يواجه مئات الطلاب الفلسطينيين في قطاع غزة واقعاً مأساوياً، حيث أغلقت الحرب أبواب العالم أمامهم منذ تشرين الأول 2023. هؤلاء الطلاب، الذين حصلوا على منح دراسية وقبولات جامعية من مؤسسات دولية، وجدوا أنفسهم عاجزين عن السفر بسبب الإغلاق المستمر للمعابر، مما جعل أحلامهم الجامعية أسيرة حصار خانق، يهدد مستقبلهم الأكاديمي.
مع بدء العام الدراسي الجديد في أيلول الماضي، تمكن بعض الطلاب من مغادرة القطاع قبل اندلاع العدوان، لكن الغالبية العظمى ممن يبدأ دوامهم في تشرين الأول وما بعده، ظلوا عالقين. وبمرور الوقت، أصبحت فرص الالتحاق بالجامعات ضئيلة، مما أجبر البعض على التخلي عن المنح الدراسية التي حلموا بها طويلاً.
إسراء.. صوت الطلاب العالقين
بين هؤلاء الطلاب، برزت إسراء كاراجا، طالبة دراسات عليا في إدارة الأعمال الدولية في تركيا، كرمز للنضال في مواجهة هذا الواقع. عادت إسراء إلى غزة في ظروف عائلية طارئة، لكنها وجدت نفسها غير قادرة على مغادرة القطاع بعد اندلاع الحرب. تقول إسراء لموقع تلفزيون سوريا: "حلمنا بات مهدداً، نعاني من تهميش مستمر لقضيتنا. إذا لم نتمكن من الخروج قريباً، سنخسر فرصنا التعليمية بشكل نهائي".
أمام هذا الواقع، أطلقت إسراء مبادرة طلابية تحت اسم "شبكة أمل طلاب غزة"، بهدف توثيق معاناة الطلاب ومناشدة المجتمع الدولي لتأمين ممر آمن يتيح لهم السفر. واستعانت بتجربتها السابقة عام 2018، حين نجحت بالتعاون مع طلاب آخرين في تحقيق اختراق مماثل، رغم ظروف الحصار في ذلك الوقت.
قصص خلف الأرقام
توضح إسراء أن المبادرة رصدت أكثر من 1500 طالب عالق، بينهم 6% زاروا غزة خلال عطلتهم الصيفية، بينما حصل الباقون على منح دراسية جديدة.
وتشير البيانات إلى أن 10% من الطلاب أصيبوا خلال الحرب، وبينهم أكثر من عشرة طلاب أثرت إصاباتهم على حياتهم المهنية، أحدهم "محمود الجزار" حائز على منحة لدراسة الطب، وهو يواجه اليوم خطر بتر ذراعه، ويعاني من ظروف نفسية سيئة.
وبحسب إحصائيات مؤسسة "شبكة أمل طلاب غزة" فإن 50 طالباً فقدوا منحهم الدراسية العام الماضي بسبب تعذر السفر، في حين فقد عشرة آخرون منحهم للمرة الثانية هذا العام.
تروي إسراء تفاصيل معاناة الطلاب: "كان العبور عبر معبر رفح قبل الحرب مكلفاً وصعباً، لكنه اليوم أصبح مستحيلاً. أطلقنا رابطاً إلكترونياً لتسجيل الحالات، ولكن الانقطاع المتكرر للإنترنت وصعوبة التنقل بين مناطق القطاع بسبب القصف والنزوح أعاقا جهودنا".
وتقول "عائشة بلحة" طالبة حائزة على منحة تركية، وانتهت إقامتها الطلابية في تركيا، لموقع تلفزيون سوريا " أخشى من إصدار فيزا طالب في ظل إغلاق معبر رفح، وتعنت الاحتلال في الموافقة على إخراجنا عبر معبر أبو سالم، ناهيك عن عدم مقدرتنا على السفر في ظل انتهاء صلاحية الإقامة في البلد التي نلت فيها المنحة".
رغم هدنة قصيرة سمحت بإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع في تشرين الثاني 2023، استمرت إسرائيل في منع الطلاب من السفر. ومع تفاقم الأزمة، ضاع عام دراسي كامل للكثير من الطلاب، ويواجه آخرون خطر خسارة عام آخر. تشير إسراء إلى أن "المسؤولية الدولية غائبة، بينما تتعنت إسرائيل في منعنا من مغادرة القطاع، مما يعمق الأزمة أكثر".
محاولات فردية ومبادرات مجتمعية
رغم الحصار الخانق، لم يتوقف الطلاب عن المحاولة، وبجهود فردية، تمكن عدد قليل من الطلاب من السفر أثناء فترات فتح معبر رفح المحدودة، بالتنسيق مع السفارات الأجنبية مثل السفارة التركية، التي ساعدت بعضهم على استكمال أوراقهم والحصول على تأشيراتهم الدراسية. مع ذلك، بقيت هذه الجهود محدودة، حيث إن الغالبية العظمى لم يحالفها الحظ.
