يمول التحالف الدولي الذي تترأسه الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم الدولة، عملية توسيع ضخمة لسجن كبير يقع في شمال شرقي سوريا، إذ من المحتمل لهذه الخطوة أن تحد من نسبة الهروب من السجن، لكنها لا تشير إلى أي تحسن يلوح في الأفق بالنسبة للتعامل مع قضية المقاتلين المحتجزين سواء من الأجانب أو من أهالي المنطقة.
وتقوم هذه العملية على توسيع سجن غويران الموجود في الحسكة إلى ضعف مساحته، إذ يتألف هذا السجن بالأصل من ثلاثة مبان كانت مخصصة لمدرسة وتم تحويلها لسجن يؤوي حالياً خمسة آلاف سجين تقريباً بحسب ما ذكره اللواء كيفين كوبسي من الجيش البريطاني، وهو نائب قائد التحالف بالنسبة للتخطيط الاستراتيجي.
توسعة سجن غويران وفق معايير الصليب الأحمر
يذكر أن هذه السجون المؤقتة تدار من قبل قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تتلقى الدعم من قبل التحالف الدولي. فقد قدم هذا التحالف على مدار السنوات الماضية التمويل والدعم لتشديد قبضة قسد الأمنية في تلك المنطقة. كما أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع البريطانية بأن المملكة المتحدة تقوم بتمويل الجهود المبذولة في الحسكة، ضمن ما سماه كوبسي: "توسيعاً مهماً جداً". وبمجرد أن يتم الانتهاء من عملية التوسيع تلك، يمكن لهذا السجن المتداعي والمزدحم بالنزلاء أن يصبح موافقاً لمعايير الصليب الأحمر حسبما ذكر كوبسي.
وحذر مسؤولون عسكريون منذ سقوط دولة الخلافة التابعة لتنظيم الدولة في عام 2017 من احتمال عدم تمكن قسد من إبقاء السجون تحت سيطرتها لأجل غير مسمى، وذلك لأن المقاتلين المتمرسين يمكن أن يهربوا من تلك السجون المتهالكة، ليعودوا بعد ذلك إلى ساحة القتال. إلا أن التحالف لم تكن لديه حلول أفضل من دعم سجن الحسكة المكتظ الذي يديره سجناء من الداخل.
وحول ذلك يقول كوبسي: "إننا نعترف بأن عناصر تنظيم الدولة في هذه المنطقة هم من يتم إرسالهم إلى ذلك السجن بصورة أساسية".
تسهيل عمليات التفتيش داخل السجن
فالهدف حسبما ذكر الفريق بول كالفيرت وهو قائد مهمة التحالف التي تترأسها الولايات المتحدة هو السماح لقسد بتحقيق سيطرة أكبر على السجون داخلياً. إذ بالرغم من أن قسد تقوم بين الفينة والأخرى بمداهمة السجون وإجراء تفتيش على الهواتف النقالة وغير ذلك من السلع المهربة، إلا أن نسبة عدد السجناء إلى عدد الحرس يجعل من القيام بتلك العمليات مهمة خطيرة ونادرة الوقوع نسبياً.
وأضاف الفريق في مقابلة أجريت معه في مقر التحالف ببغداد يوم الجمعة الماضي: "ما يتيحه هذا التوسيع لهم هو عملية نشر للسجناء بما يمنع من تشكل تلك العلاقات والشبكات التي تنمو داخل تلك السجون".
وقد ذكر الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع في بيان له بأن تلك المساعي تشتمل على: "المشورة الفنية والتمويل المقدم لدفع النفقات والتوسيع" المخصص لهذا السجن، ويندرج ذلك "ضمن جهود ترسيخ الاستقرار الشاملة التي يسعى التحالف الدولي لإرسائها في تلك المنطقة".
وبالرغم من أن جهود التوسيع هذه تقوم المملكة المتحدة بتمويلها، إلا أن الولايات المتحدة قامت هي أيضاً بتخصيص ميزانية لإقامة تحسينات أمنية في تلك السجون، والهدف الأساسي من ذلك هو تعزيز الأمن والاستخبارات في المحيط الخارجي للسجن حسبما ذكر كالفيرت عندما قال: "هنالك بعض الأمور التي بوسعنا القيام بها والتي تقدم لنا فرصة أفضل لفهم الشبكات التي تظهر داخل تلك السجون. إذ كلما أصبح بوسعنا فهم تلك الشبكات بصورة أفضل وما يرتبط بها خارج السجن، زادت قدرتنا على استخدام تلك الوسيلة لاستهداف العناصر الموجودة خارج تلك العملية والعمل ضدها".
