المعارضة السورية.. ما مدى وجود مؤشرات تعافٍ وقبول؟

2024.06.10 | 06:11 دمشق

المعارضة السورية
+A
حجم الخط
-A

غابت المعارضة السورية السياسية عن الحالة الشعبية السورية بعد ما يقارب العقد على اندلاع الثورة، وذلك نظرًا للخيبات الكثيرة التي تعرضت لها القضية السورية. حيث شكّل أداء المعارضة صدمة وطنية للشعب السوري الذي قابل تشكيل الأجسام بدءًا من المجلس الوطني السوري إلى الائتلاف الوطني السوري بحالة من التفاؤل والقبول، وكذلك الرفض والاندفاع، مما جعل هذه المؤسسات أمام حالة الحكم قبل أن تولد وتزاول عملها.

عاشت المعارضة منذ تشكيلها تحديات مختلفة على الأصعدة الداخلية المرتبطة بتعريف دورها والعمل التنظيمي أو على الصعيد الدولي، وذلك لافتقارها لعوامل مهمة في ممارسة العمل السياسي. وبقي السؤال الحاضر بشكل متكرر في حوارات السوريين عن جدوى وجود المعارضة السورية على الصعيدين السياسي والبيروقراطي. ارتكبت أخطاء عديدة خلال المفاوضات السياسية مع نظام الأسد، وساهمت التقديرات الخاطئة في خسارة ملفات سياسية عديدة جراء تحالفاتها غير المتوازنة وتعرضها لأزمة هوية بعد استقطابها لمساحات الصراعات الفكرية على حساب انتماءات وطنية أوسع تراعي مفهوم الدولة في التعاطي مع تنوع فئات المجتمع. وكانت مجمل الإشكاليات في هذا الصدد متعلقة بالتمثيل وخلاف الكتل والتوازنات والتحالفات وعدم وجود "عقلية الدولة". كما كان تعامل المعارضة مع ملفات داخلية مثل تلك الأمنية والعسكرية والمدنية في المناطق التي تسيطر عليها، محل خلاف.

أما الحكومة المؤقتة، فلا تقل تحدياتها عن المعارضة السياسية، لكن ربما تكمن أكبر إشكالياتها في عدم فهم مساحات أدوارها ومسؤولياتها التي غالبًا ما تصبغ بطابعها السياسي بدلاً من التنفيذي البيروقراطي، مما يجعلها أداة سياسية وضمن دائرة صراع النفوذ داخل المعارضة. لكن مع ذلك، أصبح من الجيد التركيز على إيجابيات المعارضة السورية بدلاً من تسليط الضوء فقط على سلبياتها، وفقًا لملفات أساسية مثل الزلزال، والتعافي المبكر، والاستثمار وبعض النجاحات على صعيد تصدير خطاب الواقع السياسي والاستفادة منه.

نقطة تحوّل واردة وملامح التحسن

لم يكن تحدي الزلزال إنسانيًا فحسب، وإنما كان سياسيًا أيضًا حيث هناك متطلبات مركّبة للتعامل معه. حتى المنظمات الدولية أدركت الحاجة لوجود الحكومة المؤقتة "كسلطة" بمعناها السيادي "authority" وليس الأمر الواقعي “De Facto” للتعامل مع الكارثة، رغم وجود الكثير من الملاحظات على تدخل الأمم المتحدة حينها فيما يتعلق بأزمة الحدود. وكان جزءًا من التأخر هو عدم وجود علاقة واضحة "معرّفة" بين المنظمات الدولية والحكومة نفسها والتردد في الإجابة على الحاجة للمعارضة السورية كسلطة موجودة ولديها تحالفاتها.

يمثل ذلك دافعًا جديدًا للنظر في ضرورة التعامل مع ممثل عن تلك المنطقة. مع أن المعارضة ما زال لديها ملفات سيادية تشكّل لها نقاط قوة مثل ملف التعليم الإعدادي الثانوي والصحة، بجانب ملف الحج وإن حصل به تقلص لحدود كبيرة. ملف الحج بحد ذاته يعتبر ملفًا مهمًا لإعادة تقييم المعارضة، وذلك ضمن إطار مسار التواصل التقني مع نظام الأسد، حيث استطاعت المعارضة تحصيل مكاسب وفقًا للواقع الذي تكرس فيما يرتبط بتعريف المرحلة الإقليمية نفسها التي يعلي فيها الفاعلون من ديناميات التواصل على حساب التجاهل لأجل التعامل مع الملفات الأمنية.

بالتالي، لا يمكن تقييم المعارضة عبر تجاهل هذا الواقع، مع أهمية التفكير النقدي في الأسباب التي أوصلت الملف السوري لهذا المنعطف. تكمن أهمية ملف الحج في مفاهيم القانون الدولي في التأكيد على واقع عدم تفرد النظام بالجغرافيا، أي بتمثيل السوريين على اعتبار أن سوريا كدولة منقوصة السيادة مع عدم وجود "احتكار العنف". ومن هذا المنطلق، إنّ الاستثمار بهذا الملف من قبل المعارضة بالاستفادة من المنطقة التي تسيطر عليها قد يشكل مقاربة جديدة تجاه الملف السوري، وهذا يمكن عبر التركيز على إعادة ضبط المنطقة واستغلال التحديات الموجودة وتحويلها لفرص كالزلزال.

