فازت اللاجئة السورية ورائدة الأعمال الاجتماعية، جين داوود، من بين 5 نساء، بجائزة "نانسن للاجئ" لعام 2024 التي تقدمها سنوياً المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR).
وكانت جين، اللاجئة في مدينة شانلي أورفا التركية، قد استفادت من تجربتها الشخصية كلاجئة من مدينة الرقة، شمال شرقي سوريا، لإنشاء المنصة الإلكترونية المبتكرة "معالج السلام"، التي وفرت لآلاف اللاجئين في تركيا وأماكن أخرى إمكانية الاستفادة من خدمات الصحة النفسية المجانية.
وعلى المستوى الإقليمي، مُنحت 4 نساء أخريات جوائز إقليمية بحسب مناطق عملهن، هنّ: الراهبة والمحامية البرازيلية روزيتا ميليزي، وميمونة با من بوركينا فاسو، وندى فضل اللاجئة السودانية في مصر، بالإضافة للناشطة النيبالية ديبتي غورونغ.
وسيتم توزيع الجوائز اليوم الإثنين خلال حفل سيُقام في مدينة جنيف السويسرية.
5 سيدات يحصدن جوائز نانسن للاجئ لعام 2024،
— مفوضية اللاجئين (@UNHCR_Arabic) October 10, 2024
والتي تقدمها المفوضية كل عام، تكريمًا للأشخاص والمجموعات والمنظمات التي تقوم بأعمال إستثنائية لمساعدة اللاجئين والنازحين داخلياً وعديمي الجنسية.
تعرف على الفائزات بـ #جائزة_نانسن_للاجئ هذا لهذا العام:https://t.co/5ukGcypJ4X pic.twitter.com/r4e7adb2yG
جين داوود.. اللاجئة والداعمة الإنسانية
ووفق ما ورد في تقرير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فقد وصلت جين داوود إلى شانلي أورفا مع عائلتها، كفتاة تبلغ من العمر 16 عاماً ومصابة بصدمة نفسية في عام 2014.
أمضت طفولة سعيدة في مدينة الرقة الشمالية، حيث كان والدها حسن طبيب أسنان مشهوراً. كانت جين طالبة مجتهدة، تركز على هدفها في دراسة الطب وأن تصبح طبيبة: "لقد خططت لحياتي - أي جامعة سألتحق بها، وماذا سأدرس، وأين سأقيم".
لكن الصراع غير كل ذلك، ولم تدرك عائلتها الخطر على الفور. وقالت: "بدأ القصف والقتال، لكننا لم نفهم حقاً بعد أنها كانت الحرب، وأن علينا الخروج. ثم جاء تنظيم (داعش) وبدأت الأمور السيئة حقاً".
فروا من المدينة بالسيارة. وبعد لحظات من وصولهم إلى تركيا، تلقوا مكالمة هاتفية من أحد الجيران يخبرهم فيها أن مبنى شقتهم تعرض للدمار بفعل قنبلة، وهي ما يعني أنه لن تكون هناك عودة إلى المنزل الذي نشأت فيه جين، ولن تعرف أبداً مصير العديد من أصدقائها وجيرانها.
من ناجية من صدمة نفسية إلى رائدة أعمال
في شانلي أورفا، انتقلت الأسرة إلى شقة مستأجرة لم تغادرها جين لمدة عام. تقول: "كنت في حالة بائسة، وكنت أعاني من اضطراب ما بعد الصدمة ومن الكوابيس. لم أكن أرغب في فعل أي شيء؛ كنت فقط أحدق في الجدران".
لم تكن قد تعلمت اللغة التركية بعد ولم تكن تعلم بوجود خدمات استشارية متاحة بلغتها الأم.
في النهاية، وبتشجيع من والديها، قررت إعادة إحياء أحلامها في دراسة الطب، حيث أمضت العامين التاليين في تعلم اللغة التركية والدراسة لامتحانات القبول في المدرسة الثانوية والجامعة قبل قبولها في جامعة هاران، ليس لدراسة الطب ولكن اختيارها الثاني، هندسة الكمبيوتر.
كانت فكرة "معالج السلام" قد خطرت لها أثناء حضورها دورتين تدريبيين في عامها الدراسي الثاني، أحدهما حول تطوير تطبيقات أندرويد والآخر حول ريادة الأعمال. تقول: "في تلك اللحظة، بدأت العمل على الموضوع، وكان بمثابة الأمل بالنسبة لي. وعلى الرغم من كل الصعوبات والتجارب التي مررت بها، كنت واثقة من أن شخصاً آخر في مكان آخر يعاني منها".