وقد ذكر مسؤول عسكري أميركي بأن هناك بعض عمليات المراقبة التي تتم داخل السجون، ويشمل ذلك تركيب أجهزة تنصت، ومراقبة استخدام الهواتف الخلوية إلى جانب نشر كاميرات للمراقبة.
هذا وقد ورث الرئيس بايدن مشكلة من سلفه أقضت مضجعه، وذلك لأن كبار المسؤولين أرهقهم التفكير بما يجب أن يفعلوه لنحو 12 ألف سجين ضمن سجون قسد طوال السنوات الماضية، دون أن يحققوا أي نتائج طيبة. إذ إن معظم السجناء من العراق أو سوريا، إلا أن نحو ألفي سجين ينضوون تحت فئة المقاتلين الأجانب والتي يعتبرها المسؤولون الأميركيون أكبر مشكلة. فقد أخفقت أميركا بالضغط على حلفائها الأوروبيين، بينهم المملكة المتحدة، حتى يقوموا بإعادة هؤلاء المقاتلين ومحاكمتهم في محاكم بلادهم. غير أن بريطانيا قامت بتجريد مقاتلي تنظيم الدولة الذين يحملون جنسيتها من تلك الجنسية، كما قامت الولايات المتحدة في شهر تشرين الأول الماضي بتوجيه اتهامات لمقاتلين بريطانيي المولد ينتميان لتنظيم الدولة وحولتهما للمحاكمة في المحاكم الأميركية.
مساعدة "قسد" في إدارة السجون لحين إعادة عناصر التنظيم إلى بلدانهم
وعن ذلك يخبرنا كوبسي فيقول بأنَّ جهود التوسيع: "تعكس حدود ما يمكن للتحالف القيام به... إذ بوسعنا أن نقوم بتمويل البنية التحتية المخصصة للمعتقلين، كما بوسعنا تقديم نظم غير فتاكة لقسد حتى تقوم بإدارة تلك السجون، وبوسعنا أيضاً أن نستعين بوجودنا وعلاقاتنا لمحاولة توحيد العديد من المنظمات الدولية، وبالطبع نشر ذلك ضمن المجتمع الدولي حتى يتفق الأطراف فيما بينهم على حل دائم لتلك المشكلة".
إلا أن كالفيرت أتى جوابه مغايراً حين قال: "ما نريده حقاً هو إجلاء من تم اعتقالهم وإعادتهم إلى البلاد التي أتوا منها".
غير أنه لم يتضح على الفور ما إذا بقي في سجن الحسكة مقاتلون أجانب حتى اليوم، أم أنه أصبح يؤوي فقط مقاتلين من سوريا والعراق، بعدما حبس فيه مقاتلون أجانب فيما مضى بحسب ما ذكره مسؤول سابق اطلع على هذا الموضوع.
ثم إن المقاتلين المحليين يمثلون مشكلة هم أيضاً، وذلك لأن الكيان الذي يحتجزهم وتمثله قسد لا يمثل حكومة معترفاً بها دولياً، مما يجعل مسألة إقامة نظام قضائي شرعي أمراً مستحيلاً. وقد تمت محاكمة البعض في محاكم عراقية، بيد أن تلك المحاكمات التي تمت في عجالة تعرضت لانتقادات واسعة وذلك بسبب الفشل الذي منيت به عملية التقاضي.
هذا ولقد نجح التحالف باستعادة المناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة في يوم من الأيام، إلا أن المسؤولين العسكريين يرون بأن فلول هذا التنظيم لم تقل فعاليتهم أو نشاطهم عن السابق، بل على العكس، فقد أتى التفجير الانتحاري الأخير الذي وقع في قلب بغداد نتيجة "لثلاثة إلى أربعة أشهر من الجهود التي تم من خلالها تهيئة الظروف التي تساعد على تحقيق ذلك" بحسب ما ذكره كالفيرت.
ثم إن احتمالات ظهور تمرد محدود في كل من العراق وسوريا ماتزال قائمة، حسبما أكد كالفيرت وغيره. ففي سوريا على وجه الخصوص يبدي كالفيرت قلقه حيال نشاط تنظيم الدولة في منطقة البادية التي يسيطر عليها النظام، بما أن الولايات المتحدة لم تعد موجودة هناك.
وعن ذلك يخبرنا كالفيرت فيقول: "لو سنحت فرصة لتنظيم الدولة حتى يعاود ظهوره، فأعتقد أن البادية يمكن أن تصبح بؤرة لذلك التنظيم".
