حوّل العرب شهر رمضان إلى فرصة للاستهلاك الدرامي الأقصى، فطبيعة الشهر تساعد على تقبل الدراما إلى حد قد يصل إلى حالة الشره، بعد صيام يوم طويل في انتظار مكافأة غذائية وأخرى ترفيهية، وقد فرض الوقت آلية درامية تطورية في رمضان بحيث تتنافس الشركات على تقديم ما هو مشوق وجذاب، للاستئثار بالعدد الأكبر من المشاهدين، إلى جانب التطرف أحيانا في تقديم برامج على درجة عالية من الخطورة، تحت عنوان المقالب، لكنها في الواقع دراما من نوع خاص تُرصد له مبالغ خيالية تمر من خلالها الإعلانات الكثيرة، وهذا سوق آخر ينتعش بشدة في رمضان، حيث يتأكد أصحاب الماركات التجارية بأن الجمهور متجمع الآن خلف الشاشات لالتهام مزيد من الدراما ومتعلقاتها..
تتكاثر المنصات التي تقدم أنماطا متنوعة لتواكب مزاج المشاهد، بحسب وقت فراغه المتاح كي يشاهد مسلسلا طويلا أو قصيرا أو عددا محددا من حلقاته إن كان من النوع الذي يدعونه متصلا منفصلا، دون أن يضطر لانتظار اليوم التالي ليعرف ماذا سيجري، ودون أن يستعرض الطاقم في العمل الدرامي فكثير من تلك المنصات يتيح لك تخطي المقدمة والنهاية، ويوفر عرضا متواصلا يمكن ألا يتوقف، ولا يحد الشهر الهجري من عرض تلك المنصات فيمكن أن يبقى العمل الدرامي في الأرشيف بحيث يستطيع المشاهد أن يعود إليه وقتما يشاء كي يكرر مشاهدته مرة بعد مرة.
الهروب إلى المواقع الإلكترونية للقنوات يشكل حلا للتخلص من الإعلانات، لكنه يكلف المشاهد في معظم الحالات أجورا يدفعها لهذا النوع من المنصات، بعد أن التفت نظر معظم المنتجين إلى أهمية حجب المسلسل عن يوتيوب، حتى لترى هذه المنصة الضخمة تفتقر للمنتج الدرامي الحديث، وتظهر في المقابل كل فترة منصات ومواقع جديدة غير شرعية، طارئة تعرض المسلسلات، وتمرر معها بضاعتها من الإعلانات والفيروسات.
يتوجب على المشاهد تحمل شريط إعلاني طويل في سبيل متابعة مسلسله المفضل
المادة الإعلانية مقتصرة على العرض المجاني، كما كانت دائما في التلفزيون، حيث يتوجب على المشاهد تحمل شريط إعلاني طويل في سبيل متابعة مسلسله المفضل، وحيث يجتهد صاحب الإعلان التجاري ويلعب دورا دراميا هو الآخر، بتقديم إعلان جذاب ليبقي على تركيز المشاهد حتى نهاية السرد الترويجي، ويمكن تلمس المنافسة التي يمارسها الجميع ضد الجميع، فالقناة تنافس منصتها الرقمية، والإعلان ينافس المسلسل الذي يُعرض في منتصفه، ودراما التشويق تنافس دراما الأسرة، والتاريخي ينافس الاجتماعي، والمحلي ينافس العالمي، وتجد الكوميديا على الدوام زبائنها بسهولة رغم ضعف مستواها بشكل عام عن مستوى الدراما الأخرى التي تقدم الأعمال الجادة أو التي تدعي الجدية، إلى جانب عقدة الثلاثين حلقة، ومدة الخمس والثلاثين دقيقة التي بدأ منتجون شجعان يتمردون عليها..
ورغم الكثرة والوفرة الدرامية قد لا يتسنى لمشاهد أن يتابع أكثر من مسلسل واحد أو اثنين، وليقوم بمهمته تلك يمكن أن يستشير زملاء وأصدقاء أو قد يتابع فقرات الترويج لمسلسلات أو برومو العمل، لينتقي منها ما يغريه، وقد يلعب الحظ دورا مهما في اختيار العمل، لأن المخرج سيوظف طاقة إضافية في تجميل البرومو ليكسب التعاطف منذ اللحظة الدرامية الأولى، وتزداد حيرة المشاهد حين يتشاطر عدة ممثلين عرب من الدرجة الممتازة مسلسلا، ما يعني زيادة في احتمالية جذب مشاهد يحمل تطلعا قوميا، ويحب أن يشاهد مسلسلا متعدد الأقطار، وإن لم يبذل ذلك المسلسل جهدا في تبرير وجود ممثلين من عدة أقطار في مكان واحد دون أن تظهر فروقا تذكر في الثقافة أو العادات، رغم تباين اللهجات بين ممثلي الصف الأول.
للكثيرين موقف سلبي من دراما رمضان، ولكن ذلك لا يمنع عددا هائلا منهم من متابعة مسلسل أو اثنين، وإن على سبيل استدعاء نوستالجيا ما
للكثيرين موقف سلبي من دراما رمضان، ولكن ذلك لا يمنع عددا هائلا منهم من متابعة مسلسل أو اثنين، وإن على سبيل استدعاء نوستالجيا ما، لكن يبقى العرض المتزايد قادرا على خلق مشاهدة متزايدة، وهو قانون سوقي تثبته التجربة، والمشاهدة المتزايدة تخلق سوقا موازيا للمقارنة والتفاضل بين مسلسل يسمى ناجحا وآخر لا يلتفت إليه أحد.