منذ ما يزيد عن 12 عاماً من اندلاع الثورة السورية، تناضل المرأة في شمال سوريا في مختلف مجالات الحياة بغية تمكين صوتها وقراراتها متحديةً كافة الظروف المعيشية الصعبة التي تواجهها، لكن الحراك النسائي لم يفلح إلى اليوم بإكسابهن مقاعد فعّالة في المجتمع المحلي على المستوى السياسي والإداري.
ويقتصر دور المرأة بعد كل هذه الأعوام في منطقة إدلب على قضيتي "الطبابة والتعليم" وبعض المهن التي تلقتها من الورشات المدنية في المراكز القريبة عليها، إذ يكاد حضورها ينعدم من حيث العدد والاهتمام في المجالس المحلية على الرغم من المناداة المستمرة بضرورة المشاركة النسوية وتعزيز نظام "الجندرة" والدور السياسي، إلا أن واقع الحال يُظهر جلياً تغييبها أو تعمد إقصائها.
وتنحصر الجهود التي تستهدف المرأة وتدعم تمكينها في المجالين السياسي والإداري شمال غربي سوريا، على الورشات التي تطلقها منظمات المجتمع المدني التي تُلقن المرأة تدريبات قيادية من شأنها توعيتها وتثقيفها، لمنحها الفرصة كي تكون فاعلة في المجتمع على وجه أكبر.
مشاريع صغيرة
تقول السيدة "فاطمة العلي" عضو مركز قوارير في مدينة الأتارب غربي حلب، إن التجمعات النسائية أو الورشات التي تكون أساساً تابعة لمنظمات المجتمع المدني التي تستهدف المرأة تتركز في معظمها على دورات للتوعية في مجال القيادة والإدارة وتركز في معظمها على النساء المتعلمات، ونادراً ما تحصد هذه الدورات نتيجة إيجابية لبعض النساء، كاستطاعتهن في إيجاد فرصة عمل لدى المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، أو بروز سيدة يمكن الاعتماد عليها في قيادة ورشة لمجموعة أخرى من النساء ومنها إلى التعمق أكثر في اختصاص معين.
وأمّا بعض النساء اللاتي لم يكملن تعليمهن وحدود معرفتهن يقتصر على انشغالهن في تربية أولادهن، وفقاً لـ"العلي"، فإن هنالك ورشات تدريبية نُطلقها على الصفحة الرسمية للمنظمة بشكل دوري لتعليم السيدات مهنة يدوية كـ"فنون الخياطة والكوافيرة ومحو الأمية ونسج الصوف، والأشغال اليدوية والرسم وإعداد المؤن والإسعافات الأوليّة... وغيرها".
وهذه الورشات في معظمها تكون إيجابية ونسبة انعكاسها من ناحية الاستفادة للسيدات 80 بالمئة، واعتمادهن على الحرفة التي تعلمتها تلك النسوة في مواجهة حالها المعيشي.
دعم محدود
وفي سياق ذلك، تعمل بعض المنظمات الإنسانية العاملة في منطقة إدلب كـ"تكافل الشام ومسرّات" على دعم مشاريع صغيرة للمرأة مادياً وتتراوح قيمة الدعم لهذه المشاريع ما بين 1000 إلى 2000 دولار.
ويؤكد العامل في منظمة تكافل الشام "عبد الرحمن مصطفى" أن المنظمة تعمل بشكل دوري على طرح استبيانات إلكترونية من شأنها معرفة عدد المهن وطبيعتها التي تتقنها النساء في منطقة إدلب، ومدى نجاحها في حال دعمها والنتائج المتوقعة للمشروع، ومن ثم إجراء كشوفات على تلك المهن ومدى خبرة المتقدمات، مع مراعاة المساحة المكانية لكل مشروع والمواد الأولية له والحال الاقتصادي للمستفيدات.
خلال إعداد هذا التقرير التقينا عددا من المستفيدات من هذه المشاريع، منهن السيدة "ثناء الحسين" التي أكّدت أنها حصلت على مبلغٍ قدره 1500 دولار لدعم مشروعها الصغير في إعداد المؤن، كذلك السيدة "ماجدة العبد الله" التي حصلت على ذات المبلغ دعماً لمشروعها في حياكة الملابس وشراء ماكينة خياطة جديدة لتوسيع عملها".
