حمل هذا العام حتى الآن ثلاث كوارث طبيعية كبيرة ضربت دولاً عربية. زلزال السادس من فبراير شباط الماضي في سوريا وتركيا وزلزال المغرب والفيضانات المدمرة في ليبيا هذا الشهر. مع أن هذه الكوارث خارجة عن إرادة البشر عموماً، إلا أن العلم يُقدم لنا وسائل عديدة وعملية للاستعداد لها بشكل مسبق بهدف الحد من عواقبها على البشر. من هذه الوسائل، توفر مراكز بحث علمية مُتخصصة في دراسة هذه الكوارث واحتمالات حدوثها وأنظمة الإنذار المبكر للأخطار المتعددة، وتوفر البيانات الإحصائية، وتطبيق معايير السلامة الكاملة في إنشاء الأبنية السكنية والبنى التحتية من طرقات وسدود مائية، وإنشاء إدارات متخصصة في أعمال الإغاثة الفورية. كل هذه الوسائل تُساعد في الحد من الخسائر البشرية والمادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية على غرار الدول المتقدمة. مع الأسف، فإن الحديث عن هذه الوسائل يبدو إسرافاً في الرفاهية في العالم العربي عموماً. وجانب كبير من هذه المشكلة يكمن في انعدام ثقافة التوعية بمخاطر الكوارث الطبيعية على مستوى الدول والمجتمعات.
في حالتي سوريا وليبيا على وجه الخصوص، فإن الأمر يُصبح أكثر سوءًا للكوارث الطبيعية بسبب الصراعات التي يشهدها البلدان منذ أكثر من عقد من الزمن. لقد أدت هذه الصراعات إلى تدمير جانب كبير من البنية التحتية المتهالكة أصلاً بفعل الإهمال الحكومي القائم أصلاً منذ ما قبل الحرب، كما قوّضت إلى حد كبير من قدرة المنظمات الحكومية والخاصة في الاستجابة الفعالة للكوارث ما جعل حجم الإضرار الناجم عنها كبيراً للغاية ومؤلماً.
أحصى التقرير بالفعل معاناة الدول العربية من عدة مخاطر كالزلازل والفيضانات والجفاف والأعاصير والنزاعات المسلحة وغيرها، وحذر من نتائج وخيمة إذا لم تتخذ الحكومات مزيدا من الإجراءات الضرورية للتخفيف منها
في تقرير للأمم المتحدة أصدرته في نوفمبر تشرين الثاني عام 2021، تم تخصيصه للحديث عن حال الدول العربية ومدى تقدمها في مسار التخفيف من مخاطر الكوارث والمشكلات التي تواجهها في تحقيق ذلك. ومن المفارقة أن هذا التقرير صدر على هامش اجتماع المنتدى الإقليمي الخامس للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، والذي نظّمه بلد يُعاني الآن من كارثة طبيعية كبيرة هو المغرب. وقد أحصى التقرير بالفعل معاناة الدول العربية من عدة مخاطر كالزلازل والفيضانات والجفاف والأعاصير والنزاعات المسلحة وغيرها، وحذر من نتائج وخيمة إذا لم تتخذ الحكومات مزيدا من الإجراءات الضرورية للتخفيف منها. بالنسبة للزلازل، يذكر التقرير أن أكثر من 30% من سكان المنطقة العربية يعيشون في مناطق عالية أو متوسطة الخطورة، خاصة دول جنوب حوض المتوسط. عند الحديث عن سوريا وليبيا على وجه الخصوص، فإن وسائل الاستعداد المسبق للكوارث الطبيعية تبدو منعدمة تماماً بفعل الإهمال الحكومي المزمن، فضلاً عن أن الصراعات جعلت نتائج هذه الكوارث أكبر حتى من تلك التي حذّر منها على ما يبدو التقرير الأممي المذكور.