على المستوى المجتمعي، أطلق تيار الإصلاح الديمقراطي مبادرة "غزة في القلب"، في شهر آذار الماضي، التي هدفت إلى تسهيل سفر الطلاب العالقين. ورغم نجاحها في إخراج دفعات صغيرة (80 طالباً وطالبة)، بقيت الجهود قاصرة أمام العدد الكبير للطلاب المحتاجين، بسبب الإغلاق المستمر للمعابر والتعنت الإسرائيلي في السماح بخروجهم.
أحد الطلاب الذين خرجوا بمبادرة "غزة في القلب" _ طلب عدم ذكر اسمه _ يروي لموقع تلفزيون سوريا جزءاً من معاناة طلاب غزة ويقول: "أدرس حالياً في الباكستان في مجال طب الاسنان، بعد أن حالفني الحظ في التسجيل في مبادرة التيار، والالتحاق بمنحتي" وتمنى أن يصل صوته لكل العالم، مشيراً إلى أن "كل دقيقة تمضي على الطلاب العالقين في غزة يواجهون أشد المعاناة والألم وهم يفقدون حياتهم ومستقبلهم أمام أعينهم، مع إحساس مطلق بالعجز".
إسرائيل والحصار على التعليم
يستمر الحصار الإسرائيلي في خنق غزة، بما يشمل القيود المشددة على تنقل الفلسطينيين، بمن فيهم الطلاب. ورغم هدنة قصيرة أُبرمت في تشرين الثاني 2023، سمحت بإدخال مساعدات إنسانية عبر معبر رفح، لم تشمل هذه التسهيلات الطلاب. مع استمرار الإغلاق، ضاع عام دراسي كامل للكثيرين، ويواجه آخرون خطر خسارة عام آخر.
خروج معبر رفح عن الخدمة يمثل عقبة كبرى، خاصة أن المعبر كان النافذة الوحيدة لخروج الفلسطينيين من غزة. مما أُجبر الطلاب على انتظار فرص ضئيلة للعبور، في حين ترفض إسرائيل بشكل قاطع جميع الطلبات المقدمة من الطلاب، حتى ضمن سياق الحالات الإنسانية.
تشير إسراء إلى أن الاحتلال يتحكم في معبر أبو سالم، الذي يُستخدم للتنسيق لخروج الحالات الحرجة. تضيف: "الكثير من الطلبات المقدمة من المرضى أنفسهم قوبلت بالرفض، فما بالك بالطلاب؟"، مؤكدة أن التعنت الإسرائيلي يعكس مزاجية متعمدة تساهم في تفاقم الأزمة.
وقفات احتجاجية ومناشدات دولية
في محاولة لإيصال صوتهم إلى العالم، نظم الطلاب وقفات احتجاجية في مناطق مختلفة من القطاع، رغم الظروف الأمنية الصعبة. خلال إحدى الوقفات في مدينة دير البلح، قرأ الطلاب بياناً أكدوا فيه: "نحن مئات الطلاب الفلسطينيين محرومون من حقنا الأساسي في التعليم بسبب القيود المفروضة على التنقل". وطالبوا المؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل الفوري لإنهاء أزمتهم.
وأشارت إسراء إلى تواصلها مع دائرة الهجرة البريطانية عبر مؤسستها، حيث قدمت وعوداً بمحاولة تنسيق أوضاع الطلاب الحاصلين على منح قبل الحرب فقط، ولكن دون نتائج ملموسة حتى الآن، وبعض الردود جاءت سلبية على حد وصفها.
وأضافت: "معظم السفارات التي تواصلنا معها لم تبدِ تعاوناً حقيقياً. يبدو وكأن الجميع فقد الأمل من موضوع سفرنا".
"المنظمات الحقوقية ومكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لم يُقدم وعوداً أيضاً" تقول كاراجا، و"قبل أيام جاءنا رد بالانتظار، ولا وقت لدينا للانتظار ففرصتنا الأخيرة تنتهي خلال أيام معدودة".
أمل في مستقبل أفضل
رغم التحديات الهائلة، لا يزال الأمل حاضراً لدى الطلاب العالقين. ترى إسراء أن التعليم يمثل الأمل الوحيد لإعادة بناء غزة بعد الحرب. تقول إسراء: "نحن بحاجة إلى التعليم، ليس فقط من أجل مستقبلنا الشخصي، بل من أجل إعادة بناء وطننا. لا يمكن أن نسمح للحصار والحرب بسرقة هذا الأمل".