مشاريع لا تفي بالغرض
وعلى الرغم من استفادة النساء اللواتي ذكرنا أمثلة عنهن، فإن مدير المركز المدني في الأتارب "محمد شاكردي" يرى أن مشاريع الحماية تحديداً غالباً ما تكون دون توقعات النساء، إذ يتم تنفيذ المشاريع في معظمها بشكل مفاجئ دون إجراء أي مسحٍ للاحتياجات الحقيقية للنساء، الأمر الذي يسفر عن استفادة عدد قليل من النسوة.
ووصف شاكردي في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" هذه المشاريع بأنها جيدة في معظمها، معتبراً أن الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة هي أقوى من هذه المشاريع من ناحية انتشار البطالة، والفقر وغيرها، مبيناً أنه يتم التعامل مع هذه المشاريع في أولوياته على الفائدة المادية أكثر من فائدتها المعنوية والنفسية بسبب وجود التعويضات أو دعم للمبادرات الصغيرة للنساء.
وأكّد على أن الوضع الحالي تحديداً يحتاج إلى التعامل بشكل حقيقي مع مشكلات النساء حتى تصبح هذه المشاريع ذات فائدة على أرض الواقع، مشدداً على ضرورة الإطلاع بشكل فعلي على مشكلات النساء والاقتراب منهن، من أجل تنفيذ مشاريع تساعدهن في أخذ مكانهن الحقيقي، مع مراعاة التخفيف من مشكلاتهن اليومية والمتراكمة طوال السنوات الماضية.
بدورها، تؤكد الناشطة "لمى ناصر" العاملة في جمعية حواء النسائية، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا" على أن دور النساء معدوم تماماً في إدارة المجالس المحلية في المنطقة، وأن المرأة المتعلمة على وجه الخصوص لا ترى مخرجاً لها إلا في القطاع التعليمي كـ"مدرسة" لا أكثر، إذ تشغل فيه النساء حيزاً كبيراً.
في حين يغيب حضور المرأة على المستوى الإداري بشكل شبه كامل، لافتةً إلى أن امرأة واحدة قد تشغل منصب مديرة مدرسة في منطقة تضم عشرات المدارس، مؤكدةً أن المستوى القيادي للقطاع التعليمي للنساء قليل بالنسبة للمقدرات وعدد الإناث.
وترجع ذلك إلى سبب رئيسي، وهو نظرة المجتمع الدونية للمرأة، وعدم تقبلهم وجودها في العمل الإداري، واقتصار عملهن الإداري على المدارس، لا سيما أن المتحكم هم الغالبية الذكورية الذين يسيطر على تفكيرهم أنه يجب أن لا تقودهم امرأة، وفق قولها.
وبيّنت أن المجتمع في منطقة إدلب يرى أن مكان النساء في منازلهم، وأكثر مهنة مقبولة لها برأي المجتمع هي التدريس والعمل مع الإناث، دون اختلاطهن مع الرجال.
جذور المشكلة
يقول المدرب في مؤسسة بدائل "عبد الله الديري" لـ"تلفزيون سوريا" إن المشكلات الفعّالة التي تقف أمام تمكين المرأة في المجتمع هي غياب الجهات المكمّلة لبعض المشاريع التوعوية للنساء، التي بدورها تمهّد لها الطريق لأخذ دورهن الحقيقي في المجتمع، بالإضافة إلى انعدام التنسيق بين الجهات القضائية في الشمال السوري، وعدم وجود نقابة حقيقية تحمي حقوق النساء في المنطقة".
وأشار إلى أن الحكومة القائمة في إدلب "الإنقاذ" تبدي اهتماماً كبيراً في القضايا التي تخصّ النساء على مستوى حمايتهن من عدم التعرض لهن وكسبهن معظم القضايا في المحاكم.
