كشفت صحيفة Intercept عن قيام لصوص بسلب عتاد مدفعي ومنظومات لأسلحة لم يتم تحديد نوعها، إلى جانب سرقتهم لذخيرة من نوع معين تقدر قيمتها بآلاف الدولارات، وكلها كانت مخصصة للقوات الأميركية في سوريا والعراق.
بقيت عمليات السرقة تلك التي وقعت في المقار الأميركية القصية الموجودة في المنطقة أو في الطريق إلى تلك المقار، مجهولة، لتمثل أحدث دليل على وجود مشكلة مستمرة سمحت للقوات المعادية بدءاً من تنظيم الدولة في العراق وصولاً إلى طالبان في أفغانستان بتسليح نفسها بنفسها، إلى جانب اغتيالها لأميركيين وعناصر أجنبية شريكة للولايات المتحدة، وكل ذلك على حساب ما يدفعه المواطن الأميركي من ضرائب.
توضح السرقات التي لم يُبلغ عنها في السابق الحروب الأميركية الخفية في المنطقة، إذ قُتل متعاقد أميركي وجرح ستة أميركيين آخرين خلال الأسبوع الماضي بسبب هجوم انتحاري نفذته مسيرة على قاعدة أميركية في شمال شرقي سوريا، فكانت تلك الغارة الانتحارية على تلك القاعدة التي تعرف باسم RLZ واحدة من بين ثمانين هجمة أخرى تقريباً استهدفت قواعد أميركية في العراق وسوريا منذ كانون الثاني 2021، وكلها أنحت فيها الولايات المتحدة باللائمة على الجماعات الوكيلة لإيران في المنطقة، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي، جو بايدن، ليصدر أوامر تقضي بشن غارات جوية انتقامية رداً على آخر هجوم، وذلك "لحماية أمن جنودنا والذود عنهم" على حد تعبيره.
"لا معلومات لدينا"
بيد أن السرقات والخسائر التي فضحتها صحيفة Intercept كانت آخر دفعة من مصائب المحاسبة على السلاح التي مني بها الجيش الأميركي في العراق وسوريا، إذ في محاسبة أجراها المفتش العام لدى البنتاغون في عام 2020 تبين بأن فرقة القوات الخاصة المشتركة التي تتابع عملية "العزم الصلب"، وهي الفرقة الرئيسية التي تتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المتحالفة مع أميركا، لم تحتسب بصورة صحيحة مبلغاً وقدره 715.8 مليون دولار صُرف على عتاد تم شراؤه لدعم تلك القوات الحليفة المحلية.
بيد أن الخسائر في الأسلحة والذخائر كبيرة جداً، وقد سعى الجيش الأميركي جاهداً لمنع وقوعها، إذ عند انسحاب القوات الأميركية من النقطة المقامة بالقرب من كوباني بسوريا في عام 2019، شن الجيش الأميركي غارات جوية ليدمر ما تركه من ذخيرة هناك، كما أتلف عتاداً وذخائر خلال انسحابه الفوضوي من أفغانستان في عام 2021. ومع ذلك كشفت منظمات مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة أبحاث تسليح النزاعات بأن نسبة كبيرة من ترسانة جماعة تنظيم الدولة تضم أسلحة وذخائر أميركية الصنع أو سبق لأميركا أن اشترتها واستولى عليها التنظيم أو سرقها أو حصل عليها بطريقة أخرى من خلال الجيش العراقي أو المقاتلين السوريين.
كشفت ملفات التحقيقات الجنائية التي تم الوصول إليها بموجب قانون حرية تدفق المعلومات، عن وجود أدلة تثبت وقوع ما لا يقل عن أربع عمليات سرقة كبيرة، مع حالة خسارة واحدة لعتاد أميركي، تقدر قيمتها جميعاً بـ200 ألف دولار أميركي تقريباً، وذلك في العراق وسوريا خلال الفترة الواقعة ما بين 2020 و2022، وقد شملت تلك الأسلحة قنابل يدوية شديدة الانفجار من عيار 40 ملم، سرقت من القوات الخاصة الأميركية.
وحول ذلك علقت ستيفاني سافيل، وهي مديرة مشروع تكاليف الحرب لدى معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة التابع لجامعة براون، فقالت: "إنه لأمر صادم ومأساوي، لأن هذه الأسلحة المسروقة سيتم تداولها بما يذكي العنف السياسي والعنف اللامشروع، كما ستصبح الأسلحة فتاكة بنسبة أعلى ، وهذا ما رأيناه يحدث في حروب ونزاعات أخرى".
بيد أن الفرقة المشتركة التي قامت بعملية العزم الصلب والتي تشرف على الحرب الأميركية في العراق وسوريا، لا تدرك حجم هذه المشكلة، إذ ليس لديها سجل حول ما سرق من القوات الأميركية بحسب ما أعلنه ناطق رسمي باسمها، إذ رد المقدم كيفين ت. ليفينغستون وهو مدير الشؤون العامة لدى هذه الفرقة، عندما سُئل عن سرقة أسلحة أو ذخائر أو عتاد خلال السنوات الخمس الماضية بالقول:"ليس لدينا ما طلبتم من معلومات".
