على عكس ما كان يشتهي النظام السوري حدث، فالسوريون الذين ظن النظام أنه أطفأ الجذوة في نفوسهم، ها هم اليوم ينتفضون عليه في الشمال والجنوب، والرقعة التي ظن النظام أنه دفع بها للاستسلام قد تخرج في أي لحظة، لذا فإن النظام يعيش مرحلة تخبط سياسي وميداني لم يكن ينتظرها وهي باتت تدفعه وحلفاءه إلى إعادة التفكير ملياً بطرق التعامل معها.
زيارة لوقا لبيروت.. لقاء "نصر الله" وآخرين
وأمام الواقع المشتعل في الميدان السوري، كان لافتاً الزيارة السرية التي أجراها رئيس "جهاز المخابرات العامة" حسام لوقا إلى بيروت، ولقاؤه بأمين عام "حزب الله" اللبناني حسن نصر الله وشخصيات في محور "الممانعة"، على رأسهم المرشح الرئاسي في لبنان سليمان فرنجية، وبحسب مصدر دبلوماسي لـ"تلفزيون سوريا" فإن لوقا ناقش مع نصر الله بحضور مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، والمعاون السياسي حسين الخليل، العديد من الملفات، أهمها خلاصة زيارة الوفد الأمني السعودي لدمشق ولقاءاته مع المسؤولين في النظام حول تطورات العلاقة والتي شهدت بطئاً في التطبيع، إضافة إلى الواقع الميداني في سوريا.
وبحسب المصدر فإن لوقا شرح لنصر الله موقف السعوديين من تمدد الحزب داخل الجغرافيا السورية وإعادة التموضع التي يجريها "الحزب" والمجموعات الموالية لإيران، إضافة إلى الانزعاج العربي من عملية شراء الحزب والميليشيات الطائفية لأراضي وعقارات في مناطق وأرياف دمشق وحمص وحماة وبعض مناطق الجنوب السوري، وكذلك تمركز مجموعات شيعية على تخوم العاصمة دمشق.
وأبلغ لوقا نصر الله أن السعوديين أعادوا تجديد مطالبهم التي لن يتراجعوا عنها، وهي البدء بإطلاق سراح آلاف المعتقلين، يسبقه عفو عام عنهم بشكل سريع وهو الباب لإعادة فتح القسم القنصلي السعودي في سوريا، ووقف تصدير المخدرات وخاصة أن هناك اتهاماً خليجياً لدمشق بتوسيع رقعة التصدير لدول أخرى.
كذلك جرى تقييم للحراك الجاري في سوريا في مناطق متعددة وخاصة السويداء ودرعا، واعتبر "نصر الله" أن هناك تحريضاً إسرائيلياً– أردنياً للتحرك في تلك المنطقة، وكذلك فإن أي تحرك في درعا مرتبط بالنشاطين الأميركي والأردني والدفع بهذا الأمر مرتبط بتمويل خارجي يجب التعامل معه بحزم وعدم تساهل بحجة أن العرب يشترطون أداء سورياً جديداً مقابل إعادة إعمار سوريا.
وبحسب المصدر فإن نصر الله استشعر مما قاله الوفد السعودي للسوريين وجود خلفيات أميركية وتركية مما يجري، وخاصة أن الأتراك أوقفوا اندفاعتهم تجاه النظام السوري، وباتوا يقدمون اشتراطات لاستكمال التطبيع مع الأسد، وأن هناك جهات تقنع السعودية بدعم فصائل سورية للضغط بشكل أكبر على النظام، لأن تمدد المعارضة السورية في مناطق جديدة سيؤدي إلى مفاوضات من نقطة مختلفة مع السعوديين والدول الأخرى، مؤكداً أن "حزب الله" يتابع الملف عن كثب في سوريا ويحضر لأي تدخل محتمل من عدة مستويات عسكرية وأمنية.
ويشير المصدر إلى أن لوقا ونصر الله اتفقا على أن ما يجري يهدف إلى تكثيف الضغوط على بشار الأسد بعد توقف المفاوضات الأميركية – السورية برعاية سلطنة عمان حول مصير الرهائن الأميركيين. كذلك هو ترجمة لمزيد من الضغوط على إيران في ظل الحديث عن عودة مرتقبة لمفاوضات الملف النووي، واستغلال للغياب الروسي عن المشهد الإقليمي إثر الحرب الدائرة في أوكرانيا.
في حين يعتقد المصدر أن النظام يترقب بقلق مسار هذه التحركات وإمكانية توسعها وانتشارها لتشمل معظم المدن السورية، والدفع بأعداد أكبر للتظاهر إذا ما قرر الأسد التعامل بوحشية مفرطة مع المتظاهرين، ما سيدفع النظام لطلب الدعم العسكري والأمني من "حزب الله" وإيران لمواجهة مثل هذه التظاهرات والتحركات والتصدي لها، وهذا المسار سيؤدي أيضاً إلى تكريس قناعة جديدة تتعلق باعتماد النظام المباشر على الإيرانيين وحزب الله، ما ينعكس سلبياً على مسار التطبيع العربي مع النظام في ظل المهلة السعودية للنظام حتى آخر العام، ويتخوف المصدر من فرضية قيام "حزب الله" بإرسال مجموعات كبيرة من مقاتليه للقتال في سوريا، وذلك خشية خروج الأمور عن سيطرة قوات وأجهزة النظام.
