يتوجه مواطنو الاتحاد الأوروبي في 27 دولة، خلال الأيام القليلة المقبلة إلى صناديق الاقتراع، لاختيار 720 عضواً سيمثلونهم في البرلمان الأوروبي الذي سيحدد مستقبل القارة بشأن العديد من القضايا، على رأسها الأمن والدفاع والمناخ واللجوء، وذلك في الانتخابات المقرر إجراؤها من 6 إلى 9 من حزيران المقبل.
وتُعد قضية الهجرة واللاجئين من أبرز التحديات التي تواجه الحكومات الأوروبية، حيث تتجه الأنظار نحو مواقف الأحزاب السياسية في مختلف الدول الأعضاء بشأن كيفية إدارة ملف اللجوء في المستقبل. وفي ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، تعد سياسة اللجوء من أبرز القضايا المثيرة للجدل، خاصة في ضوء الأزمات الإنسانية المتزايدة والنقاشات المحتدمة حول كيفية التعامل مع تدفقات اللاجئين.
ومؤخراً باتت بعض الاحزاب وعلى رأسها "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" تطالب باعتماد "نموذج رواندا" المثير للجدل الذي تسعى المملكة المتحدة إلى تطبيقه، والذي يقضي بترحيل طالبي اللجوء إلى دولة ثالثة، وبالتالي تطبيق إجراءات أكثر تشديداً من ميثاق الهجرة، الذي وافق عليه الاتحاد الأوروبي العام الماضي، والذي ينص على التعامل مع إجراءات اللجوء على الحدود الخارجية لأوروبا، وليس في دول ثالثة.
ما مواقف الأحزاب في ألمانيا تجاه اللاجئين؟
وفي نهاية شهر آذار الفائت، وافقت اللجنة الانتخابية الاتحادية في ألمانيا، على ترشيح الأحزاب والمنظمات السياسية التي ستخوض الانتخابات الأوروبية لعام 2024، والبالغ عددها 35 حزباً ومنظمة، وذلك بعد التحقق من المتطلبات الرسمية. وسيختار المواطنون في ألمانيا 96 عضواً لتمثيلهم في البرلمان الأوروبي، ونظراً لتخفيض سن التصويت، يمكن لمن هم في سن 16 و17 عاماً الذهاب إلى صناديق الاقتراع لأول مرة.
وتتباين مواقف الأحزاب الألمانية بشأن قضية اللجوء ما بين الدعوة إلى تشديد الإجراءات والمراقبة الحدودية، إلى المطالبة بسياسات إنسانية أكثر انفتاحاً واستيعاباً. ويستعرض هذا التقرير باختصار، مواقف الأحزاب الألمانية الرئيسية تجاه سياسية اللجوء بحسب ما جاء في برامجها الانتخابية الخاصة بالانتخابات الأوروبية لعام 2024.
الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)
في برنامجه الانتخابي للبرلمان الأوروبي، يدعو "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" وهو حزب المستشار الألماني أولاف شولتز، إلى اعتماد "سياسة هجرة ولجوء ترتكز على التضامن" وتوازن بين "الإنسانية والنظام". ويرى الحزب أن الحق الفردي في اللجوء يشكل "أساساً جوهرياً في السياسة الديمقراطية الاجتماعية" ولا يمكن التنازل عنه، إلى جانب الالتزام الصارم بالقانون الدولي للاجئين.
رغم رضا "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" عن "ميثاق الهجرة واللجوء" الذي وافق عليه البرلمان الأوروبي في عام 2023 بشأن إصلاح نظام اللجوء الأوروبي المشترك، إلا أنه ما يزال يلاحظ وجود أوجه قصور في اللوائح المتعلقة بالعائلات التي لديها أطفال في إجراءات اللجوء على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. وبالنسبة له يجب التركيز على معالجة طلبات اللجوء الفردية بدلاً من "التصنيف الشامل بحسب بلد المنشأ".
ويطالب الحزب بالامتثال لجميع القواعد الإنسانية والدستورية عندما يتعلق الأمر بضمان حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. ويشدد على أن "عمليات الإعادة القسرية هي انتهاك صارخ للقانون الدولي، ويجب معاقبة مرتكبيها".
ويدعو "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" إلى إجراء تقييمات بشكل منتظم للوضع الأمني في البلدان الأصلية لطالبي اللجوء، والتي تؤخذ في الاعتبار في إجراءات اللجوء الفردية. كما يؤكد على ضرورة توسيع فرص الهجرة القانونية للأشخاص الراغبين في العمل داخل الاتحاد الأوروبي.
وبالإضافة إلى ذلك، يطالب الحزب بزيادة الطرق القانونية لوصول اللاجئين إلى أوروبا، مثل تعزيز برامج إعادة التوطين التي تديرها الأمم المتحدة. كما يرفض بشكل قاطع نقل طالبي اللجوء إلى دولة ثالثة خارج الاتحاد الأوروبي، أو ما بات يُعرف بـ "نموذج رواندا". ويؤكد على الحق الفردي في اللجوء في أوروبا.