جندي أميركي يحمل قاذف صاروخ خلال تدريب عسكري مشترك في ريف دير الزور- التاريخ 7 كانون الأول 2021
تاريخ طويل من التعتيم
ظاهرياً، تم نشر قوات أميركية في العراق وسوريا إلى جانب قوات الأمن العراقي والقوات الكردية والوكلاء السوريين بهدف محاربة تنظيم الدولة، إلا أن كل تلك القوات أخذت تحارب الميليشيات المدعومة من قبل إيران ضمن حرب جانبية غامضة المعالم على المستوى القانوني. فالأميركيون يعملون في قواعد أصبحت فيها حالة عدم إيراد أسمائهم وهوياتهم هي القاعدة في بعض الأحيان، وذلك لأن الشركاء المحليين مثل قوات سوريا الديمقراطية، أي تلك الجماعة الكردية المدعومة أميركياً، لا يمكن الوثوق بها على الدوام. ومع ضآلة الإشراف وعدم تأصل فكرة تغطية العمليات الأميركية، أصبحت المعلومات التي ترشح عن هذه النزاعات تقتصر على تصريحات مريبة يدلي بها قادة عسكريون أميركيون، أو تظهر في نشرات صحفية عسكرية، مع نقل ما هو مقبول رسمياً من أخبار عنها. إلا أن ملفات التحقيقات الجنائية التي حصلت عليها صحيفة The Intercept تقدم لمحة نادرة وفجة حول الطريقة التي تدار بها الحروب الأميركية في العراق وسوريا.
في أواخر عام 2020 أو مطلع 2021، بحسب ما ورد في تلك الملفات، تمت سرقة "العديد من الأدوات والعتاد لمدفعية ميدانية متخصصة" من مركبة عسكرية في أثناء نقل تلك المعدات إلى قاعدة أربيل الجوية في شمالي العراق. وعند وصول الشاحنة إلى النقطة العسكرية في كردستان العراق، اكتشف الجنود الأميركيون عدم وجود معدات تصل قيمتها إلى 87335 دولارا أميركيا، وبحسب ما ورد في ملف التحقيق فإن: "جميع خيوط الإثبات قد استنفدت" ولم يتم تحديد أي مشتبه به.
وفي شباط من عام 2021، وبحسب ما أورده الجيش الأميركي، فإن 400 رصاصة خارقة للدروع، و42 قنبلة يدوية شديدة الانفجار من عيار 40 ملم تستخدم لاستهداف هدف ثنائي، وبوسعها اختراق 3 إنش من الفولاذ، قد سُرقت من إمدادات الذخيرة المخصصة للقوات الخاصة في موقع دعم المهام ضمن القرية الخضراء بشمال شرقي سوريا، وتوصل التحقيق الجنائي الذي فُتح حول ذلك إلى أن: "الإهمال في التعامل مع الذخيرة وممارسات المحاسبة" سمحت "لمجهولين... بسرقة قدر ضئيل من الذخيرة" وصلت قيمتها إلى 3624 دولارا أميركيا!
وفي شهر تموز أو آب من عام 2021، سُرقت "خمس منظومات للأسلحة" تصل قيمتها إلى 48115 دولارا أميركيا في أثناء نقلها بوساطة قافلة برية من مقر كونوكو لدعم المهام، وهو عبارة عن قاعدة عسكرية لا تبعد كثيراً عن القرية الخضراء، إلى مقر RLZ في سوريا، ولقد سرقت تلك الأسلحة من حاوية للشحن، ولم يتم العثور على أي شاهد أو أي خيط يشير إلى أي دليل.
وخلال شهر كانون الثاني الفائت، وبحسب ما ورد في تلك الوثائق، فإن لصوصاً اقتحموا حاوية للشحن وهي في طريقها إلى قاعدة أربيل الجوية بالعراق، وسرقوا منها عتاداً عسكرياً لم تحدد ماهيته، ومواد مخصصة للجنود، وبلغت قيمة المسروقات أكثر من 57 ألف دولار أميركي. وبعد مرور أربعة أشهر على ذلك، تم تحميل ما يقارب من 2100 طلقة خارقة للسترات المعدنية بوسعها اختراق بدن الدرع، وثلاثة صناديق محملة بقطع غيار لم تحدد ماهيتها على متن مروحية من نوع Blackhawk عند قاعدة الأسد الجوية بالعراق، وانطلقت من هناك إلى قاعدة أربيل الجوية، حيث كان من المفترض أن تسلم لجنود أميركيين من القطعة التي تعرف باسم فرقة الهجوم، إلا أن هذه القطعة زعمت بأنها لم تتسلم أية ذخائر، ما أدى لفتح تحقيق بالموضوع. وبعد مرور شهر على ذلك، حدد أحد الجنود من تلك القطعة موقع صندوق يحتوي على 1680 طلقة من الذخائر المفقودة، دون أن تتطرق السجلات إلى ما تبقى من طلقات وقطع.
