وصلت في الآونة الأخيرة تعزيزات وصفت بـ "الكبيرة" إلى محافظة السويداء حيث تمركزت ضمن نقاط أمنية ومواقع عسكرية في المحافظة، مما آثار التساؤلات عن هدف نظام الأسد من هذه الخطوة في هذا التوقيت، وهل الهدف منها احتواء الحراك المستمر منذ 20 آب/أغسطس الماضي، أم إنها تأتي في إطار تعقيدات المشهد الإقليمي من جراء الحرب على غزة والضربات الإسرائيلية التي استهدفت شخصيات إيرانية ومواقع عسكرية سورية، إضافة للتطورات في جنوبي لبنان بين حزب الله وإسرائيل.
تحذيرات من التصعيد
شهدت محافظة السويداء بيانات صدرت من شخصيات مؤثرة على ساحة المحافظة حذرت فيه من التصعيد على خلفية إرسال النظام تعزيزات عسكرية.
وأصدر شيخ عقل "طائفة الموحدين" حكمت الهجري بيانا حذر فيه من أي تصعيد أو تحريك أو تخريب أو أذية مهما كان نوعها"، لافتا إلى أن "الشعب مستمر، ومثابر بأعلى صوته وسلميّته ورقيّه لطلب حقوقه عبر النداءات المحقّة بسلمية".
كما زار قائد حركة الكرامة الشيخ أبو حسن يحيى الحجار، دارة الرئاسة الروحية في قرية قنوات، والتقى مع الشيخ حكمت الهجري، وشدد الجانبان على رفض التصعيد في المنطقة.
وفي لقاء آخر جمع الحجار والسيد عاطف هنيدي في دارة المجدل بالريف الغربي للسويداء، وشدد الجانبان أيضاً على الاستمرار بالاحتجاجات السلمية ورفض التصعيد.
كما عُقد اجتماع مماثل، في دار عرى، بدعوة من لؤي الأطرش، ضم شيخي العقل يوسف جربوع وحمود الحناوي، وقالت أطراف الاجتماع إنها ستبذل كافة الجهود لمنع التصعيد في المنطقة.
التعزيزات ليست جديدة
كشف سكان قرية رساس التابعة للسويداء لموقع "تلفزيون سوريا" أن النظام كان يرسل تعزيزات بالخفاء منذ أكثر من 3 أشهر، وليس قبل أسابيع فقط كما يتم التداول في وسائل الإعلام.
وقال "أ.ح"، أحد سكان القرية، إن تعزيزات النظام الأمنية بدأت منذ أكثر من 3 أشهر، عندما كشف أهل القرية حادثة دخول حافلة ضلت طريقها إلى وسط القرية كانت تقل عناصر مسلحة لا تبدو على هيئتهم أنهم من جيش النظام وإنما من الميليشيات الإيرانية.
ويهدف النظام من وراء إرسال التعزيزات، وفقا لصحفية معارضة رفضت الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، أولا تعزيز موقف العصابات المرتبطة بالأمن وبعض الشخصيات المتأرجحة أمام شبه إجماع أهالي المحافظة على مواصلة الحراك ضد النظام.
وتوضح الصحفية أن المتأرجحين موقفهم ضعيف ولا يستطيعون الوقوف في وجه الأكثرية وتهديد الحراك لأن ذلك سيكون عارا تاريخيا على تلك الشخصيات بسبب الطبيعة العشائرية التي تتميز بها السويداء.
وتضيف أن الهدف الثاني قد يندرج باتجاه بناء أرضية لتطويق المحافظة وترهيبها والضغط عليها وهذا الفعل لم يحصل بين ليلة وضحاها".
ووفقاً للصحفية، فإن هناك عاملان أساسيان يحميان السويداء من الخطر، الأول التماسك الداخلي للمجتمع والثاني وهو العامل السياسي الذي يتجاوز المحلي فهناك تعقيدات إقليمية لا يمكن تجاوزها من قبل النظام إذ أن الاتحاد الأوروبي في مؤتمر بروكسل قد نوه بأن لا تطبيع مع النظام قبل تنفيذ الحل السياسي وفق القرار الدولي 2254.
التعزيزات عززت من قوة الحراك
كذلك، يرى الصحفي المعارض حازم العريضي بأن تعقيدات المشهد الإقليمي ما تزال حتى اللحظة تمنع النظام من التجرؤ على المساس بحراك السويداء.
