اجتهد لاعبو منتخب المملكة العربية السعودية في المباراة التي جمعتهم مع منتخب الأرجنتين في الدور الأول من كأس العالم المقام حاليا بنجاح في قطر. ولقد حققوا فوزاً كبيراً على منتخب عريق له باعٌ طويل في البطولات العالمية ويضم في صفوفه نجوماً أذهلوا المهتمين بلعبة كرة القدم موهبةً وأداءً منذ عقود. وقد أُضيف إلى توفيق السعوديين المفاجئ، تراجعٌ صريح في أداء الفريق الأرجنتيني الذي دخل المباراة مُحمّلاً بجرعة عالية من الثقة بالنفس إضافة إلى نزعة من التهاون بالفريق الضيف. فاز السعوديون بالمباراة إذاً وفرح بهم العرب بشكل واسع كما فرحوا بإنجازات الفرق العربية الأخرى. وكان من اللافت حجم الاحتفالات التي عمت شوارع الدوحة والتي لم تقتصر على جمهورٍ سعوديٍ أتى بأعداد كبيرة إلى الدولة الجارة، بل شاركهم أيضاً قطريون وعرب من مختلف الأمصار.
من جهته، استطاع منتخب المملكة المغربية أن يتصدر مجموعته في الدور الأول بجدارة ويتجاوز بالتالي فرقاً كبرى في طريق عبوره إلى الأدوار النهائية. ولقد أدار مدربه ولاعبوه موقعته الأخيرة مع إسبانيا بطريقة شديدة الذكاء، حيث التزم لاعبوه بخطة دفاعية محكمة وفيها شجاعة وصلت إلى حد الاستماتة. إضافة إلى القيام ببعض الهجمات المرتدة الخطيرة. وبالنتيجة، فقد أنهك الفريق المغربي أفراد الفريق الإسباني المسيطر وصولاً إلى ضربات الترجيح التي ربحها المغاربة بتصدٍ رائع لحارس مرماهم. وكما بعد انتصار كل فريق عربي، فقد فرح المغربيون، عرباً وأمازيغ، بانتصارهم الكبير وشاركهم في ذلك عرب وأفارقة ومن في حكمهم.
أظهر هذا الجمهور، القادم من مختلف المنطقة العربية كما من عدد من دول الهجرة، تضامنه العربي / العربي المعتمد على ثقافات متقاربة له ومخاطر متضافرة ضده
حتى الآن، حصلت إذاً مفاجئات جميلة تمثلت إحداها بفوز سعودي على الأرجنتين، وإن تبع هذا الفوز خروج المنتخب السعودي بخسارته ما تبقى له من مباريات، وثانيتها باستمرار المغرب في السير قدماً باتجاه أدوارٍ أصعب. وقد نتج عن هذه النجاحات المحدودة للسعوديين أو المستمرة للمغاربة بروز عامل إيجابي مهم لتنظيم البطولة في دولة عربية كقطر. فقد أُتيح لجمهورٍ عربيٍ واسع المشاركة وذلك لأول مرة في تاريخ بطولات كأس العالم. ولقد أظهر هذا الجمهور، القادم من مختلف المنطقة العربية كما من عدد من دول الهجرة، تضامنه العربي / العربي المعتمد على ثقافات متقاربة له ومخاطر متضافرة ضده. كما أتاحت الدولة المستضيفة وضع القضية الفلسطينية كهم مشترك لكل العرب على مختلف مشاربهم السياسية وذلك من خلال بروز هذا العلم الفلسطيني أكثر من سواه في مدرجات الملاعب كما مصاحبته لاحتفالات الفوز. وكان رفع العلم الفلسطيني من قبل اللاعبين المغاربة بعد فوزهم على إسبانيا مؤشر رمزي مهم يوجّه، إضافة إلى الانتماء إلى قضية مظلومية مشتركة بين كل العرب وجميع الشعوب المؤمنة بالحقوق وبالعدالة الإنسانية، صفعة قوية بقوة الانتصار الرمزي لكل محاولات فرض التطبيع السلطوي على شعوب المنطقة. تطبيعٌ لا ينتج عنه سوى المزيد من الخيبات خصوصاً أنه يتم وفق دفتر شروط المعتدي الإسرائيلي.
لن يخوض هذ المقال في الجانب الرياضي محللاً الفوارق التكتيكية والبدنية بين منتخبي السعودية والمغرب، حيث نجح الأول في تحقيق فوزٍ رمزي لم يكرره، وينجح الثاني في الصعود بصرامة إلى الأدوار العليا من هذه المسابقة الكروية. لكن بعض مظاهر الاحتفالات التي تلت تحقيق الفوز تستحق التوقف عندها. فقد خرج سعوديون يسخرون من نجم الأرجنتين ميسي بطريقة أبعدتهم عن الغوص في جميل أداء منتخبهم والتركيز بالتالي على الاستهزاء بالآخر. وبدأ المعلقون الرياضيون العرب بإطلاق أوصاف تعظيمية بلاعبي وبأداء المنتخب السعودي. وكذا سُخّرت البرامج التحليلية لدراسة رمزية هذا الانتصار "المحدود" وتمثيله لصحوة كروية سعودية / عربية ستحطم أسطورة لاعبي الأرجنتين مبدئياً ووصولاً إلى سحرة الكرة اللاتينية، أي البرازيليين. ولم تمر سويعات قليلة على ملء الشاشات العربية بهذه المبالغات وحتى كان الفريق السعودي يودع التصفيات بخسارات متتالية.
نتمنى للمغرب تحقيق الفوز في كل مباراياته القادمة وصولا إلى الكأس، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، ويكفيهم فخراً بما وصلوا إليه
صعود منتخب المغرب إلى دور الربع النهائي بعد سلسلة انتصارات يُشير إلى اختلاف بنيوي مع المثال السعودي. ومع ذلك، فقد حفلت وسائل الإعلام العربية باستنتاجات مبالغ بها عن مستوى الفريق المكافح والعنيد. وقد بدأت التوقعات تهطل من كل حدب وصوب على مجريات القادم من مباريات الفريق المغربي. لم يتواضع أحدهم ليُشيد بشجاعة أسود الأطلس وحنكة مدربهم بإدارة المباريات مع الأقوى بدراية كروية رفيعة المستوى مُشيراً إلى أن وصولهم إلى هذا الدور هو بحد ذاته انتصار مجيد وتحقيق لخطوة نادرة الحدوث في الكرة العربية وفي الكرة الأفريقية. أضف إلى ذلك، سُجّلت هطولات لأساطير التفوق المغربي في وسائل التواصل الاجتماعي والتي صوّرت حيناً لاعبي المنتخب في أثواب محاربي جبال الأطلس حاملين سيوفاً تقطع الرؤوس التي قد أينعت. وكما انصرف آخرون إلى تصوير الحدث وكأنه انتقام المستضعفين أو كما ورد لدى آخر بأن انتصار المغرب على إسبانيا هو انتقام من المستعمرين القدماء لأرض المغرب.
نتمنى للمغرب تحقيق الفوز في كل مباراياته القادمة وصولا إلى الكأس، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، ويكفيهم فخراً بما وصلوا إليه، ولا حاجة لنا لاعتبار الفوز على إسبانيا هو استعادة للأندلس.
وكما قالت العرب، "الزايد أخو الناقص"، فهويناً.