برج جديد بدأ يرتفع إلى جوار بناء يلبغا في منطقة المرجة الأثرية بدمشق على أنقاض سوق القرماني التاريخي ليأخذ من حرم الحمام الأثري ومن الأرض التي كانت تمتلئ بالمحلات العتيقة وأفرغت من مالكيها واستملكت بهدف النفع العام بحسب المخطط التنظيمي لشرق المرجة، وذلك بحسب ما أظهرته صور حديثة رصدها موقع تلفزيون سوريا .
ويقول أهال من دمشق تحفظوا على ذكر أسمائهم لموقع تلفزيون سوريا، أن البرج أُقيم تحت جنح الحظر ومنع التجول في المرحلة الأولى لانتشار كورونا، ويبعد بضع عشرات من الأمتار عن المركز الثقافي الإيراني، وانضم إلى مجمع يلبغا الذي أقيم على أنقاض مسجد يلبغا التاريخي على أساس مركز ثقافي وتاريخي ومعهد إسلامي، وطرحته حكومة النظام أكثر من مرة للشركات على أنه فندق خمسة نجوم، ومركز تجاري وتسوق، ومرآب للسيارات، وعدد من المكاتب. ورسا عقد استثماره على رجل الأعمال المقرب من النظام وسيم قطان المدرج على قائمة العقوبات الأميركية.
البرج تعد واضح على حرم الحمام
وذكر أحد أبناء المنطقة أن البرج الجديد هو تعد واضح على حرم حمام القرماني، متسائلاً "من أعطى رخصة لبناء برج أخذ جزءاً من حرم وحماية حمام القرماني؟". وتابع "يوجد عدة مكاييل تطبّق بالمحافظات، تتماشى مع ثقافة فساد أضحت مفهومة وواضحة وعلى الملأ وهي بمعظمها تتعلق بتفضيل الذوق الخاص جدا عليها، والمحاسبة تترك على الله".
وقالت سيدة من سكان منطقة المرجة وهي من المهتمين بالتراث إن البرج الجديد ويلبغا أقيما في المنطقة الأثرية الممتدة من ساحة المرجة إلى شارع الثورة من قلب الفيحاء في ساحة المرجة، وتعود إلى العهد المملوكي حيث كانت تضم مسجد يلبغا ومدرسة سيد قريش ومسجد القرماني والحمام بذات الاسم، وسوق التبن وسوقاً شعبية، وجميعها هدمت ولم يبق سوى الحمام المهمل وتركت جدرانه تتداعى.
حديقة القرماني التي أقيمت على أنقاض السوق العتيق بعد ردمه بالتراب، لتردم معه تلك الحقبة من تاريخ البلاد لا سيما أن ما تبقى منها وهو الحمام بدأت جدرانه تتداعى وترك ينتظر مصيراً مشابهاً للآثار الأخرى .
أهمية حمام القرماني التاريخية
ويعد حمام القرماني أكبر حمامات دمشق الـ 16، وهو آخر ما تبقى من آثار منطقة السوق العتيق، ويقع في أسفل سوق ساروجة بين ساحة المرجة وشارع الملك فيصل وجسر الثورة. وبناه في العام 1340م محمد بكتوت القرماني، وذكره المهندس الفرنسي إيكوشار الذي وضع مخطط دمشق قبل ثمانين عاماً، ويتربع بقبابه الاثنتي عشرة على مساحة تصل إلى 500 متر مربع. وبقي الحمام يعمل حتى عام 1990، إلى أن تُرك دون عناية أو ترميم بجدرانه المتهالكة، وتعبث به القوارض والحشرات وتتراكم فيها الأوساخ.
وبحسب صحيفة الثورة التابعة للنظام في مقال بتاريخ 14 شباط 2020، فإن المخطط التنظيمي لشرق المرجة لم يلحظ وجود الحمام عند وضع المصور، حيث تم وضع ثلاثة مقاسم مكانه تماماً. والمخاوف تزداد بأن يحصل أصحاب المقاسم مستقبلاً على حكم قضائي واجب التنفيذ بهدم الحمام للبناء في مكانه، وليصبح ذاك المعلم الأثري أثراً بعد عين، كما حصل للعديد من المعالم التاريخية في دمشق وغيرها من المدن السورية.