إن الأمر الأسوأ من الكوارث الطبيعية نفسها هو استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية. في تركيا على سبيل المثال، سعت المعارضة إلى استغلال كارثة زلزال السادس من فبراير من أجل تحسين فرصها في الانتخابات من بوابة التصويب على استعداد الحكومة لها واتهامها بالتقصير في الاستجابة الأولية. يُمكن المجادلة بالطبع في هذه الاتهامات. لكن الوضع في سوريا يبدو أكثر فظاعة لجهة توظيف كارثة الزلزال من قبل النظام السوري وسعيه لاستثمارها من أجل الخروج من عزلته الخارجية. لقد ألقى الأسد بالمسؤولية في أضرار الكارثة على العقوبات الغربية المفروضة على نظامه بقدر أكبر من دوره في جعل الكارثة أسوأ من حيث الإهمال الحكومي المريع قبل الحرب في ترميم البنى التحتية واتباع معايير السلامة في البناء السكاني، فضلاً عن الحرب نفسها التي أدّت إلى تدمير البنى التحتية بنسبة كبيرة وجعل المباني السكنية متهالكة لدرجة أنها لم تستطع الصمود للحظة واحدة بعد ثوان من وقوع الزلزال. وما زاد الأمر سوءًا مسارعة النظام إلى المطالبة بأن تكون المساعدات الدولية للمتضررين من الزلزال بالتنسيق معه من أجل إضفاء شرعية دولية عليه.
في ليبيا، لا يقل الوضع سوءاً عن سوريا من حيث الحالة السياسية التي فاقمت من أضرار كارثة الفيضانات. البلاد منقسمة منذ فترة بين حكومتين، والأطراف المتصارعة أولت على مدار سنوات من الصراع أولوية قصوى لتحقيق أهدافها السياسية والحصول على شرعية من الخارج بقدر أكبر بكثير من الالتفات إلى تلبية احتياجات الليبيين وإعادة ترميم البنى التحتية المتهالكة مثل السدود المائية. مع أن الظرف الإنساني الصعب ليس ملائماً في الواقع لطرح إشكالية الانقسام السياسي في ليبيا، لكنّه لا يُمكن تجاهله لتقييم الأسباب التي أدت إلى جعل كارثة الفيضانات بهذا السوء. ينبغي أن تُشكل كارثة الفيضانات في ليبيا وقبلها كارثة زلزال سوريا التي لا تزال آثارها الكبيرة قائمة رغم مرور أشهر عليها، تحذيراً للمخاطر المستقبلية للكوارث الطبيعية في حال لم تُعالج الدوافع السياسية الكامنة وراء الصراعات التي جعلت الاستعدادات لهذه الكوارث وكيفية إدارتها أسوأ على حياة ملايين السكان.
معالجة الصراعات السياسية التي تعصف ببعض دول العالم العربي تُساعد في التخفيف من حدة الكوارث الطبيعية المؤكدة التي ستحصل في المستقبل مثل التحولات المناخية التي تؤثر بشكل حاد على المنطقة العربية
لا يُمكن بأي حال تعويض الخسائر البشرية الناجمة عن هذه الكوارث، لكن معالجة الصراعات السياسية التي تعصف ببعض دول العالم العربي تُساعد في التخفيف من حدة الكوارث الطبيعية المؤكدة التي ستحصل في المستقبل مثل التحولات المناخية التي تؤثر بشكل حاد على المنطقة العربية، والتي تزيد من ندرة المياه ومخاطر الجفاف الذي يُدمر معيشة الغالبية الكاسحة من سكان هذه الدول كونها تعتمد بشكل أساسي على الزراعة وهو من بين أخطر الكوارث التي عرفتها الدول العربية في السنوات الخمسين الماضية. لم يعد العالم العربي يملك رفاهية تجاهل تعزيز ثقافة الوعي على مستوى الدول والمجتمعات بمخاطر الكوارث الطبيعية وسبل الحد من عواقبها لأن كلفتها ستكون أكبر في المستقبل.