بات الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عرضة لخطر خسارته تأييد قادة جيشه في أثناء استعداده لولاية ثالثة في الحكم بعد فوزه بانتخابات وهمية، وذلك بحسب ما أعلنته زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو التي وصفت مادورو بأنه أصبح في موقف لا يحسد عليه على حد تعبيرها.
صورة لجنرالات الأسد
وذكرت ماتشادو بأن الجنرالات في جيش مادورو يخشون من أن يتخلى عنهم الحلفاء الروس والإيرانيون بعد سقوط نظام الأسد بما أن لحكومة مادورو صلات متينة بهذا النظام، وهذا ما دفعها إلى القول مخاطبة أبناء وبنات شعبها: "ألا تعتقدون بأن مادورو يرى صورته في عيني بشار الأسد؟" وذلك في مقابلة سجلت مع زعيمة المعارضة من مخبئها السري في فنزويلا، ثم أضافت قائلة: "ألا تعتقدون بأن الجنرالات المؤيدين له عندما ينظرون في المرآة يرون الجنرالات الذين تخلى عنهم الأسد؟".
يؤكد مادورو بأن لديه تفويضا جديدا لحكم تلك الدولة الغنية بالنفط الواقعة في أميركا الجنوبية وذلك منذ فوزه بالانتخابات في شهر تموز الماضي، لكنه لم يتمكن من تقديم أي أدلة تثبت فوزه فيها، فقد نشرت المعارضة قوائم أرقام رسمية حصلت عليها من مراكز الاقتراع تظهر فوز مرشح المعارضة على الرئيس، وقد اعترفت كل من الولايات المتحدة والبرلمان الأوروبي بهذه النتيجة.
حُرمت ماتشادو صاحبة الشخصية الجذابة المؤيدة لفكرة السوق الحرة من الترشح للانتخابات، ولهذا اقترحت اسم إدموندو غونزاليس ليحل محلها، ولذلك كرر كل منهما مناشداته لأفراد من الجيش الفنزويلي اعتقاداً منهما بأن دعم هؤلاء لمادورو قد تراجع في أثناء استعداده لأداء اليمين يوم الجمعة المقبل.
رفض شعبي كاسح لمادورو
كما أعلنت المعارضة بأن تحليلها يظهر بأن المناطق التي تحظى بحضور قوي للعسكر والشرطة بين السكان قد صوتت بما ينسجم مع تصويت بقية أنحاء البلد في شهر تموز الماضي، أي أنها رفضت الرئيس بأغلبية ساحقة، ولهذا ترى المعارضة بأن زيادة الضغط على مادورو قبل عقد مراسم تنصيبه رئيساً في يوم الجمعة المقبل، من شأنها أن تصدع أركان هذا النظام.
أثارت المعارضة الفنزويلية تلك الآمال بين صفوف الناس قبل الآن، إلا أن مساعيها ذهبت أدراج الرياح، ولكن معارضي مادورو يرون بأن رفض الناخبين للرئيس في هذه المرة دمر شرعيته في عيون عموم العسكر والشرطة، وهذا ما دفع ماتشادو إلى القول: "إن الشيء الوحيد الذي خلفه مادورو هو القمع، فإذا كسرنا ذلك القمع، فسوف ينهار النظام، تماماً كما حصل في سوريا".
يذكر أن سوريا عاشت حرباً امتدت لثلاثة عشر عاماً قسمتها إلى ملل ونحل دينية وعرقية قبل سقوط النظام، في حين أن وضع فنزويلا يختلف عن سوريا من نواح حدة، لكن النظام القمعي في كاراكاس يشترك مع نظام الأسد المخلوع بالحلفاء أنفسهم، كما يشترك معه بأن معظم أبناء وبنات شعبه باتوا يكرهونه.
تحالف مادورو مع الأسد ودعم كل منهما الآخر في مجال التجارة والمبادرات الدبلوماسية، وقد تعززت تلك العلاقة من خلال الجالية السورية واللبنانية الكبيرة الموجودة في فنزويلا، ناهيك عن تسيير فنزويلا لرحلات جوية منتظمة بين كاراكاس ودمشق.
ومع تقدم الثوار نحو دمشق في كانون الأول الماضي، خاطب مادورو الأسد بالقول: "إن حكومة فنزويلا وشعبها يدعمان سوريا في نضالها ضد الإرهاب"، وبأن: "مصير الشعبين المستقلين" هو مواجهة: "المخططات الأميركية التي تستهدفهما".
"لن نفوز بحريتنا إن لم نتغلب على خوفنا"
طالبت ماتشادو الشعب الفنزويلي بالنزول إلى الشوارع يوم الخميس القادم وذلك ليعربوا عن رفضهم لمادورو ولقمعه الذي ظهر عقب الانتخابات والذي أسفر عن حبس أكثر من ألفي شخص.
كما أعلن غونزاليس يوم الثلاثاء الماضي بأن صهره قد اختطف في كاراكاس بعد أن رافق أولاده إلى مدرستهم، وعلقت ماتشادو على ذلك بقولها إن: "عملاء النظام" طوقوا بيت أمها العجوز المقعدة، وأقاموا حواجز على الطرقات المفضية لبيتها، وأطلقوا مسيرات فوقه، وأضافت: "نضالنا نضال سلمي، إلا أن هذا لا يعني بأننا ضعفاء، بل إننا بغاية القوة والثبات... غير أننا لن نفوز بحريتنا إن لم نتغلب على خوفنا".