وبخصوص ردّه على المشاريع الصغيرة التي ساعدت العديد من النساء، اعتبر الديري" أن هذه المشاريع انعكست إيجاباً على عددٍ قليل من النساء، وأن بعض النساء اعتبرتها مكسباً مادياً وقامت بشراء مستلزمات المشروع وباعته بعد أيام، الأمر الذي أرجعه إلى غياب التوعية الثقافية الذي افتقدته العديد من المنظمات القائمة على دعم هذه المشاريع الصغيرة.
وأكّد على أن هذه المشاريع كان من الممكن نجاحها مئة بالمئة إذا استمرت مراقبتها بشكل أسبوعي أو شهري لحثّ المستفيدين على قيمة هذه المشاريع وكيفيّة استثمارها.
ولفت إلى أن معظم المشاريع التي يوافق عليها من قبل الداعمين تكون محدودة في أشهر قليلة، إذ تتراوح مدة المشاريع من 6 أشهر إلى سنة، الأمر الذي وصفه بـ"حقل التجربة".
تمكين المرأة السورية
ودعا الديري إلى توظيف المشاريع الداعمة للمرأة وفقاً لمتطلبات كل منظمة على حدى كـ"الإسعافات الأوليّة تدعمها منظمة طبية ومحو أمية منظمات تربوية ومشاريع صغيرة خدمية تدعمها منظمات خدمية وإنسانية".
وشدّد "الديري" في حديثه لـ"تلفزيون سوريا" على ضرورة أن تستمر المشاريع التي تخصّ تمكين المرأة اقتصادياً لسنوات، مع مراعاة خطة دعم النسوة المستهدفة بشأن مساعدتهن في تفادي الأخطاء، بهدف حصد نتائج مثمرة للمشاريع.
ومن وجهة نظر المدرب فإن أفضل الحلول لحماية المرأة وتمكينها هو العمل الدؤوب لمنظمات المجتمع المدني في مشاريع حماية المرأة وتوعيتها وخاصّة النساء التي لا تمتلك تحصيلا علميا ممتازا، كـ"طرح دورات توعوية بالأمور التقنية وقضايا الابتزاز الإلكتروني، والأمور القانونية من حقوق وواجبات تنص عليها مبادئ حقوق الانسان".
لكن الناشط الحقوقي "مهند سلامة" يرى أن أفضل الحلول لتمكين المرأة اجتماعياً هو إقرار قانون من حكومة الإنقاذ ينص على وجود نسبة مئوية للنساء في كافة المؤسسات الحكومية.
وأوضح في حديث لموقع "لتلفزيون سوريا" أن كثيرا من النساء بحاجة فعليّة إلى أطراف نسوية للتعامل معها في أمور عدّة أبرزها الخدمية والإغاثية والطبية، مؤكداً أن الكثير من النسوة يشعرن بالخجل والارتباك في أثناء تعاملهن مع أحد الرجال في المؤسسات الحكومية أو المنظمات الإنسانية.
التغيير خلال الثورة السورية
وتعتقد السيدة "سلمى المارد" في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا" أن الحياة النمطية للمرأة بدأت تتغير تدريجياً منذ سنوات فكثير من العادات والتقاليد والنظرات النمطية تغيرت في ظل الثورة السورية التي أجبرت المرأة على أن تكون موجودة وتشارك في مجالات عدّة، وخاصّة النساء اللاتي فقدن أزواجهن وأولادهن.
لكن المشكلة برأيها التي لم تجد لها حلاً إلى اليوم هي مواصلة استبعاد المرأة عن المناصب القيادية في شمال سوريا، وتزايد عدد الذكور مقارنة بالإناث في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.
ويبلغ عدد المراكز النسائية التابعة للدفاع المدني في شمال غربي سوريا، 33 مركزاً، وتعمل فيها 228 متطوعة، علماً أن العدد الكلي لمتطوعي الخوذ البيضاء يزيد على 2.800 متطوع ومتطوعة، وفقاً لمدير المؤسسة "رائد الصالح".
وفي دراسة لمركز عمران للدراسات نشرها منتصف عام 2018 تركزت وقتها حول مشاركة المرأة السورية في العمل، خلصت وقتها على أن المرأة لم تشهد مشاركة فعلية كبيرة في إطار صنع القرار في المجالس المحلية قط منذ اندلاع الثورة السورية.