مؤخرًا، يعتبر التعافي المبكّر فرصة جديدة ومهمة للمعارضة السورية للتعامل مع الملف بجدية كبيرة لاكتساب حضور وشخصية أكبر، فقد يكون من الصعوبة -لحد ما- تحصيل المكاسب على المستوى السياسي دون تعزيز عوامل القوة التي تنطلق بشكل رئيسي من المنطقة التي تسيطر عليها. كما أن مؤتمر الاستثمار الذي سلط الضوء على مكامن القوة التي تمتلكها المنطقة سيشكل فرصة جديدة للنهوض في المنطقة والاستثمار به على الصعيد السياسي. ولعلّ المعارضة باتت تدرك بشكل ما هذه الضرورات، تحسن أداء المعارضة غير مرتبط فقط بالظروف المحيطة وإنما كذلك بوجود ملامح تغييرات جديدة في الأداء وفهم الواقع والتعامل معه وتطور "القناعة"، فضلاً عن إدراك الطرف الآخر الحاجة للمعارضة، خاصة المنظمات المحلية السورية التي باتت تتعامل مع المعارضة بجدية أكبر، خاصة الحكومة السورية المؤقتة.

مكامن ودوافع التحسن

ساهم إعادة بناء التحالفات على المستوى الوطني خلال مرحلة "التكافل الاجتماعي" بدءًا من فترة الزلزال في تغير تم لحظه في توجه طيف جيد من الرأي العام، على الأقل بالحد الأدنى، فيما يتعلق بدعوة المعارضة وممثليها لحضور الفعاليات المختلفة كجزء من حالة بروتوكولية واعتراف بجسم تمثيلي لديه الهيمنة بمعناها السيادي. لكن لم يكن هذا التوجه نابعًا من تفضيلات ذاتية بقدر ما أصبح لدى المعارضة بعض نقاط القوة التي تستند عليها، لا سيما في تسهيل عمل المنظمات المحلية داخل سوريا والمناطق التي تسيطر عليها بالمجمل. كما من الملفت ارتفاع جيد في زيارات المعارضة السورية لشمال سوريا وتشكيل لجان وهيئات واهتمام أكبر بالنقابات والمؤسسات والمجالس المحلية، وعقد اجتماعات مع القوى المحلية، ومحاولة العمل على تغيير الصورة النمطية الموجودة عنها. كما أكسبها مقرها في مدينة الراعي حضورًا أفضل عن الفترة الماضية، مما ساعد على تحسين الواقع الميداني فضلاً عن محاولات موجودة للانتقال من حالة "الصراع" إلى "التكامل"، وهذا يمكن تحسسه من خلال خطاب كل من هيئة التفاوض والائتلاف والحكومة المؤقتة.

لا يعتبر هذا التقدّم كافيًا لأجل رفع سوية وقدرات العمل لدى المعارضة، فما زالت الفرص والقدرات أكبر. منها استقطاب الكفاءات وتطعيم الكادر، ووضع خطط اقتصادية وتنموية للمنطقة، مع تطوير حالة الاستقرار العسكري، وإعادة النظر بخطابها وتحالفاتها، وتمكين المؤسسات المحلية وتوسيع مساحاتها وتقديم الدعم المطلوب لها لأجل شغل الأدوار الوطنية. كما أن المعارضة مطالبة بإعادة تقييم شخصياتها التقليدية التي ربما لديها إشكاليات كبيرة مع المجتمع السوري المعارض، على الأقل إن كان لديها الرغبة أن تقرن هذا التحسن بتغيير الانطباعات الشعبية عنها، وتوسيع علاقاتها المحلية مع القوى النقابية والمدنية.

كما أن الشارع السوري المعارض والمؤسسات المدنية مطالبون بالانتقال من حالة الرفض للمعارضة جراء السخط القديم، وإعادة النظر لتلك الأجسام بنظرة أكثر موضوعية والتفاعل مع متغيراتها، أي الانتقال لحالة جديدة للتأقلم مع ضرورة التمكين ودعم كيان مركّزي قادر على حفظ حقوق الشعب السوري. فضلاً عن عدم التخلي عن النقد الإيجابي لما له من أهمية من الضغط والمناصرة والدفع تجاه التغيير والتطوير، فما يجعل المعارضة قوّة موضوعية هو قدرتها على الخروج من أزمة التوصيفات الواقعية كسلطة والتأثير الأكبر ضمن حدود النظام الدولي والإقليمي وضوابطه عبر تجديد أدوات التطوير ومنطقها الاستراتيجي القائم على الإجابة على سؤال كيف يمكن توظيف مكامن القوة في تطبيق القرار 2254.