يعيش السوريون في قطر حالة من الاستقرار والراحة النفسية الواضحة، حيث لا يشعرون بأي غربة رغم بعدهم وشوقهم لمدنهم وقراهم في سوريا، كما أنهم منظمون في جالية ولديهم نشاطاتهم الثقافية والاجتماعية.
ولعل السبب الأبرز في حالة الراحة التي يعيشها السوريون في قطر، هو الاستقرار النفسي والاجتماعي الذي يعيشونه، فالدوحة التي تضم خليطاً واسعاً من الجنسيات المتعددة والأعراق المختلفة واللغات الكثيرة، أتاحت لجميع من يعيش فيها الشعور بالراحة والأمان والاستقرار، رغم التحديات المعيشية في تأمين متطلبات الحياة.
ورصد موقع "تلفزيون سوريا"، وضع السوريين في قطر من النواحي الحياتية والاجتماعية، مستفسراً عن الإيجابيات والسلبيات الموجودة في البلد الذي أحدث نقلة نوعية من الناحية الاقتصادية خلال العقد الماضي خصوصاً مع تنظيم مونديال كأس العالم لعام 2022.
وقبل عام 2011 تراوح عدد السوريين في قطر ما بين 35 ألفاً و39 ألفاً الذين كان يعمل معظمهم في مجالات التعليم والبناء والفندقة والمطاعم، في حين يصل عدد الجالية السورية في قطر اليوم إلى أكثر من 64 ألف سوري، بحسب أرقام السفارة السورية في قطر، خصوصاً أن الداخلية القطرية تمنع ترحيل أي سوري بسبب عدم استقرار الأوضاع في سوريا حتى الآن، وتجدد بطاقات الزيارة دورياً بالمجان للسوريين المقيمين على أراضيها.
مجلس الجالية السورية
ولدى الجالية السورية في قطر مجلس مدني منتخب دورياً لعامين، عن طريق جمعية عمومية منتخبة من الجالية أيضاً، ما أسهم في تنظيم السوريين بشكل أفضل بالتعاون مع السفارة السورية بالدوحة.
وقال عبد السلام فياض رئيس مجلس الجالية السورية، في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" إن المجلس يهدف إلى خدمة الجالية السورية في قطر من خلال علاقاته مع الأفراد والمؤسسات المدنية والجهات الحكومية، ويعمل تحت مظلة السفارة السورية وبالتنسيق معها".
وأضاف فياض أن ذلك يسهم في خدمة الجالية السورية في المجال التعليمي والإنساني والحرفي بتمكينهم وتسهيل الفرص لديهم، مشيراً إلى أن المجلس يعمل باستمرار على تفعيل دور السوريين عبر دعوتهم وحثهم على المشاركة في الأنشطة المدنية والثقافية في قطر.
ولمزيد من التنظيم أنشأ مجلس الجالية هيئات متخصصة، مثل رابطة المهندسين السوريين، والرابطة الطبية، ورابطة المعلمين وغيرها، ليتواصل أصحاب الاختصاص فيما بينهم، ويشتركوا في تمكين السوريين حرفياً وخدمياً.
وينظم مجلس الجالية العديد من الأنشطة المتعلقة بالرياضة كالتي كانت خلال كأس العالم، أو المباريات الخيرية، إلى جانب النشاطات الثقافية والتضامنية كالتي تحصل للوقوف مع سكان غزة بسبب العدوان الإسرائيلي عليهم.
كما تقدم دورات تمكين في العديد من المجالات والحرف، مثل التصوير والعمل التطوعي والإدارة والإسعافات الأولية وغيرها، مع عدم إغفال الورشات والدورات التربوية والفكرية والدينية، بهدف ترك بصمة في الحراك الثقافي والمجتمعي القطري.
ما أبرز التحديات التي تواجه السوريين في قطر؟
ورغم نجاح السوريين في معظم البلدان التي يعيشون فيها، إلا أن هناك تحديات تتعلق بالظرف التاريخي الذي يتعلق بحرمانهم من بلدهم، فهم لا يستطيعون العودة للمخاطر الأمنية التي يشكلها النظام السوري، وبخصوص ذلك قال رئيس مجلس الجالية السورية، في حال انتهاء عقود العمل التي تخص السوريين يصبح الوضع المادي والنفسي صعباً، ما يدفع بهؤلاء السوريين للبحث عن أماكن عمل أخرى قد لا يفضلونها لكن لا خيار أمامهم.
وبيّن عبد السلام فيّاض أيضاً أن هناك تحديات تخص التعليم المدرسي، حيث يعمل مجلس الجالية بالتعاون مع السفارة حتى لا يبقى أي طفل سوري في قطر بلا مدرسة، واستطاع في العام الماضي بجهود السفارة السورية والمؤسسات القطرية أن يستوعب جميع الأطفال المتأخرين عن الدراسة.
ومن أبرز الإيجابيات التي يشعر بها السوريون في قطر، أنها بلد آمنة ونظيفة ومريحة، وأهلها ذو شهامة والمجتمع القطري يشبه المجتمع السوري في محافظته، كما أن هناك تعاطفاً ومساندة للقضية السورية، وهم يعرفون تمكن الكفاءات السورية الحرفي والأكاديمي، وهناك ثقة بالطبيب والمهندس والمعلم والعامل والموظف السوري، بحسب رئيس مجلس الجالية السورية.