ويقول العريضي، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، إن التعزيزات العسكرية لها تداعيات إيجابية على الحراك في المحافظة، وإن "الكثير يشكرون حماقة النظام لأنه بتصرفه هذا أعاد تقوية اللحمة في المجتمع الأهلي بالسويداء واحتضانه للحراك".
ويضيف أن "ما يحصل بالسويداء من تعزيزات أمنية يأخذ وجهين من التحليلات، الأول والأوضح هو لردع الحراك، والثاني يتعلق بالوضع الإقليمي الذي لم يبرز في الوقت الحالي لضبابية المشهد".
هل يدخل النظام بمواجهة عسكرية مع الحراك؟
يقول أستاذ في العلاقات الدولية بالمركز الدولي للجيوبوليتيك في باريس، الدكتور خطار أبو دياب، بأنه "إذا نظرنا إلى سلوك النظام حيال تحركات محافظة السويداء منذ أغسطس/آب العام الماضي نلمس نوعا من الترقب ونوعا من محاولة عدم الوصول إلى الصدام مع الحراك بمعنى آخر هو ما يزال موجودا في المحافظة ولديه فريق مؤيد له فضلاً عن أنه يعتبر الحراك غير مهدد لنظامه إلى الآن ولا يهدد مصالحه الحيوية خاصة أنه (الحراك) لم يتسع ليشمل باقي المكونات السورية، لذلك يجد النظام نفسه في وضع غير المستعد للقيام بصدام ضد حركة سليمة".
ويضيف أبو دياب، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن سلوك النظام ترتبط بالطابع الإقليمي حيث إن منطقة جنوبي سوريا منطقة مجاورة للأردن لها علاقة بالصراع الإقليمي العام".
ويستدرك الباحث قوله، "لكن هذ لا يعني أن النظام إذا لم ينجح في ترتيب انقسامات أو في إيجاد اختراقات بأنه سيسمح باستمرار الحراك وتصاعده فالمسألة مرهونة بأوقاتها".
كما أن تماسك الأكثرية داخل المحافظة تردع النظام عن المواجهة لأنه يأخذ بالاعتبار الدروس التاريخية.
النظام لا يملك ذرائعه المعتادة
يستبعد أبو دياب أن يدخل النظام بمواجهة عسكرية مع أهالي السويداء ويرى أن التعزيزات ربما يكون هدفها حصار الحراك. ويقول الباحث إن النظام حاول دوما مع السويداء المجيء من الأبواب الخلفية ولم يجرؤ منذ 2014 و2015 على المجيء بالمواجهة المباشرة وهو الذي حرك داعش في عام 2016 ضد المحافظة.
ويضيف أبو دياب، أما الآن اعتقد أن الأوضاع مختلفة، سابقاً كان يستخدم شماعة الإرهاب، وحالياً ليس لديه ذرائع حتى إذا حاول استخدام رواية كبح عصابات الجريمة المنظمة وعصابات التهريب إلا أن الكل يعلم أنه هو الذي يحرك عصابات الجريمة المنظمة وعصابات التهريب لذلك حججه وذرائعه ضعيفة.
كما أن وعي الجماهير في السويداء يحول دون الانجرار إلى استفزازات النظام، وفق الباحث.
التلويح بورقة داعش
ترافقت التعزيزات العسكرية على المحافظة بما أعلنه عن اكتشاف خلية لتنظيم "داعش" غربي مدينة السويداء.
وقال مصدر خاص مطلع من داخل السويداء، رفض الكشف عن اسمه لاعتبارات أمنية، إن "ما يجرى هو تمثيلية هدفها الترهيب حيث ادعى القبض على شابين واتهامهما بأنهما خلية نائمة لتنظيم الدولة".
وأضاف المصدر، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، أن الشابين ينحدران من منطقة دوما بريف دمشق ويعملان في البيارة والمشاريع الزراعية وليس لهما علاقة بداعش.
وكان إعلام النظام أعلن مطلع أيار/مايو الجاري بأن "الجهات المختصة في محافظة السويداء ألقت القبض على خلية إرهابية من تنظيم "داعش" حاولت تنفيذ عملية إرهابية ضد المدنيين في أحد أحياء مدينة السويداء"، مشيرة إلى أنه "تم قتل إرهابي حاول تفجير نفسه بالحزام الناسف الذي كان يرتديه، وإلقاء القبض على إرهابي آخر بحوزته حزام ناسف آخر".