وفي آخر حادثة، قرر المحققون الجنائيون لدى الجيش بأن هنالك سببا يرجح اتهام المسؤولين بسرقة ممتلكات الحكومة أو أسلحتها، وذلك في حال تمكنهم من العثور على اللصوص!
جندي أميركي ضمن دورية بقريبة القحطانية التابعة لمحافظة الحسكة- التاريخ 14 آذار 2022
في تقرير المفتش العام لدى البنتاغون صدر في عام 2020 تم التطرق لعدم احتساب أكثر من 700 مليون دولار بشكل دقيق ذهبت لشراء عتاد لصالح "قسد" في سوريا، حيث تبين بأن قوات العمليات الخاصة الأميركية لم "تحتفظ بقوائم شاملة لكل العتاد الذي تم شراؤه واستلامه"، كما قامت فرقة عسكرية أخرى بتخزين أسلحة تضم رشاشات آلية وقاذفات قنابل يدوية بشكل غير ملائم، بحسب ما ورد في عملية المحاسبة، وقد تسببت كلتا الفرقتين بتعريض "الآلاف من قطع الأسلحة والعتاد الحساس للخسارة أو السرقة"، ونظراً لغموض عملية إعداد السجلات والإجراءات الأمنية، لم تقم تلك القطعة أيضاً "بتحديد أي القطع سُرقت وأيها فُقدت".
تحولت الخسائر في الأسلحة والذخائر إلى مشكلة دائمة بالنسبة للبنتاغون، إذ بحلول أواسط العشرية الثانية من الألفية الثالثة، فقدت الولايات المتحدة أي سبيل يوصلها للآلاف من البنادق الموجودة في أفغانستان والعراق بحسب البحث الذي أجراه إيان أوفرتون من منظمة العمل على العنف المسلح بلندن.
أسلحة أميركية ترفع ضد الأميركان
وحتى قبل هزيمة الأميركان في أفغانستان، استولت طالبان على كميات كبيرة من السلاح الأميركي، وعند انسحاب القوات الأميركية من هناك في عام 2021، خلفت وراءها عتاداً عسكرياً تقدر قيمته بسبعة مليارات دولار، فكانت النتيجة كارثية في بعض الأحيان، إذ من أفغانستان إلى العراق، استخدمت تلك الأسلحة التي ورّدتها أميركا ضد حلفائها، بل حتى ضد جنودها.
في تغريدة نشرت عام 2017 على حساب الفرقة المشتركة المشرفة على عملية العزم الصلب ورد بأن: "كل قطعة من تلك الأسلحة التي سنقدمها للقوات الشريكة لنا سيتم احتسابها وتوجيهها ضد تنظيم الدولة" إلا أن هذه الفرقة ليست لديها معلومات حول تلك السرقات على ما يبدو، ناهيك عن معرفتها بسرقة أسلحة وذخائر أميركية ما بين 2020 و2022 واستخدام تلك الأسلحة ضد القوات الأميركية وشركائها.
Every single one of these weapons that will be provided to our partner forces will be accounted for and pointed at #ISIS. #defeatDaesh
— OIR Spokesperson (@OIRSpox) May 10, 2017
للجيش الأميركي باع طويل في التعتيم على خسائره من الأسلحة، إذ كشف تحقيق نشرته أسوشيتد برس في عام 2021 بأن: "ما لا يقل عن 1900 سلاح ناري عسكري قد فقد أو سرق خلال العشرية الثانية من الألفية الثالثة، مع ظهور بعضها خلال جرائم عنف"، كما تبين بأن: "الجيش الأميركي أخفى أو قلل من عدد الأسلحة النارية التي اختفت، كما استهان بحجم الخسائر والسرقات بشكل كبير... ضمن أسلوب التكتم والسرية الذي مارسه قبل عقد من الزمان تقريباً".
إن عدم وجود سجلات لدى الفرقة المشتركة المشرفة على عملية العزم الصلب وانعدام الشفافية لديها يُحيل مهمة معرفة عدد المرات التي فقدت فيها أسلحة أميركية أو سرقت في سوريا والعراق واستخدمت ضد القوات الأميركية وحلفائها إلى مهمة مستحيلة، إلا أن سافيل ومشروع تكاليف الحرب يخشيان من تكرر تلك الأمور، إذ تقول سافيل حول السرقات الموثقة في ملفات التحقيق الجنائي: "سيتعرض المزيد من الأشخاص للإصابة والقتل نتيجة لذلك، ويمثل ذلك نتيجة عكسية أخرى لشن عمليات عسكرية أميركية في مواقع كثيرة خارج البلد".
المصدر: The Intercept