"تبهدلت الفواكه الاستوائية"، بهذه الكلمات يعبر الستيني أبو مرزوق عن انتشار بيع الفواكه الاستوائية المنتجة محلياً على البسطات وبأسواق الخضار الشعبية في دمشق، مشيراً إلى أنه كان لا يشاهد هذه الفواكه سابقاً سوى في محال الكوكتيلات وفي الشعلان، حيث كانت تستورد استيراداً وتباع بأسعار خيالية علماً أن الإقبال عليها قليل جداً.
يقول أبو مرزوق لموقع تلفزيون سوريا، إن الشعب السوري ليس من محبي هذه الفواكه وليست من ثقافته الغذائية ولا يمكن دفعها بالغصب إلى مائدته الفارغة من الطعام، فهو لا يجد مالاً ليشتري ما يأكله في وجبة غذائه الرئيسية وهناك أسر تبحث حرفياً عن "لقمة الأكل"، بينما تعج الأسواق بفاكهة دخيلة سعرها آلاف الليرات.
"هناك من يعمل على زراعتها ونشرها في الأسواق عمداً ويريدنا أن نعتاد عليها رغم سعرها وأخشى أن نبحث لاحقاً عن البرتقال والكرمنتينا ولا نجدها". يضيف أبو مرزوق.
يشير أبو مرزوق كما الكثير من السوريين، إلى وجود يد متنفذة تعمل على نشر هذه الزراعة نظراً لما اعتاده السوريون من وجود (حيتان من التجار) تنشر بضائع معينة بين الحين والآخر في الأسواق، لكن القضية في الحقيقة، لها بعد آخر يتعلق بمستقبل زراعة الحمضيات في الساحل السوري.
الحبة بـ14 ألفاً والكيلو بـ45 ألفاً
وقبل الخوض في سبب انتشار زراعة هذه الأنواع الدخيلة من الفاكهة إلى سوريا، تجب الإشارة إلى أن أسعارها مرتفعة جداً وخارجة عن قدرة السوريين الشرائية، حيث وصل سعر حبة فاكهة التنين إلى 14 ألف ليرة للكبيرة و12 ألف ليرة للصغيرة بعد أن كانت بداية العام بـ40 ألف ليرة، بينما وصل سعر كيلو فاكهة القشطة إلى 45 ألف ليرة للكبيرة منها أما الصغيرة فتباع بـ25 ألف ليرة، بينما وصلت بداية العام إلى 50 ألف ليرة.
المنغا المحلية وصل سعرها إلى 45 ألف ليرة بعد أن كانت بداية العام بـ60 ألف ليرة، والأفوكاتو بين 35 – 45 ألف ليرة، والكيوي بين 25 – 35 ألف ليرة، والموز المحلي 25 ألف ليرة.
الفواكه التقليدية أرخص
وتعتبر تلك الأسعار لا تناسب سوى شريحة معينة من المقتدرين مادياً، وهي بعيدة جداً عن أسعار الفواكه السورية، حيث وصل سعر كيلو أفضل نوع تفاح رغم ارتفاع سعره هذه الفترة من العام إلى 10 آلاف ليرة سورية.
ووصل سعر البرتقال أبو صرة إلى 5 آلاف ليرة، والكرمتينا في بداية الموسم إلى 3500 ليرة، والتين بين 8 – 10 آلاف ليرة، والخرما بين 10 – 15 ألف ليرة.
ضعف إقبال وكساد
ربما يعود انخفاض سعر الفاكهة الاستوائية عن بداية العام نتيجة ضعف الإقبال عليها محلياً. يقول أحد الباعة في مساكن برزة، إنه لم يوفق في بيع الفاكهة الاستوائية التي شهدت بدايةً إقبالاً من بعض الناس المقتدرين مادياً، لكنهم صدموا بطعمها غير الواضح، وقال "وردتي الكثير من الشكاوى من زبائن بأن الفاكهة ليس لها طعم، حتى تكدست البضاعة مؤخراً وعملت على بيعها بنصف السعر".
بائع آخر في شارع ركن الدين الذي بات مكتظاً ببسطات الخضار، قال إنه خاطر بشراء كمية من فاكهة التنين التي تباع بالحبة، والبضاعة لم تنفق لديه لليوم الخامس، مشيراً إلى أنه لا يعلم كيفة التصرف بها.
لماذا توجه المزارعون إليها؟
ويعود سبب انتشار زراعة الفاكهة الاستوائية إلى تحول مساحات واسعة من مزارع الحمضيات في الساحل السوري إليها لمرابحها المرتفعة مقارنةً بالخسائر المتكررة في كل عام من إنتاج الحمضيات مقارنةً بكلفة زراعتها بحسب حديث لعضو لجنة تجار ومصدري الخضار والفاكهة بدمشق أسامة قزيز العام الماضي.
رئيس مجلس إدارة جمعية منتجي الفواكه الاستوائية في طرطوس نادر صالح، قال في بداية العام الجاري، إن الزراعات الاستوائية لا تتطلب الكثير من العناية حيث تحتاج إلى الماء والسماد في السنوات الأولى من زراعتها، وبعدها تعيش على مياه الأمطار وقليل من الري بالتنقيط.
صالح نفسه كان مزارع حمضيات في الساحل السوري قبل انتقاله لزراعة هذه الفواكه الاستوائية، وكان قد قال لصحيفة الوطن المقربة من النظام العام الماضي، إنه "بعد تراجع أسعار الحمضيات بسبب التكاليف الباهظة لها وعدم الجدوى الاقتصادية بدأت أبحث عن بدائل لها وقد نصحني أحد الأصدقاء بالتوجّه نحو الزراعات الاستوائية التي كانت في بداياتها عام 2017".
مليون دولار صادرات هذه الفواكه
ليس فقط توفير كلف الإنتاج، بل حتى التوجه نحو التصدير للحصول على قطع أجنبي أغرى المزارعين السوريين الذين كانوا يخسرون الكثير نتيجة السمسرة، حيث قال صالح إن سوريا كانت تستورد هذه الفواكه بالقطع الأجنبي من الخارج بما يعادل مليون دولار سنوياً، واليوم تصدر ما يعادل هذا المبلغ وهذا تم توفيره على الخزينة العامة، على حد تعبيره.
وعن حجم انتشار هذه الزراعة، فإن هناك أكثر من نصف مليون شجرة استوائية في سوريا 85 % منها فاكهة الأفوكادو والذي يقدر إنتاجها لهذا العام منها بأكثر من 100 ألف طن، وإنتاج القشطة ما يزال خجولاً حيث يصل إلى 10 أطنان، والشوكولاته نحو 25 طناً، وإنتاج الدراغون هذا العام يزيد على 5 ملايين حبة بألوانه المختلفة، بحسب حديث لصالح مع قناة "العالم سوريا" الإيرانية مؤخراً.
أكد صالح بأنه بعد خمس سنوات من الآن ستكون سوريا في مصاف الدول المتقدمة في تصدير الفواكه الاستوائية على مستوى العالم ودول الشرق الأوسط، داعياً الحكومة لاتخاذ قرارات جدية وجريئة وتقديم الدعم المعنوي لهذه الزراعة من خلال التشجيع على زراعتها ودعم تسويق المنتجات لكي لا يكون هناك كساد بالإنتاج.
لم يتطرق صالح بمقابلاته إلى حجم تقبل السوق السوري لهذه النوعيات من الفواكه، وهل التوسع في إنتاجها يتناسب والسوق السورية أم لا، لكن العديد من البائعين أكدوا أن البضائع بدأت تكسد لديهم بالفعل.