icon
التغطية الحية

المذنّبات والنيازك والشهُب في مؤلفات العرب والمسلمين الفلكية

2024.09.09 | 02:10 دمشق

567567
 تلفزيون سوريا ـ إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

"المذنّبات والنيازك والشُّهُب في المؤلفات الفلكية والحوليات العربية والكلاسيكية حتى نهاية القرن التاسع عشر"، كتاب صدر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، من تأليف سائر بصمه جي.

تبحث فصول الكتاب الأربعة عشر، والموزعة على أقسامه الثلاثة، تاريخ علم الفلك عمومًا، وتُبرز للقارئ العربي بجلاءٍ مساهمات العرب والمسلمين المطموسة في هذا المجال على وجه الخصوص، مع توظيف مكثف لوثائق وجداول وصور وأشكال يبرز الجهد المبذول فيه. يقع الكتاب في 560 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.

سُمّيت المذنّبات Comets (ذوات الذيل بين أجرام السماء الأخرى، من نيازك Meteorites وشُهُب Meteors وكواكب Planets) عند العرب والمسلمين "النجوم ذوات الأذناب" أو "النجوم ذوات الشعر المتدفق" أو "ذوات الأذناب". أما الباحثون الأوروبيون والأميركيون، فقد أجروا دراسات علمية معمّقة منذ أواخر القرن التاسع عشر لفهم سلوك هذه الأجرام وبنيتها، شملت الرصد والتقعيد، ليخرجوا خلال مئة سنة بنظريات حولها منذ أقدم العصور.

ولقلة المعرفة بالدراسات والمسوحات العلمية العربية لرصد الظواهر الفلكية وتفسيرها، واقتصارها، إن وُجدت، على فترة محددة أو شخص محدد، يضطلع هذا الكتاب بدراسة واسعة هذا الموضوع، فيتتبّع مؤلفُه عددًا من المخطوطات والمصادر العلمية العربية والإسلامية التي تتناوله (جمع في كتابه 6 جداول و25 شكلًا و83 صورة)، ليقدّم تاريخًا متكاملًا لـ "علم المذنبات" Cometology وفق منهجية علمية دقيقة. ويبيّن المؤلف الصعوبات التي واجهها في حصر جميع ما أنجزته الحضارات قاطبة في علم الفلك، بدءًا بالأعمال التي يقدّمها علم الآثار عن الحضارات القديمة، ثم الحضارتين اليونانية والرومانية، وإضافة المساهمات العربية والإسلامية إليهما، وصولًا إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي مع أعمال الأوروبيين في هذا المجال. ويهدف إلى تقديم رؤية شاملة وواضحة للمساهمات العربية والإسلامية في سياق التطور العام لهذا العلم، إيمانًا منه بأهمية جهود العلماء العرب والمسلمين وإعطائها مكانتها فيه.

أهمية الكتاب

تساعد دراسة المذنبات والنيازك وتاريخهما وما يتعلق بهما من ظواهر جوية في معرفة مدى تغيّر مساراتهما عبر مئات السنين. وفي هذا، يُقترح أن تضمّ سجلات الأرصاد الفلكية العالمية إليها المصادر التاريخية العربية التي جمعها الكتاب ونظّمها وحلّلها (مخطوطات ومطبوعات من 130 مصدرًا، و60 زيجًا وجدولًا، وسبع رسائل متخصصة في المذنبات لم تُضمّ إلى هذا الكتاب حتى لا يتجاوز الحجم المطلوب، و150 مرجعًا عربيًّا وأجنبيًّا)، لأن من شأنها، كما يرى المؤلف، أن تقدّم للفلكيين المعاصرين صورة أكثر كمالًا ووضوحًا، فضلًا عن أن الكتاب نفسه سيكون مرجعًا للباحثين، إذ جُمع فيه أغلب الدراسات العربية والأجنبية خلال القرون التاسع عشر والعشرين والحادي والعشرين وبجميع اللغات الحية. وإضافة إلى ذلك، يقدّم الكتاب مادة منظمة وموثقة وشاملة لفترة ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، وتغطي مساحة جغرافية هائلة: من الهند شرقًا إلى الأندلس غربًا، حوت سجلات أرصاد الحضارات اليابانية والكورية والصينية والهندية والأوروبية واللاتينية، وحددت هوية مذنبات كثيرة وعرَّفتها، رصدها العلماء العرب في الوقت نفسه. وبناءً عليه، قد يكون في استطاعة سجلٍّ عربي وإسلامي، هو هذا الكتاب، أول مرة، إمداد باحثي علم الفلك المعاصرين بمعلومات تعينهم في تحديدٍ أكثر دقةً لمسارات مذنبات تزور سماء الأرض بين حين وآخر، إذ حوى معظمَ ما في المخطوطات العربية والإسلامية من صورٍ وجداولَ رسمها وصوّرها العلماء لأشكال المذنبات المعروفة في زمانهم وأنواعها حتى نهاية القرن التاسع عشر، والتي من شأنها – من باب الإنصاف – أن تبدّل تسميات غربية لمذنبات رصدها العلماء العرب قبل الأجانب في عصر ما قبل التلسكوب.