النظام يستدعي حلفاءه لمواجهة #السويداء و #أميركا.. كيف علق نصر الله؟
— تلفزيون سوريا (@syr_television) August 29, 2023
تقرير: عبد القادر ضويحي @Abood_Dwehe#سوريا_اليوم #تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/PQmIiXtnt1
"حزب الله" مستنفر
في إطار متصل ومع التطورات الجارية في سوريا والعراق، والتحشيد العسكري الأميركي والتركي في مناطق سورية متعددة، كان لافتاً حال الاستنفار لدى "حزب الله"، بعدما جرى الإعلان عنه منذ أيام في منطقة "حي السلّم" في ضاحية بيروت الجنوبية، عن تسلل عنصر من "تنظيم داعش" لذا فإن هكذا تطورات ستدفع الحزب لإعلان حالة التعبئة بحجج ودعاوى "منع الانتحاريين" من المجيء إلى لبنان، ولذلك في سياق واضح فإن أي تطورات إقليمية ودولية ستجري في العراق وسوريا، لا بد أن يكون لها انعكاسات وتأثيرات على الملف اللبناني.
وانعكاساً لهذا المسار كان لافتاً اللقاءات الداخلية التي يجريها "حزب الله" على مستوى الكوادر والقيادات، وآخرها ما جرى تسريبه عن لقاء جمع نصر الله مع قيادات العمل السياسي والعلاقات في "حزب الله" لمناقشة الملف الداخلي والخارجي، ووضعهم بصورة ما يجري في الساحة الإقليمية وموقف "الحزب" منها، إضافة إلى التوترات الجارية على الحدود والتهديدات الإسرائيلية لاستهداف قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وبحسب مصدر سياسي لبناني رفيع فإن نصر الله شدد لكوادر حزبه على ضرورة البقاء بجهوزية كاملة لمواكبة التطورات في سوريا والعراق وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع إسرائيل، والجهوزية مرتبطة بكل أنواع التحضير والاستعداد السياسي والأمني والاجتماعي والمعيشي، لأن "حزب الله" تصله رسائل متعددة عن استمرار الضغوطات والعقوبات والتي تطول كل البيئة المعنية به والحليفة وبطبيعة الحال ستنعكس على لبنان.
وبحسب المصدر فإن نصر الله اعتبر أن كل هذه الملفات المتشابكة هي رد أميركي-إسرائيلي – عربي على استراتيجية أطلقها "الحزب" عنوانها و"حدة الساحات" مع حماس والجهاد والفصائل العراقية واليمنية، وشدد نصر الله على الاهتمام بالوضع في الجنوب، كما متابعة ما يجري في سوريا من تكثيف للضغوط، لدفع الحزب للانسحاب من سوريا للاستفراد بالنظام.
بالإضافة إلى اعتبار أن وضع العراق دقيق في هذه المرحلة، وسط ممارسة الضغوط الأميركية والقيام باستعراضات عسكرية. ويعتبر نصر الله أن العراق هو نقطة جوهرية وأساسية في استراتيجيته التي عمل ويعمل عليها، وهو على تنسيق شبه يومي مع كل الفصائل هناك ويتبادل المعلومات معهم، ولا بد له أن يبقى متابعاً عن كثب لأوضاعه وتطوراته.
ولم يخفِ نصر الله بحسب المصدر التعقيدات الكثيرة التي تعترض الاتفاق السعودي ـ الإيراني في اليمن وهي لا تبدو عاملاً مساعداً في المنطقة. لأن الضمانات الأمنية والعسكرية الثابتة والنهائية التي تطلبها السعودية يرفضها الحوثيون لأنها وفق نصر الله لا تراعي المعطيات التي جرى تكريسها على الأرض، لذا فإن ما يحدث يندرج في إطار مساعٍ أميركية للي أذرع "محور الممانعة"، ورسم معادلة ميدانية جديدة لتكريسها لاحقاً كمعادلة سياسية في إطار الدستور الجديد المزمع الاتفاق عليه في سوريا واليمن.
لبنانياً شدد نصر الله بتمسك الحزب في ترشيح سليمان فرنجية واعتباره من الثوابت. وعليه، فبالنظر إلى مسار الحزب في الداخل، فهو يركز على ضرورة الحوار والتسوية، بالإضافة إلى تسيير الأمور الضرورية في الدولة والمؤسسات عبر التنسيق مع رئيسي الحكومة والبرلمان، إضافة إلى الحوار المفتوح مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل. وهذا يقتضي الحاجة إلى كسب المزيد من الوقت طالما أن الأمور غير ناضجة إقليمياً وخاصة أن الموفد الفرنسي لا يبدو أنه قادر على تمرير المبادرة، فيما أطراف الخلية الخماسية تعمل على إسقاط مرشحنا، بمرشح يحظى بموافقة واشنطن على عكس ما قاله الموفدون العرب لحزب الله وحركة أمل.
بالمقابل يعتقد المصدر أن العودة الأميركية إلى المنطقة تهدف لدفع الأطراف الإقليمية للتخلي عن تفاهماتها مع إيران والنظام السوري، من خلال تعزيز الحضور العسكري في الخليج العربي وشرق سوريا، وفي مضيقي هرمز وباب المندب، بالإضافة إلى إعادة تحريك قطعات عسكرية أميركية في العراق، والحديث عن إغلاق الطريق الذي يربط سوريا والعراق، لقطع خط إمداد إيران وحزب الله، مع توقع المزيد من الضغوط، لفرض طبيعة للتفاوض الأميركي الإيراني ودفع إيران إلى التنازل.