حزب الخضر
يؤمن حزب "الخضر" بأن أوروبا تتحمل مسؤولية عالمية تجاه اللاجئين. ويشير برنامجهم الانتخابي إلى أن "تشديد قوانين اللجوء لا يعالج أسباب الهجرة". ويدعو الحزب الاتحاد الأوروبي إلى ضمان حق الإنسان في اللجوء والامتثال للالتزامات الإنسانية والقوانين الدولية، ويرى أن تجاهل قانون الاتحاد الأوروبي أصبح أمراً شائعاً في سياسة اللجوء. وفي العديد من الأماكن، تُنتهك حقوق الإنسان للاجئين على حدود أوروبا وداخل دول الاتحاد الأوروبي.
يدعو الخضر إلى اعتماد "سياسة لجوء مشتركة طويلة الأجل، منظمة وعادلة". ويركز على أن المبادئ التوجيهية لسياسة الهجرة يجب أن تقوم على "الإنسانية والنظام". كما يشدد على ضرورة أن يسهم الاتحاد الأوروبي في "تمكين الناس من العيش حياة آمنة وسلمية في مناطقهم الأصلية".
ويؤيد الحزب "سيادة القانون والمعاملة الإنسانية للأشخاص الذين يلتمسون الحماية"، بالإضافة إلى ضمان إجراءات لجوء عادلة في أوروبا. ولذلك، يرفض حزب الخضر مفهوم البلد الثالث، الذي يقضي بنقل اللاجئين إلى بلد ثالث يعتبره الاتحاد الأوروبي آمناً لإجراء طلبات اللجوء هناك.
يدعم حزب الخضر اتفاقيات الهجرة مع دول خارج الاتحاد الأوروبي، بشرط أن تكون قائمة على الشراكة واحترام حقوق الإنسان. ويقترح تكليف الأمم المتحدة بتنظيم توزيع طالبي اللجوء على البلدان المضيفة، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، بطريقة منظمة تعكس روح التضامن.
ويشدد الحزب على ضرورة ألا تؤدي الإجراءات الحدودية المباشرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي إلى "إنشاء المزيد من مراكز الاحتجاز الكبيرة مثل (موريا) في اليونان". كما يرى أن هناك حاجة ملحة إلى مبادرة أوروبية للإنقاذ البحري المنسق والممول من قبل الدول، من أجل ألا يُترك العديد من اللاجئين لمصيرهم في البحر الأبيض المتوسط، لذلك، يقترح تطوير وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية فرونتكس (Frontex) لتكون أكثر فعالية، على أن ترافقها مراقبة مستقلة تشمل صلاحيات التحقيق، بالإضافة إلى ضرورة معاقبة عمليات الإعادة غير القانونية بشكل صارم من الناحيتين القانونية والسياسية.
وبحسب الخضر فإنه "يجب على أي شخص لم يُمنح حق الإقامة بعد فحص دقيق لمتطلبات قانون اللجوء والإقامة وبعد استنفاد جميع السبل القانونية أن يغادر البلد مرة أخرى بسرعة، شريطة عدم وجود عوائق للترحيل، وأن تكون للعودة الطوعية الأسبقية على تدابير الإعادة القسرية". وبالوقت نفسه يرفض الحزب ترحيل الأشخاص إلى البلدان التي تُنتهك فيها حقوق الإنسان أو القانون الدولي. كما يطالب بإعادة الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم جنائية خطيرة "على سبيل الأولوية" بعد قضاء مدة عقوبتهم.
وبالنسبة للاجئين الذين يعيشون في أوروبا منذ فترة طويلة، وبعضهم لديه أطفال ولدوا هنا، ويسهمون في المجتمع ويعملون في وظائف. يريد حزب الخضر أن "يُمنحوا آفاقاً أفضل". ويرى أنه "من غير المعقول أن يضطر هؤلاء للقلق من الترحيل يومياً، بل يجب الاعتراف بإنجازاتهم واندماجهم". لذلك يدعو الحزب إلى "تغيير المسار في نظام الهجرة الأوروبي"، أي خيار إقامة قانونية مماثلة لمعاملة العمال المهرة الأجانب.
الحزب الديمقراطي الحر (FDP)
الحزب الديمقراطي الحر أو كما يُعرف بالحزب (الليبرالي) وهو شريك الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر في ائتلاف "إشارة المرور" الحاكم. يرى أن هناك حاجة إلى "مزيد من السيطرة والنظام" في التعامل مع "مشكلة الهجرة غير النظامية"، ويرحب بـ "ميثاق الهجرة واللجوء" الأوروبي ويدعو الآن إلى تطبيقه بشكل متسق.
ورغم التزامه "بحق الحماية من الاضطهاد"، إلا أن الحزب يدعم تشديد الإجراءات تجاه من ليس لديهم فرصة للبقاء، ويطالب بـ "منعهم من دخول الاتحاد الأوروبي إذا أمكن". ويدعو إلى تأمين حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية بشكل قوي وفعال، باستخدام التكنولوجيا الأمنية الحديثة. بالإضافة إلى "ضمان إعادة اللاجئين الذين أقاموا في بلد ثالث آمن خارج الاتحاد الأوروبي. وبصفة عامة، يسعى الحزب إلى تمكين فحص طلبات اللجوء في دول ثالثة.