أعدت جين خطة عمل مفصلة وبدأت العمل مع مطوري البرمجيات وعلماء النفس لبناء المنصة. وقد تم إطلاق الشركة بعد عامين ولديها الآن قائمة من 100 من الأخصائيين النفسيين الذين يقدمون جلسات علاجية عبر الإنترنت باللغات التركية والعربية والكردية والإنكليزية. في حين أن هناك من يستطيع تحمل تكاليف الجلسات الفردية أو الجماعية، يمكن للفئات الضعيفة مثل اللاجئين الوصول إليها مجاناً.
منصة جين وزلزال شباط المدمّر
كان أول ما خطر ببال جين داوود عندما استيقظت من نومها قبل فجر السادس من شباط 2023، هو أن قنبلة، مثل تلك التي كادت تصيبها وعائلتها في سوريا قبل تسع سنوات، كانت على وشك السقوط على مبنى شقتهم الواقعة في شانلي أورفا، جنوب تركيا. وفي غضون ثوانٍ، أدركت أنها لم تكن قنبلة، بل زلزال وأنه كان عليها وعلى والديها وأشقائها الأصغر سناً الخروج من المبنى في أسرع وقت ممكن.
تستذكر جين، قائلة: "كان والدي يحاول فتح الباب، لكنه كان يهتز بشدة لدرجة أنه لم يستطع تحريك المفتاح. مرت ثوانٍ، لكنها بدت وكأنها ساعات. وأخيراً، عندما تمكن من فتح الباب، ركضنا بأسرع ما يمكن".
وصلت الأسرة إلى السيارة وهي ترتجف وحافية الأقدام وبملابس النوم، لتقضي معظم الأيام القليلة التالية بانتظار انحسار الهزات الارتدادية.
في ذلك اليوم نفسه، توجهت جين إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتعرض خط المساعدة الخاص بـ"معالج السلام"، وهي المنصة الإلكترونية التي صممتها وبنتها وأطلقتها قبل عام لربط اللاجئين والمواطنين الأتراك بخدمات الصحة النفسية بعدة لغات.
وتقول: "كتبت أنها مجانية لأي شخص تأثر بهذا الزلزال".
في غضون ساعات، تلقت 200 طلب دعم، وفي غضون أيام، عدة آلاف. جاءت الطلبات من اللاجئين والأتراك الذين أصيبوا بصدمات نفسية جراء الزلزال العنيف الذي بلغت قوته 7.8 درجة وآلاف الهزات الارتدادية التي أعقبته.
وتذكر جين، قائلة: "لقد صدمت كثيراً من العدد، وشعرت أيضاً بالمسؤولية من أجل القيام بشيء لهؤلاء الأشخاص. لذلك، اتصلت بأخصائيين نفسيين لدينا والذين كانوا يعملون عن بُعد، وبدأوا بتقديم مئات الساعات من الإسعافات الأولية النفسية.
نظراً لتفانيها في تقديم الدعم الصحي النفسي للاجئين وغيرهم من الناجين من الصدمات، وخاصة بعد كارثة الزلزال، تم اختيار جين داوود كفائزة إقليمية بجائزة نانسن للاجئ عن أوروبا لعام 2024، والتي تقدمها المفوضية كل عام.
تقول: "إن ردود الفعل من المستفيدين من خدماتنا هي أكبر مكافأة بالنسبة لي، ولكن الفوز بهذه الجائزة له معنى كبير، فهو يمنحني الدافع والشجاعة لمواصلة هذا العمل".
ما هي جائزة نانسن؟
وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تأسست الجائزة عام 1954"إحياءً لإرث فريدجوف نانسن، العالم النرويجي، المستكشف القطبي والدبلوماسي والمفوض السامي الأول في حقبة عصبة الأمم، الحاصل كذلك على جائزة نوبل للسلام 1922".
ويحصل الفائز على مبلغ 150 ألف دولار أميركي تتبرع به حكومتا سويسرا والنرويج، بهدف متابعة مشروع موجه لمساعدة النازحين قسراً، يتم تطويره بالتشاور الوثيق مع مفوضية اللاجئين.
وخلال وجوده في المنصب لعشر سنوات بين 1920 و1930، ساعد نانسن مئات آلاف اللاجئين على العودة إلى وطنهم، وأسهمت جهوده في تمكين عدد كبير من الأشخاص من الحصول على إقامة قانونية وإيجاد عمل في البلدان، التي وجدوا فيها الملجأً.
وتقول المفوضية "أدرك نانسن أن إحدى المشكلات الرئيسية التي كان يواجهها اللاجئون هي افتقارهم لوثائق هوية معترف بها دولياً، فعمل على إيجاد حل عرف بجواز سفر نانسن، كان أول صك قانوني يُستخدم لتوفير الحماية الدولية للاجئين".