مخيم الهول.. 65 ألف امرأة وطفل محتجزون
وثمة مشكلة أخرى منفصلة لكنها لا تقل في خطورتها عن هذه المشكلة، وتتمثل بوجود ما يقارب من 65 ألف امرأة وطفل محتجزين في مخيم الهول للنازحين، والذي يقع في شمال شرق سوريا، وذلك لأن الظروف الإنسانية فيه سيئة جداً، ولهذا يبدي مسؤولون عسكريون عظيم القلق حيال احتمال تطرف المحتجزين فيه، خاصة بين صفوف زوجات المقاتلين الذين انتسبوا إلى تنظيم الدولة واللاتي يعملن على إقامة علاقات وشبكات ونشر عقيدة العنف التي تبنتها تلك الجماعة.
وحول ذلك يقول كوبسي: "أضحت هذه المشكلة مصدر القلق الأكبر بالنسبة لنا حالياً مقارنة بمشكلة المعتقلين".
وذلك لأن نسبة الأطفال كبيرة بين المقيمين في مخيم الهول، كما أن ثلثي هذا العدد من الأطفال ما يزالون تحت سن الثامنة عشرة، وأكثر من نصفهم تحت سن الثانية عشرة وفقاً لما ذكره كالفيرت. ثم إن زوجات مقاتلي تنظيم الدولة ينفذن برنامج تلقين عقائدي بصورة يومية، كما يتم تصدير ما يعرف باسم الأشبال عبر القنوات السرية خارج مخيم الهول، ليصلوا إلى البادية السورية، حيث يتلقون هناك تدريباً إضافياً، ويتم الاستعانة بهم بوصفهم مقاتلين منتمين لتنظيم الدولة.
وهنالك عمليات تهريب للأسلحة تتم داخل وخارج السجن كما وصف كالفيرت.
هذا ويشتمل سجن الحسكة على جناح مخصص للنساء فقط إلى جانب مركز لإعادة تأهيل الأحداث الذي تم دعمه عبر الأموال التي قدمها التحالف وفقاً لما ذكره كوبسي، وقد تجلى ذلك بتأمين المياه النظيفة والمرافق الصحية واللوازم الطبية، وعن ذلك يقول كوبسي: "أعتقد أن ذلك يمكن أن يتحول إلى أنموذج لما يمكن أن يستحدث مستقبلاً، أي إنشاء المزيد من تلك المرافق على هذه الشاكلة".
وبحسب ما يراه كوبسي، فإن التحالف يقوم أيضاً بالبحث في مسألة تمويل عملية بناء مركز لإعادة تأهيل الشباب يمكن أن يستوعب ما يصل إلى خمسمئة شاب "إذ يعتبر ذلك طريقة جيدة لدفعهم نحو فك ارتباطهم بمجرمي تنظيم الدولة الموجودين في مخيم الهول"، إلى جانب إقامة مراكز احتجاز مخصصة للنساء، "وهكذا يمكنك أن تواجه التطرف على دفعات صغيرة بدلاً من مواجهته ضمن مساحات واسعة داخل مخيم الهول".
هذا وقد ناشد كالفيرت المجتمع الدولي حتى يقوم بتكثيف جهوده في مكافحة التطرف، واقترح تطوير تلك البرامج داخل السجون بغرض استهداف الشبان الذين مايزالون يافعين أو في أوائل العشرينيات والذين حاولت قسد أن تفصلهم عن النزلاء الأكبر منهم سناً.
ويتابع كالفيرت بالقول: "يمكنك أن تحقق الكثير من المكاسب إذا ركزت في برنامجك على تطوير مهارات العمل ومساعدة هؤلاء في التعرف على أشياء أخرى غير عقلية تنظيم الدولة، إلى جانب تطوير رؤيتهم للعالم".
إلا أن كالفيرت وكوبسي ذكرا بأن أدوات الجيش ماتزال محدودة نسبياً في نهاية الأمر، فالمشكلة سياسية وإنسانية، وليست عسكرية، ويرى كالفيرت بأن المشكلة الأكثر إلحاحاً هي تأمين السجون بحد ذاتها، وحول ذلك يقول: "إذ حدثت حالة هرب هناك، فإن هذه القوة القتالية الفورية التي عادت من فورها إلى تنظيم الدولة قد أصبحت مستعدة وجاهزة بل وقادرة على القتال كونها ماتزال ملتزمة بتلك الفكرة".
المصدر: ديفينس وان