أثار الصدام والاشتباك المسلح بين "هيئة ثائرون للتحرير" وغرفة القيادة الموحدة "عزم" خلال الاحتفالية المركزية بالذكرى الحادية عشرة للثورة السورية التي أقيمت في مدينة مارع شمالي حلب يوم أمس الجمعة، غضباً وجدلاً واسعاً بين الأوساط الشعبية للثورة، والتي يبدو أنها قد فقدت الأمل بطي حقبة الصراعات والانقسامات بين الفصائل.
وحضر الاحتفالية مئات المتظاهرين ورئيس الائتلاف الوطني سالم المسلط، ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، ومسؤولين آخرين من الحكومة المؤقتة والائتلاف والنقابات وناشطين وممثلين عن الفعاليات الشعبية والثورية.
كما شارك عدد كبير من قادة فصائل الجيش الوطني، بينهم سيف أبو بكر ومعتصم عباس وقادة آخرون في مجلس قيادة هيئة "ثائرون"، وأبو أحمد نور وآخرون في مجلس قيادة غرفة عزم، إلى جانب المئات من عناصر عزم وثائرون كعناصر حماية انتشروا بين المحتفلين وفي محيط موقع الاحتفالية وسط المدينة.
ورفعت الجماهير المحتفلة أعلام الثورة وصوراً لعبد القادر الصالح ولافتات تمجّد الثورة، وردد المحتفلون أناشيد الثورة وشعاراتها.
ولم يمض وقت قصير، على الرغم من اندماج قادة الفصائل ومسؤولي الائتلاف والمؤقتة الذي اصطفوا مقابل منصة الرئيسية بأجواء الحفل وهتافات الجماهير، حتى عمت الفوضى وأصوات الرصاص الكثيف المكان، مما اضطر قسم كبير من الحاضرين إلى المغادرة.
خلاف على إلقاء الكلمات على المنصة
قالت مصادر متطابقة لموقع "تلفزيون سوريا" إن "سبب الصدام المباشر بين الفصيلين، هو صعود أبو أحمد نور قائد عزم إلى منصة الاحتفالية لإلقاء كلمة خاصة بالمناسبة تلبية لطلب أحد منظمي الاحتفالية وهو ما لم يعجب قادة "ثائرون" ومسؤولي المؤقتة لأن كلمة نور غير مدرجة في برنامج الحفل.
وعندما بدأ "أبوأحمد نور" قائد جبهة الشامية و"عزم" إلقاء كلمة على المتظاهرين، غادر رئيس الائتلاف ورئيس الحكومة المؤقتة وقائد فرقة الحمزة سيف بولاد الاحتفالية، ليعطي القيادي في الجبهة الشامية "الشيخ جمعة" أوامر بإطلاق النار على كل من يخرج من المظاهرة أثناء القاء قائدهم الكلمة، حسب شهود عيان.
وقال أحد شهود العيان: كان إطلاق النار بشكل مباشر على سيارات الوفد التابع للائتلاف والحكومة المؤقتة وسيارة سيف بولاد، حتى لا يتمكنوا من الخروج، ما تسبب بحالة ذعر ورعب بين المتظاهرين.
وحصل موقع تلفزيون سوريا على تسجيل مصور لإطلاق الرصاص الذي لم يصب أحداً.
وعمت الفوضى نتيجة صدامات مباشرة بين الطرفين لم يستخدم فيها الرصاص المباشر، وعمل عناصر الحماية في الطرفين على تأمين إخلاء القادة ومسؤولي المؤقتة والائتلاف.
في المقابل تتهم "عزم" هيئة "ثائرون" بأن عناصرها هم من بدؤوا بإطلاق الرصاص في الهواء بهدف تخريب الاحتفالية ومنع أبو أحمد نور من إلقاء الكلمة لأن المنظمين لم يعطوا فرصة مماثلة لأحد قادة ثائرون.
كما راحت حسابات تابعة لعزم في تليغرام إلى أبعد من ذلك متهمة عناصر ثائرون بضرب رئيس الائتلاف سالم المسلط، واستهداف المحتفلين بالرصاص بشكل مباشر بطريقة تشبه إلى حد كبير طريقة هيئة تحرير الشام مع المحتجين ضدها، وهو ما نفاه المسلط في بيان تم تداوله بعد الحادثة.
وحاول رئيس الائتلاف، سالم المسلط، التهدئة وتدخل بشكل مباشر لفض النزاع الحاصل، ثم أكمل الوفد المغادر طريقه إلى معبر باب السلامة باتجاه الأراضي التركية.
العداء بين "الشامية" ورئيس المؤقتة وسيف بولاد
والجدير بالذكر أن سيف بولاد هو قائد أحد فصيلين لم ينضما إلى "عزم"، والفصيل الآخر هو فرقة المعتصم، ويجمع الفصيلان علاقة جيدة بعبدالرحمن مصطفى رئيس الحكومة المؤقتة، في حين على النقيض تبدو العلاقة بين "الشامية" ومن بعدها "عزم" متوترة مع مصطفى.
ومنتصف تموز الفائت أُعلن عن تشكيل "عزم"، ثم طرأت عدة اندماجات داخل الغرفة، لتتألف من كتلتين: الأولى كتلة "الفيلق الثالث" ويقودها "أبو أحمد نور"، والثانية كتلة "ثائرون" ويقودها فهيم عيسى قائد فرقة السلطان مراد.
وبعد فشل محاولات ادماج "المعتصم" و"الحمزة" في "عزم"، انضمت الفرقتان إلى كتلة "ثائرون" دون أن تتبع لـ "عزم"، وذلك ضمن اتفاق بين قائدي الفرقتين وفهيم عيسى، الذين كانت تربطه بهما علاقة جيدة.
