنعهم، فطلبت من سيدة سورية أن تعده لي وكان طعمه شهيا جدا، ونصحت به صديقاتي أيضا.