حري بالذكر أن حكومة مادورو نجحت في إحباط عدة محاولات سابقة للإطاحة بها، ولذلك شددت السلطات الطوق الأمني حول كاركاس قبل موعد مراسم تنصيب الرئيس يوم الجمعة القادم عبر نصب حواجز حول المدينة وتكثيف حضور الشرطة وعناصر مكافحة التجسس، وهذا ما دفع أحد سكان العاصمة للقول: "إن الحكومة تستعرض عضلاتها في مختلف أنحاء البلد حتى يفكر الناس مرتين قبل الخروج للتظاهر ضدها".
منذ أن تولى مادورو السلطة في عام 2013 عبر صناديق الاقتراع خلفاً للزعيم الاشتراكي الثوري هيوغو تشافيز، شهد اقتصاد فنزويلا التي كانت في الماضي دولة ثرية انكماشاً كبيراً بلغت نسبته ثلاثة أرباع حجم الاقتصاد في السابق وهذا ما جعل واحداً من بين كل أربعة مواطنين فنزويليين يرحل عن البلد.
حشد الدعم ضد مادورو في الداخل والخارج
في الوقت الذي أخذت ماتشادو تحشد للتظاهر من داخل فنزويلا، اضطر غونزاليس إلى الهروب للمنفى، وخلال الأسبوع الماضي شرع بجولة لحشد الدعم الدولي حيث التقى برئيس الأرجنتين والأوروغواي خلال عطلة نهاية الأسبوع، كما التقى يوم الإثنين بالرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن.
أكد بايدن على أن: "الملايين من أبناء الشعب الفنزويلي تحولوا إلى مصدر إلهام للعالم بأسره بعد أن صوتوا بكل شجاعة للتغيير الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية التي اعترتها عيوب ونقائص كثيرة والتي عقدت في 28 تموز الماضي"، في حين أعلن البيت الأبيض أن: "غونزاليس أوروتيا حصل على غالبية الأصوات وبفارق لا يمكن للطرف الآخر الاقتراب منه".
كما أعلن غونزاليس بأن فريقه تواصل مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وعشية يوم الإثنين، التقى غونزاليس بنواب جمهوريين من فلوريدا في مبنى الكابيتول، كان بينهم مايك والتز مستشار الأمن القومي المقبل لدى الرئيس المنتخب ترمب.
في حين وصفت ماتشادو مراسم التنصيب المقرر لها أن تجري يوم الجمعة المقبل بأنها "محاكمة بالنار واختبار حقيقي" بالنسبة للدول الديمقراطية، حتى تقرر إما الوقوف مع المعارضة الديمقراطية أو دعم "طاغية مدجج بالسلاح" على حد تعبيرها، وأضافت: "لقد ولى زمن المواقف الضعيفة وتلك التي تساوي بين العدل والفساد، بين السلام والعنف، بين الحق والباطل".
يذكر أن واشنطن فرضت من جديد عقوبات موسعة على قطاع النفط بفنزويلا في شهر نيسان المنصرم، لكنها تركت الرخص الممنوحة لشركات مثل شركة تشيفرون وريسبول وإيني لتمارس عملها في فنزويلا، ولذلك طالبت المعارضة الولايات المتحدة بإلغاء تلك الرخص كما تأملت من إدارة بايدن أن تلغي تلك الرخص قبل خروجها من السلطة.
ولذلك حذرت ماتشادو شركة تشيفرون وغيرها من الشركات من مغبة "المساهمة في دعم" مادورو، وقالت: "إن ذلك اختبار حقيقي بالنسبة لهذه الشركات أيضاً، إذ كما لا توجد منطقة وسط أو أي تبرير لأي جندي يطلق النار على شعبه، أو لأي حكومة تتغاضى عن ذلك، لا يوجد أي تبرير لتلك الشركات عند ممارستها لأي نشاط تجاري مع هذا النظام".
وأعلنت ماتشادو بأن الديون السيادية المستحقة على دولة فنزويلا وعلى شركة النفط التابعة للدولة باتت على المحك هي أيضاً بعد أن وصلت إلى 160 مليار دولار خلال العام الفائت، وقالت: "كل دائن وكل من يحمل سنداً أو صكاً بات يعرف اليوم بأنه لن يحصل على سنت واحد طالما بقي مادورو في السلطة".
يذكر أن غونزاليس تعهد في وقت سابق بأنه سيعود إلى بلده حتى ينصب رئيساً لها في العاشر من كانون الثاني، غير أن ماتشادو أعلنت بأنه سيحلف اليمين الدستورية ليصبح رئيساً لفنزويلا في الوقت المناسب، وأضافت: "لا يمكنني أن أحدد لكم متى سيحدث ذلك بالضبط، إذ لو كانت لدينا ديمقراطية، أو أدنى شروطها، لقلت لكم إن ذلك سيتم في العاشر من شهر كانون الثاني عند الساعة العاشرة صباحاً، إلا أن جميعنا يعرف ما يحدث في فنزويلا اليوم".
ومصداقاً لكلامها أعلن وزير داخلية فنزويلا، ديوسدادو كابيو، يوم الإثنين الماضي بأن غونزاليس "يعرف بأنه سيلقى القبض عليه بمجرد أن تطأ قدماه أرض فنزويلا".
المصدر: The Financial Times