السوريون والتيه الجديد

2024.10.30 | 06:36 دمشق

آخر تحديث: 30.10.2024 | 06:36 دمشق

الحدود السورية اللبنانية
+A
حجم الخط
-A

تتزايد الضغوط الاقتصادية والأمنية في لبنان وتتفاقم معاناة اللاجئين السوريين الذين نزحوا إليه منذ اندلاع الثورة في سوريا، مطلع العام 2011، حيث يواجهون أوضاعاً صعبة ومضاعفة، من أهمها خطر العودة إلى الوطن.

ذلك أنَّ العودة إلى سوريا ليست خياراً آمناً في ظل استمرار النظام السوري في قمع المعارضين السوريين، وانعدام الاستقرار والأمن في مناطق واسعة من البلاد، ما يجعل حياة هؤلاء النازحين مليئة بالقلق والترقب وسط ضبابية المصير، وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية لا حصر لها، حيث يقدَّر عدد الذين عبروا الحدود السورية اللبنانية بـ400 ألف شخص، معظمهم من السوريين، وبنسبة تقدر بنحو 70%، بحسب وحدة إدارة مخاطر الكوارث التابعة للحكومة اللبنانية.

أمام الحقيقة البشرية التي تشير إلى أنَّ "الروح غالية" أرسل كثير من السوريين في بداية الهجمات الإسرائيلية على لبنان عائلاتهم التي تضم غالباً الزوجات والأبناء الأطفال والآباء والأمهات إلى سوريا، هرباً من كابوس قديم ما يزال عالقاً في ذاكرة السوريين..

وتؤكِّد الوقائع والتقارير اختفاء عدد من السوريين العائدين إلى مناطق سيطرة النظام السوري، في خضم الظروف الصعبة التي أجبرتهم على الخيار الوحيد لدى أغلبية السوريين الذين يعانون أوضاعاً اقتصادية صعبة في الأصل.

وأمام الحقيقة البشرية التي تشير إلى أنَّ "الروح غالية" أرسل كثير من السوريين في بداية الهجمات الإسرائيلية على لبنان عائلاتهم التي تضم غالباً الزوجات والأبناء الأطفال والآباء والأمهات إلى سوريا، هرباً من كابوس قديم ما يزال عالقاً في ذاكرة السوريين الذين تركوا بيوتهم وغادروا وطنهم خوفاً من الموت، ورعباً حقيقياً من قبضة النظام السوري المجرم الذي يخفي في سجونه آلاف المعتقلين الأبرياء.

وعندما اشتدت الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية اضطر البعض إلى اللحاق بأسرته، هرباً من موت محتَّم يحيق بهم، ليتم اقتياد بعضهم بشكل تعفسي من نقاط التفتيش الحدودية إلى سجون النظام السوري، رغم أنَّ معظمهم مجرَّد عمَّال يعيشون تحت خط الفقر، همهم الأكبر هو تحصيل قوت يومهم، ولا علاقة لهم بالفعل السياسي من قريب أو من بعيد.

إنِّ تدفق النازحين السوريين عبر المعابر الحدودية، بالإضافة إلى النازحين اللبنانيين، في ظل هذه الظروف غير الآمنة، وفي ظل غياب الرقابة الدولية، جعل هذه المعابر تتسم بالفوضى والازدحام، ما جعل الفرصة مواتية للنظام السوري ليتابع ممارسة سياسته الإجرامية ضد شعبه، منتهكاً القوانين الدولية وحقوق الإنسان.

وقد تحدَّث شهود عيان من بعض العائلات التي عبرت الحدود عن اقتياد جنود النظام السوري عدداً من النساء إلى مصير مجهول، وعن تعرُّض كثير من الرجال والنساء والشيوخ للاستجواب والاعتقال، وسوق بعض الشباب للتجنيد الإجباري، إضافة إلى سرقة جنود النظام عن طريق الرشوة جني عمر النازحين لتجنيبهم الاعتقال ما أمكن، ناهيك عن العنف اللفظي والجسدي الذي يتعرض له الكبار والصغار على حدٍّ سواء.

وبحسب الشبكة السورية لـ حقوق الإنسان، هناك 23 حالة اعتقال موثقة، غاب أصحابها وراء قضبان السجون مع مصيرهم غير المعروف.

وعلى الرغم من أنَّ سوريا ما تزال تعاني من الفوضى الشديدة، والعنف بأشكاله كلِّها، والانهيار الاقتصادي المستمر والمتسارع، فإنَّ بعض السوريين الذين فرُّوا إليها من لبنان فضَّلوا أن تكون بلادهم نهاية لرحلة النزوح المرهقة التي عانوا من خلالها كل أنواع العذاب والقهر والمشقات، لكن مع الأسف، فإنَّ وضع هؤلاء الذين وصلوا بسلام إلى سوريا ليس بخير على الإطلاق، إذ يفتقد معظمهم المأوى والاحتياجات الأساسية، ويتعرَّضون للاستغلال والابتزاز من المهربين وغيرهم بسبب عدم امتلاكهم لوثائق ثبوتية.

تقول رولا أمين -المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- إنّه "من المؤسف أنَّ معاناة أولئك الذين يفرُّون من القصف ويعبرون إلى سوريا لا تنتهي عند الحدود، بل إنَّ حالة طوارئ إنسانية جديدة تتكشف في الوجهات النهائية، حيث يصل معظمهم بلا موارد أو بموارد محدودة للغاية"، ما يجعل رحلة عودة السوريين إلى وطنهم أشبه ما تكون بالانتحار أو الموت البطيء.

ولم يكن خيار العودة إلى سوريا حيث مناطق سيطرة النظام نابعاً من إرادة بعض السوريين وقناعتهم، لذلك عزم البعض لمتابعة رحلة العودة إلى مناطق شمال غربي سوريا، ولم يكن الحال هناك أفضل بكثير، حيث يواجه السوريون هناك نقصاً في الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء، وضعف البنية التحتية اللازمة للحياة الكريمة.

على مدى سنوات طويلة، لم تتوقف معاناة السوريين، فهم يواصلون رحلتهم الصعبة في البحث عن الأمان والمستقبل، متنقلين من بلدٍ إلى آخر، يحملون معهم ذاكرة ثقيلة من الآلام والأحلام المكسورة..

ورغم الدعم المحدود الذي تقدِّمه بعض المنظمات الإنسانية، ما تزال هذه المناطق المحرّرة، تعاني من اكتظاظ سكاني وضغوط اقتصادية كبيرة، إضافةً إلى تهديدات أمنية مستمرة نتيجة القصف الجوي الذي يشنه النظام السوري وحلفاؤه بين الحين والآخر، مخلفاً وراءه قتلى وجرحى ودمار في البيوت والمنشآت، فضلاً عن انقسامات سياسية بين القيادات العسكرية.

وبحسب الأمم المتحدة، يعتمد ما لا يقل عن 4.1 ملايين شخص من أصل 5 ملايين شخص يعيشون في شمال غربي سوريا على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية للبقاء على قيد الحياة، ويعيش 1.9 مليون شخص في مخيمات ومستوطنات مؤقتة في ظل ظروف إنسانية صعبة.

على مدى سنوات طويلة، لم تتوقف معاناة السوريين، فهم يواصلون رحلتهم الصعبة في البحث عن الأمان والمستقبل، متنقلين من بلدٍ إلى آخر، يحملون معهم ذاكرة ثقيلة من الآلام والأحلام المكسورة، بينما يبقى النظام السوري متجذراً، يمحو تدريجياً ملامح وطنهم ويدمّر كل ما يرمز إلى ماضيهم، من بيوت وشوارع وحكايات.