يتبع النظام السوري في ريف اللاذقية سياسة تمييز واضحة المعالم للانتقام من قرى ذات غالبية معارضة ومنع سكانها من العودة إليها وإعادة ترميم منازلهم، في حين يقدم التسهيلات ويوجه الدعم الأممي لقرى ذات غالبية موالية لم تضرر كسابقتها، مستغلاً هذه الأموال لزيادة شعبيته.
ففي نهاية شهر شباط الفائت أعلنت محافظة اللاذقية ومجلس بلدة قسطل معاف قرب كسب عن بدء الاكتتاب بمشروع الترميم المجاني للمنازل المتضررة من الحرب في ريف المحافظة الشمالي، بحسب ما نقلت وكالة أنباء النظام "سانا".
ويستفيد من الترميم المجاني المقيمون والعائدون في قرية زنزف ومزارع بيت عيوش وبيت الشيخ ويلي والعبيدية التابعين لبلدة قسطل معاف وهي قرى موالية لم تدخلها قوات المعارضة أو تشهد معارك تذكر طوال السنوات السابقة.
واللافت أن أعمال الترميم المجانية تتم بالتعاون بين محافظة اللاذقية ومنظمة "الإسعاف الأولي" الدولية (PUI)، بحسب ما أعلن.
وتعرّف المنظمة عن نفسها عبر موقعها الإلكتروني على أنها "منظمة مساعدات إنسانية دولية غير حكومية وغير سياسية وغير دينية، تعمل في سوريا بترخيص من وزارة الخارجية".
مساعدة غير المتضررين ومعاقبة المتضررين
وسبق أن سمح النظام لسكان قرى الغنيمية والعوينات الواقعتين في وادي الشيخان جنوب الأوستراد الدولي، الذي يربط حلب مع محافظة اللاذقية، والمقطوع منذ عام 2012، بالإضافة إلى أهالي قرية القصب الواقعة في الجهة الشمالية للأوتستراد الدولي بالعودة إلى منازلهم وأقام ورشات لترميم المنازل وإعادة التيار الكهربائي إليها في حين تكفلت بطريركية إنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بترميم منازل في قرى خربة الباز والقصب والغنيمية، وجميع هذه القرى تعتبر غالبية سكانها من الموالين للنظام السوري.
على الجانب المقابل يواصل النظام السوري حرمان سكان قرى في ريف اللاذقية كانت تسيطر عليها قوات المعارضة وأبرزها بلدتا ربيعة وسلمى، مركزا جبلي الأكراد والتركمان، وقرى أخرى منذ أكثر من ستة أعوام، من العودة إليها أو حتى إعادة ترميم منازلهم، كما ما تزال أي مشاريع لإعادة البنية التحتية إلى هذه القرى غائبة، رغم أنها الأكثر تضررا من تلك التي وجه المنظمات الدولية للعمل بها.
وحول سياسة النظام الانتقائية والانتقامية قال المحامي نزار يحيى المنحدر من اللاذقية والمقيم حاليا في الشمال السوري إن النظام السوري يتلاعب بالمنظمات الإنسانية ومساعدات الأمم المتحدة منذ سنوات طويلة لصالحه، من خلال الإصرار على توزيع هذه المساعدات الأممية عبر الهلال الأحمر أو بمراقبة وزاراته، ما سمح لحكومة النظام بتوجيهها لصالحها على مواليها، بعيداً عن رقابة ونظر مؤسسات الأمم المتحدة".
وأضاف أن القرى التي يزعم النظام أنها بحاجة للترميم لم تشهد عمليات قصف أو معارك كما هو حال القرى ذات الغالبية المعارضة التي لم يُبق فيها النظام بيتا إلا دمره، مضيفا في الوقت ذاته أن المشكلة الأساسية القائمة لا تقوم على حجب المساعدات وحسب وإنما تهجير سكان هذه القرى ومنعهم من العودة واستثمار أراضيهم بحجة العامل الأمني رغم أن جبهات القتال باتت بعيدة عنهم عشرات الكيلو مترات.
من جانبه كشف أحد العاملين السابقين في الهلال الأحمر في مدينة جبلة لموقع تلفزيون سوريا أن مساعدات الأمم المتحدة تصل بشكل شهري إلى مستودعات الهلال الأحمر لكن لا تطبق آليات مناسبة لتوزيعها، فالبعض يحصل على مساعدة كل ثلاثة أشهر رغم أن السلل تصل شهريا، بينما يتم اقتطاع بعض الحصص من سلل كمساعدات النظافة عن بعضها الآخر".
وحول عدالة توزيع هذه المساعدات قال المتطوع: "إن الهلال الأحمر يتعرض لضغوط كبيرة كثيرة ... قسم من هذه المساعدات تصل فعلا لمستحقيها لكن بعضها بالطبع لا، وتعطى بضغط من أجهزة النظام الأمنية التي تفرض مناطق لتوزيعها".
جبلا الأكراد والتركمان محرومان حتى من التسويات
من جانب آخر اعتبر الناشط الإعلامي في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي ما يحدث في ريف اللاذقية بأنها سياسة "تغيير ديمغرافي" ممنهجة تهدف لتغيير معالم الريف والانتقام من ساكنيه بعد معارضتهم للنظام طوال السنوات الماضية.
وأوضح جبلاوي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن النظام هجّر معظم سكان جبلي الأكراد والتركمان إلى الشريط الحدودي مع تركيا ولم يُجر حتى تسويات تفتح الباب لعودتهم أسوة بمناطق أخرى في سوريا، معتبرا أن هذا الأمر مؤشر إضافي على رغبة النظام في منع عودتهم.
وأضاف:" بعد ستة أعوام كاملة على حملة النظام وروسيا وتهجير مئات آلاف السكان ما تزال مئات القرى الغنية بمواردها الزراعية خاضعة لسلطة الفرقة الرابعة وميليشيات إيرانية استوطنت مع عوائلها ونهبت الخيرات وحتى سكان تلك القرى ممن بقوا في اللاذقية ما يزالون ممنوعين من زيارتها أو السكن بها فأي عقوبة جماعية هذه؟!!
وشهد ريف اللاذقية الشمالي أولى العمليات الحربية الروسية في سوريا في نهاية العام 2015، إذ خسرت قوات المعارضة حينذاك معظم مناطق سيطرتها في المنطقة لصالح قوات النظام خلال بضعة أشهر، وسمح هذا التدخل لقوات النظام بالوصول إلى الحدود السورية – التركية ومناطق غربي إدلب.