تراجعت حركة البيع والشراء في أسواق دمشق وريفها بشكلٍ كبير خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك بسبب الانهيار الكبير والمتسارع في سعر صرف الليرة السورية الذي وصل في تعاملات الأربعاء الماضي إلى نحو أربعة آلاف ليرة سورية مقابل الدولار الواحد في السوق الموازية "السوداء". في حين بقي سعر الصرف الرسمي في نشرة "مصرف سورية المركزي" 1250 ليرة.
وفي العموم تشهد الأسواق في دمشق وريفها ومنذ عدّة أسابيع حالة جمود وركوداً غير معتاد في مبيعات الجملة، والملاحظ أنّ معظم المحال فيها أصبحت شبه فارغة من السلع الغذائية والبضائع التجارية كما أنّ حركة الإقبال عليها ضعيفة فلم يعد أحد يشتري منها إلاّ للضرورة.
تخبط في الأسواق
وفي هذا الصدد قال أحمد الخطيب، وهو اسمٌ مستعار لصاحب أحد المحال التجارية في دمشق لـ تلفزيون سوريا: إنّ الحركة الشرائية شبه متوقفة في أسواق الحميدية والبحصة والحريقة وبرج دمشق وجرمانا وصحنايا وغيرها بسبب انهيار الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية. مضيفاً أن "تعليق عمليات البيع والشراء في الوضع الحالي يعد أقل ضرراً على التجّار من خسارة ثمن البضائع الموجودة لديهم في المستودعات، ذلك أنّهم سيبيعونها اليوم بسعر وسيشترونها غداً بسعر أعلى، الأمر الذي يتسبب بعجز وخسارة كبيرة في رأس المال عند محاولتهم شراء بضائع جديدة".
ووفقاً لما أشار إليه الخطيب فإنّ بعض التجّار قرروا عدم إغلاق محالهم والاستمرار في أنشطتهم التجارية بصورة غير اعتيادية؛ حيث امتنعوا عن البيع بالجملة واعتمدوا على البيع بـ "المفرّق" وبكميات قليلة، وذلك حتى تستقر أسعار الصرف في السوق المحليّة، ولأنّ البضائع الجديدة قد تستغرق وقتاً طويلاً حتى تصل إليهم من خارج سوريا.
تقنين وتأجيل
وعلى الرغم من انهيار وتدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، وانعكاسه بشكلٍ كارثي على الوضع المعيشي للأهالي في مناطق سيطرة النظام، فإنه لم يطرأ أي تغيير على رواتب الموظفين التي تقدّر وسطياً بنحو 60 ألف ليرة، مما أدّى إلى تراجع القدرة الشرائية للكثير من العوائل التي قننت من احتياجاتها الأساسية وعملت على تأجيل بقيّة الاحتياجات إلى وقتٍ لاحق.
أسعار جنونية والمواطن يستغيث
بدورها أبدت سيدة، وهي موظفة حكومية في 45 من عمرها، غضبها من موجة الغلاء الكبيرة التي تشهدها أسواق العاصمة دمشق، وأشارت إلى أنّ معظم المواد الأساسية ارتفعت بنسبة تتراوح ما بين 35 و 50 في المائة، فمثلاً سعر لتر الزيت كان من شهر 4100 ليرة، واليوم أرخص نوع بـ 6500 ليرة، والسكر من شهر كان بـ 1000 ليرة واليوم بـ 2500 ليرة، أمّا سعر كيلو الرز فقد وصل إلى نحو 3 آلاف ليرة بعد أن كان بـ 700 ليرة، في حين سجل سعر كيلو اللبن 1200 ليرة بعدما كان 900 ليرة، والكيلوغرام الواحد من الفروج المذبوح 7500 ليرة بعدما كان 4500 ليرة.
وتصف الموظفة هذه الأسعار بأنّها "جنونية" مقارنة مع دخل الفرد الشهري الثابت والذي بالكاد يكفي حالياً لشراء أبسط احتياجات المنزل من الطعام لأسبوع واحد فقط. علماً أنّ معظم الأسر السورية باتت -كما تقول- تشتري احتياجاتها الضرورية جداً بالحدود الدنيا، وكل يوم بيومه؛ فهناك من يقوم بشراء بيضتين أو أكثر بدلاً من شراء صحن بيض كامل، ومنهم من يشتري نصف كيلو سكر بدلاً من كيلو، وبـ 1000 ليرة قهوة فرط بدلاً من نصف كيلو، وهذا الأمر ينطبق على الموظفين وأصحاب الحرف والمهن وعمال اليومية.
وفي الوقت الراهن تحتاج العائلة المتوسطة إلى ما لا يقل عن 600 ألف ليرة شهرياً لتستطيع العيش حياة كريمة. وفق ما أشارت إليه الموظفة.
وختمت حديثها مع تلفزيون سوريا بالقول: إنّ "الوضع المعيشي في العاصمة دمشق أصبح لا يطاق؛ فالأسعار غير معقولة وأصحاب المحال يعدلون نشراتهم كل لحظة، وأمام هذا الواقع لم يعد بمقدور المواطن مجاراة موجات الغلاء وتأمين الحد الأدنى لسفرة منزله، حتى وإن عمل في النهار والليل". بحسب تعبيرها.
ويعاني معظم السوريين في مناطق سيطرة النظام من أوضاع إنسانية ومعيشية صعبة جداً، في ظل انتشار الفقر وانعدام مصادر الدخل وعدم تمكنهم من إيجاد بديل عن التعامل بالليرة بسبب خوفهم من بطش النظام، وسط عجز حكومة الأخير عن إيجاد حلول من شأنها ضبط الأسعار والأسواق.