وأعاد مشهد الفوضى وأصوات الرصاص التي سببها الفصيلان اللذان اختلفا على أجندة الاحتفال وجدول إلقاء الكلمات على المنصة، حالة من إحباط جماهير الثورة المحتفلين من واقع الفصائل.
وعلى عكس المأمول، كان المحتفلون بعيد الثورة بعد مرور أحد عشر عاماً على انطلاقها ينتظرون ربما مفاجأة سارة، كالإعلان مثلاً عن اندماج كامل أو جزئي يوحد الفصائل ويلغي جميع المسميات ويعيد للجيش الحر نشاطه وقوته، ولكن من المؤكد أن المحتفلين لم يكونوا ينتظرون صداماً مباشراً بين قادة كبرى الفصائل ليكشفوا لهم عن واقع انقسامهم القديم المتجدد، ولم يتوقع أحد منهم أن يقطع رصاص الاشتباكات أجواء الاحتفال.
المسلط ينفي تعرضه لاعتداء
ونفى المسلط تعرضه لأي تطاول أو تعد من أي أحد لا في مارع ولا في غيرها من مدن الشمال السوري التي أتنقل بينها في هذه الجولة أو ما سبقها من جولات، وقال: "علاقتي بالجميع ممتازة ومبنية على احترام كبير".
وأضاف: هذا الأمر لا يرضي بعض الحاقدين، وبالتأكيد يلجؤون إلى تلفيق أخبار وخلق أحداث لا أساس ولا صحة لها، واصفاً هذه المحاولات البائسة لن تجد طريقها إلى الناس لأنهم يعرفون الحقيقة، ولا تنطلي أكاذيب كهذه عليهم.
وأوضح أن ما جرى في مارع خلال المظاهرة كان خلافاً بسيطاً بالقرب من المنصة جرى خلاله إطلاق عيارات نارية تحذيرية في الهواء وتم حصر المشكلة، مشيراً إلى أن الفيديو الذي ظهر فيه هو في أثناء إنهائي لخلاف بين صديقين إثر إشكال بينهما على خلفية إطلاق النار.
تبادل للاتهامات وتعزيز للانقسام
في المقابل، اتهمت قناة تليغرام تابعة للإعلام الرديف لعزم، تحمل اسم "سيف الشمال"، بأن الأمر مدبر من قبل "ثائرون".
وقالت القناة في منشور تعليقاً على الفوضى: "والله أجزم أن حادثة مارع مرتب لها من قبل ثائرون حتى لا يخرج الشيخ أبو أحمد نور ويلقي الكلمة، لقد قاموا بتخريب المظاهرة وإطلاق النار العشوائي ولم يجدوا طريقة غيرها لوقف أبو أحمد نور عن إلقاء كلمته".
يشار إلى أن الانقسام بين الفصائل المعارضة بدأ يأخذ شكله الجديد ويتصاعد مع بداية العام 2022 بعد أن شهدت منطقة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي توتراً عسكرياً بين الفصائل على خلفية الاختلاف فيما بينها على معبر أبو الزندين الواصل بين مناطق المعارضة ونظام الأسد.
وكانت هيئة "ثائرون" تحاول افتتاحه كمعبر تجاري مستفيدة من ثقلها العسكري بعد أن أصبحت كتلة كبيرة، ففي 23 كانون الثاني/يناير الماضي، أعلنت ضمها للجبهة السورية للتحرير إلى صفوفها، والجبهة تضم فصيلين كبيرين، هما فرقتا المعتصم والحمزة، ومع انضمامهما أصبح اسم التشكيل الجديد هيئة ثائرون للتحرير.
إعلان ضم الفصائل كان بمنزلة الخروج من تحالف عزم الذي بقي فيه الفيلق الثالث وحيداً في مقابل كتلة من الفصائل المنافسة التي يقودها فهيم عيسى، وبدا التوتر والاحتقان بين الطرفين واضحاً.
في تلك الفترة صرح أبو أحمد منغ أحد قادة عزم في تليغرام قائلاً: "لم أكن أتوقع أن تجتمع بعض الفصائل وتعلن اندماجها تحت شعار الثورة من أجل أن تفتتح معبراً في نهاية المطاف مع عصابات الأسد، هل يهدف الاندماج لجمع الكلمة أم ليحيك المكائد للفيلق الثالث الذي أثبت نجاحه وقوته وتنظيمه على مختلف المستويات".
وكان من المتوقع في ظل هذه الأجواء المشحونة زيادة التوتر بين الكتلتين مع وجود قضايا خلافية أخرى بينهما، لا سيما قضية فرقة السلطان سليمان شاه وزعيمها أبو عمشة.
وفي بداية شهر آذار/مارس الحالي أثار ظهور زعيم فرقة سليمان شاه محمد الجاسم "أبو عمشة" خلال لقاء جمعه مع قادة ثائرون ومسؤولين في الحكومة المؤقتة بريف حلب جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية، التي رأت في ظهوره تحدياً واضحاً لعزم، والتي حكمت بعزله من جميع المناصب القيادية في الثورة، ونفيه من معقل فصيله في ناحية الشيخ حديد بمنطقة عفرين شمالي حلب.
اللافت في ظهور أبو عمشة الأخير ليس فقط في محاولة الاستفزاز الناجحة التي قامت بها ثائرون مستهدفة عزم، إنما هجوم تحرير الشام على عزم التي تم اتهامها باستخدام ملف الفساد للبغي على الفصائل، وبدا أن تحرير الشام تدافع عن "أبو عمشة" الذي سيكون وفق قادة في عزم وجهاديين مناهضين لتحرير الشام في إدلب، عراباً للتطبيع والتقارب بين تحرير الشام وثائرون.