وأهمية حمام القرماني تأتي من كونه آخر معلم تاريخي في تلك المنطقة الشامية العتيقة، ويتم استهدافه الآن ليس بأن تُرك يتداعى ودون عناية فحسب، بل وأيضا بالتعدي على حرمته والبدء بإقامة أبنية محيطة به تأخذ من مساحته، بحيث يكون مصيره مثل غيره من الآثار في دمشق بأن تترك لمدة معينة دون اهتمام، وربما يساهم أصحاب المصلحة بجعل أسقفه تتداعى، لكي يصبح وضعه الجديد أمراً واقعاً، ويشكل مشكلة ينبغي حلها بحيث تنحصر الحلول بإزالته.
لماذا هدم النظام السوق العتيق؟
وهدمت محافظة دمشق، السوق العتيق وبيوتاً دمشقية تاريخية في منطقة سوق ساروجة في العام 2006، ولم يبق في المنطقة سوى حمام القرماني الشهير والذي يحظى بقيمة تراثية، جعلته عنوانا لرواية للأديبة نجوى الزهار تحكي فيها عن تلك المنطقة التي أفرغت من سكانها وتم هدمها.
وتقول "ما يزال بيتنا القديم في حارة القرماني، في خاطري، وعلى لساني. كل البيوت اللاحقة هي جزء من ذلك البيت، ولا أزال بل ما يزال كل أهل حارتنا إلى الآن في دهشة واستغراب وألم. كيف كان ذلك؟ ولماذا؟ يجب إخلاء البيوت بتاريخ محدد. فالهدم سوف يبدأ بساعة محددة. على الجميع تفهّم ذلك. الإدارة ليست مسؤولة عن الذين يرفضون مغادرة منازلهم هناك خطة لتنظيم المنطقة وسوق ساروجة جزء من هذا التنظيم".
ويقول الكاتب والصحفي محمد منصور لموقع تلفزيون سوريا إن منطقة حمام القرماني تعرضت للعبث والاعتداء قبل سنوات حين تم هدم سوق العتيق الذي كان يحيط بالحمام الأثري والذي يعود للعهد المملوكي. ثم إقامة حديقة حول الحمام، ويبدو أن ذلك كان مقدمة - ولو طويلة الأمد- للعبث بالحديقة البائسة التي حاولت إخفاء معالم جريمة هدم السوق العتيق ومن ثم الحمام الذي بقي في العراء وحيدا.
وأضاف أن نظام الأسد الأب كما الابن لم يكن في يوم من الأيام معنيا بالحفاظ على المعالم التاريخية أو الآثار. ولا ننسى هدم أجزاء من حي سوق ساروجة، وقبلها هدم أحياء وبيوت أثرية من أجل شق ما سُمّي بشارع الثورة عام 1976 كما لا ننسى تهديد اليونسكو عام 2007 برفع اسم دمشق من لائحة التراث العالمي، إذا تم تنفيذ مشروع هدم الأسواق الشعبية في منطقة العمارة وشارع الملك فيصل من أجل شق أتوستراد بجانب مقام السيدة رقية داخل سوق المناخلية، والذي تم التراجع عنه لاحقا بسبب جهود نخب دمشقية وسورية حيث كان رامي مخلوف ينوي تنفيذ هذا المشروع.
وكانت أعمال حفر أساسات البناء الجديد المتاخم للحمام بدأت في أيلول من العام الماضي، وظن الأهالي حينها أنه استثمار تابع لمجمع يلبغا، ليتبين فيما بعد أن الحفريات هي من أجل إقامة البناء وهو مؤلف من 8 طوابق ويحمل الرقم 1373 وتعود ملكيته لأحد المستثمرين، وهو واحد من ثلاثة أبنية ستقام في المنطقة دون أن تلحظ وجود حمام القرماني ما يعني أن الحمام مهدد بالإزالة.
استملاك المنطقة وطرد سكانها منها وهدم البيوت والسوق العتيق ومدرسة سيد قريش تم بحجة النفع العام إلا انها انتهت الآن إلى البدء بإقامة أبنية تجارية كما حدث بمسجد يلبغا الذي هدم بنفس الحجة ومن أجل إقامة مركزثقافي إسلامي وتاريخي ومعهد إسلامي إلا أنه انتهى الآن إلى استثمار كفندق خمسة نجوم، ومركز تجاري وتسوق، ومرآب للسيارات، وعدد من المكاتب، وبذلك يرجح أن يكون مصير حمام القرماني آخر معلم تاريخي في المنطقة ليس بعيدا عن مصير المباني التاريخية الأخرى والتي تعود للعصر المملوكي .