أما السلبيات بحسب "فياض" فتتمثل في التنافس الشديد جداً على الوظائف، ومع أن الدخل فيها من أعلى دول العالم لكن النفقات فيها أيضاً عالية، ولا سيما في السكن، والتعليم، وفتح المشاريع الاقتصادية.
تكاليف المعيشة في قطر
تعد كلفة المعيشة في قطر مرتفعة، مقارنة بالدول العربية الأخرى، ورغم أن دخل المواطن فيها من بين الأعلى عالمياً، إلا أن التكاليف الحياتية تختلف من شخص إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى.
وقال بلال بستاني أحد السوريين المقيمين في قطر، تعد أجرة البيوت وتكاليف الأقساط المدرسية والرعاية الصحية والمستلزمات المنزلية كالطعام وغيرها متفاوتة وتتباين باختلاف المعاشات التي يحصل عليها كل شخص".
وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا"، "فلو افترضنا أن عائلة مكونة من أربعة أشخاص ويملكون سيارة، يجب أن يترواح مصروفهم الكامل شهرياً بين 7500 - 10500 ريال قطري (ما بين 2000 إلى 3000 دولار).
ولفت إلى أن "أجرة البيت هنا تعتبر عالية جداً وتصل أجرة البيوت وسطياً، لغرفتين وصالة بين 3000 آلاف إلى 7000 آلاف ريال (من 1000 إلى 2000 دولار) وهي تختلف بحسب المنطقة والأحياء والمدن.
وأشار إلى أن أجرة النقل ووقود السيارة بين 30 إلى 50 دولاراً شهرياً بحسب نوع السيارة، أما المصروف المنزلي لشراء الطعام والشراب وما إلى ذلك تتراوح بين 500 و 800 دولار وسطياً بالشهر.
وعن أجور المدارس الخاصة، فهي بين 9000 و12000 دولار سنوياً، أما المدارس الحكومية فهي مجانية، ولكن لا تقبل إلا الطلبة الذين يعمل أحد والديهم في جهات حكومية أو شبه حكومية.
وقال بستاني إنه يشعر بالراحة والأمان بشكل كبير في قطر، بسبب لطافة الناس وترحابهم بأي أجنبي سواء كان عربياً أو آسيوياً أو أفريقياً أو أوروبياً.
ورغم أن الرواتب مختلفة ومتباينة بشكل كبير جداً، بحسب المهنة والشركة والقطاع، إلا أن العائلة من 4 أشخاص، تحتاج وسيطاً ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف ريال قطري لتعيش بشكل ممتاز.
الراحة في قطر
ورغم أن الجو في دول الخليج يعد حاراً معظم شهور السنة، إلا أن البنية التحتية المتطورة ووسائل الراحة التي توفرها الحكومة القطرية في البلاد جعلت الحياة مريحة وسهلة.
وفي إطار ذلك قال عبد الرحمن عيروط، أحد السوريين المقيمين في قطر، إنه مرتاح جداً خصوصاً بعد تجربة دول أخرى، مضيفاً أن السوريين بشكل عام مرتاحون نفسياً في قطر بشكل كبير.
وأوضح في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" أن الناس يشعرون بالاستقرار وفيها فرص عمل جيدة، فالناس هنا لا تفكر بتأمين قوت اليوم، ربما لديه مخاوف وهموم أخرى.
وأردف أن المخاوف الأساسية لدى كل الأجانب وليس السوريين فقط هو خسارة العمل والانتقال إلى عمل آخر، لما يواجه ذلك من بعض الصعوبات، إلا أنه يمكن التغلب عليه أيضاً.
وأكّد على أن الراحة النفسية تنبع كذلك من التعامل الإيجابي والتطور والتسهيلات والبنية التحتية والخدمية التي تشبه دول العالم الأول بكل ما فيه.
سمعة جيدة
وأسهمت الخبرات السورية في بناء سمعة طيبة عنهم لدى الشعب القطري، وهو ما أكّده محمد شعبان أحد السوريين المقيمين في قطر.
وقال شعبان لموقع "تلفزيون سوريا" أن الشعب القطري مرحاب وكريم، ويحب السوريين لسمعتهم الجيدة وخبراتهم الممتازة في المجالات المتنوعة، ما يجعل الأفضلية للسوريين في أماكن العمل مقارنة مع غيرهم من الجنسيات العربية الأخرى، وهذه ميزة تحسب للسوريين.
ولفت إلى أن هناك تضامناً كبيراً وواسعاً مع القضية السورية، وخصوصاً بما يخص التبرعات والمساعدات الإنسانية، حيث تساعد المؤسسات القطرية مناطق الشمال السوري بشكل كبير جداً، كما حصل حين حدثت كارثة الزلزال المدمر في شمالي سوريا وجنوبي تركيا.
وشدد شعبان على أن هناك بعض المناطق التي تعد أجرة البيوت فيها أرخص من غيرها، ولكن على الشخص البحث جيداً لأن الخيارات متاحة.
وبيّن أن هناك تنوعاً كبيراً في قطر بما يخص الثقافات والمطاعم، حيث ليس كل شيء سعره مرتفع وغير مقدور عليه، حيث يوجد مطاعم ومقاهٍ رخيصة للعائلات ويمكن زيارتها دورياً للتنزه.