رصد المذنبات تاريخيًّا: اقتراح وتوقّع

إضافة إلى المراحل الست في تاريخ رصد المذنبات (الأولى، من أقدم العصور حتى اختراع غاليليو غاليلي التلسكوب عام 1609؛ والثانية، تحديد مواقع المذنبات ومساراتها في القرنين السابع عشر والثامن عشر؛ والثالثة، البحث في فيزياء المذنبات بعد رؤية المذنب هالي عام 1835؛ والرابعة، مرحلة تصوير جميع المذنبات من المراصد الأرضية بين عامَي 1950 و1985؛ والخامسة، مرحلة تصوير المذنبات عن قرب من المركبات الفضائية؛ والسادسة، إطلاق وكالة الفضاء الأوروبية في عام 2014 المركبةَ "روزيتا" والمسبار "فيلاي" صوب المذنب "شوريوموف-جيراسيمنكو P67" لاستكشافه) يقترح بصمه جي أن يضاف إلى المرحلة السادسة نقل البحث العلمي ليكون على سطح المذنب نفسه، كما يتوقع مرحلة مستقبلية سابعة يهبط فيها الإنسان نفسه على سطح مذنب لدراسته وإحضار عينات منه، وحتى العيش عليه، كونه خزانًا ضخمًا من الكتل الجليدية الممزوجة بالغبار، كما أظهرت صور "فيلاي".

الجهد العربي في علم الفلك

سيلمس القارئ في هذا الكتاب تشابهًا في السلوك العلمي لدى العرب قديمًا وعلماء الفلك المعاصرين، وهو سلوك يتمثل في عدم تسجيل علماء الفلك (باستثناء أصحاب الأزياج) الكثير من الأرصاد عن ذوات أذناب، وكان مؤرخو الحوليات هم من يسجلون ذلك، في حين تفرّغ علماء الفلك العربي للنظريات العلمية المساعدة في تفسير هذه الظواهر أكثر من رصدها، وهو ما يفعله علماء الفلك المعاصرون.

يحتوي الكتاب على أربعة عشر فصلًا موزعة على ثلاثة أقسام. يركّز القسم الأول (مساهمات الحضارات السابقة في أرصاد المذنّبات ونظرياتها) بفصوله الأربعة، على ما قدّمته الحضارات السابقة (البابلية والكلدانية والمصرية والأوروبية والهندية والصينية والفارسية واليابانية والأزتك والمايا) وصولًا إلى الحضارتين اليونانية والرومانية، ثم الحضارتين العربية والإسلامية، من أرصاد أو نظريات تتعلق بالمذنبات والنيازك. أما القسم الثاني (الأرصاد العلمية العربية) بفصوله الخمسة، فيهتم بتدوين سجلات الأرصاد العلمية العربية المعنية بـ 150 مذنّبًا ونيزكًا وشهابًا و"كرة نار" ومقارنتها بالسجلات الأجنبية عن المذنبات، فتأكد للمؤلف مشاهدة العرب للمذنب "هالي" 14 مرة. في حين خُصّص القسم الثالث (النظريات العلمية العربية المفسّرة) بفصوله الستة لمناقشة الأرصاد والمعلومات الواردة في القسم الثاني وتحليلها، إضافة إلى النظريات العلمية العربية التي حاولت تفسير المذنبات. وقد توصل المؤلف في الفصل التاسع من الكتاب "البحث في طبيعة ذوات الأذناب" إلى مخالفة ثلة من العلماء العرب أرسطو في تفسيره ظاهرة حركتها، وإثباتهم أنها ظاهرة فضائية تحدث وتتشكّل وتتحرك بعيدًا عن الغلاف الجوي للأرض، وهو تفسير مغاير سبق العربُ به العلماء الأوروبيين بأكثر من 700 سنة. وفي الفصل العاشر من الكتاب "خصائص المذنبات الفيزيائية" جردةٌ بما رصده علماء الفلك العرب من خصائص فيزيائية للمذنبات، وبخاصة لدى أبي سهل القوهي وطريقته الهندسية، مثل سطوعها وألوانها وزمن بقائها وانشطارها وأشكالها المرئية ومواقعها وبعدها، ومن تحديد عودة دوريةٍ للمذنبات في فترات محددة أطلقوا عليها "نجم الكيد" ووضعوا لها جداول محددة تبيّن خطوط طولها ودوائر عرضها وسرعتها الزاوية وغير ذلك من العناصر المتعلقة بحركتها، وهي جهود مهّدت لـ "نظرية مركزية الأرض" قبل أن يعلن عنها كوبرنيكوس.

وزيادة للفائدة التي قدّمها الكتاب، ألحق المؤلف بكتابه تسعة ملاحق بلغت الغاية في الإفادة والضرورة للقارئ المهتم والباحث المتخصص على حد سواء.