ووفقاً للبرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي الحر، "ينبغي نقل طالبي اللجوء إلى أماكن آمنة خارج الاتحاد الأوروبي حيث يمكن فحص طلبات لجوئهم قبل دخول دول الاتحاد الأوروبي".
الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU)
يُعتبر "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" وهو حزب المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، أكبر حزب معارض في ألمانيا. ويدعو الحزب إلى مراقبة أفضل للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ويريد أن تصبح وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" قوة شرطة حدود وخفر سواحل حقيقية تتمتع بصلاحيات سيادية لتتمكن من إيقاف الهجرة غير الشرعية بشكل فعال.
ومن الواضح أن الحزب يسعى إلى الحد من الهجرة غير النظامية، لكن دون الاستغناء عن الهجرة القانونية للعمال المهرة. ويقول "نحن ملتزمون بشدة بالتزامنا الإنساني بمساعدة الأشخاص المضطهدين، لكن في الوقت نفسه، تطرح الهجرة غير الشرعية مشكلات كبيرة للاتحاد الأوروبي بأكمله ولألمانيا على وجه الخصوص. ونحن نريد وقف هذه الهجرة". ولهذا السبب يؤيد الحزب "ميثاق الهجرة واللجوء" الأوروبي الجديد، ويرى أن "نتائجه خطوات مهمة في الاتجاه الصحيح ويجب تنفيذها في أسرع وقت ممكن".
ويُعد "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" من أوائل الأحزاب التي طالبت باعتماد "نموذج رواندا" في ألمانيا، وجاء في برنامجه الانتخابي أنه "يجب نقل كل من يتقدم بطلب لجوء في أوروبا إلى بلد ثالث آمن خارج الاتحاد الأوروبي والخضوع لإجراءات هناك، وفي حال الاعتراف بهم، يجب أن يمنحهم البلد الثالث الآمن الحماية".
ويرحب الحزب باتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس التي تتلقى أموالاً مقابل اتخاذ خوات أقوى ضد المهربين ومنع عبور طالبي اللجوء إلى أوروبا، ويطالب الحزب بإبرام اتفاق مماثل مع مصر، بالإضافة إلى تجديد الاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.
حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD)
يرى حزب "البديل" اليميني المتطرف في برنامجه الانتخابي أن "حماية الحدود الخارجية من الهجرة غير الشرعية بشكل فعال هي واحدة من المهام الرئيسية الثلاث لأوروبا". معتبراً أن "هجرة المسلمين من الدول ذات الطابع الثقافي الإسلامي تمثل مشكلة خاصة، وبالتالي يجب إخضاعها لقواعد صارمة وتقييدها على نطاق واسع". ويعتقد الحزب أن "سياسة اللجوء والهجرة في أوروبا تسببت في اضطرابات اجتماعية كبيرة".
ويدعو الحزب إلى إلغاء "ميثاق الهجرة واللجوء" من المعاهدة الأوروبية، والتي تعد واحدة من المعاهدات المؤسسة للاتحاد الأوروبي. ويرى "ضرورة إعادة مسؤولية سياسة اللجوء والهجرة إلى الدول القومية". وبالنسبة له "يجب أن تكون البرلمانات الوطنية هي الجهة الوحيدة التي تمتلك الشرعية الديمقراطية اللازمة لاتخاذ القرارات المتعلقة بالهجرة".
ويشدد حزب "البديل" على "ضرورة إبعاد المهاجرين غير الشرعيين عند الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي حيثما أمكن". ويؤيد "نموذج البلد الثالث الآمن" أو ما يُسمى "نموذج رواندا". كما يدعو إلى "ترحيل اللاجئين الذين ارتكبوا جرائم إلى بلدان ثالثة مستعدة لقبولهم، في حال تعذر ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية".
ويطالب الحزب في برنامجه الانتخابي بإعادة اللاجئين القادمين من مناطق الحروب إلى بلدانهم في حال انتهاء الحرب. ويرفض أيضاً برامج إعادة توطين اللاجئين في الاتحاد الأوروبي، وبشكل عام يرفض اللوائح والالتزامات الدولية لقبول اللاجئين "كما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة للهجرة وميثاق الأمم المتحدة للاجئين". كما يدعو أيضاً إلى "إنشاء مراكز احتجاز بالقرب من الحدود لضمان تدابير إنهاء الإقامة في حالة رفض طلبات اللجوء".
حزب "اليسار"
يؤيد حزب "اليسار" اتحاداً أوروبياً يوفر الحماية والأمان للاجئين الذين يعانون الفقر والبيئة والمناخ، والهاربين من الحرب، ولا يعقد صفقات مع الطغاة". ويرى أن "السجل المروع للسياسات الانعزالية الأوروبية مع غرق ما يقرب من 30 ألف طالب لجوء في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014، يجب أن يؤدي إلى تغيير جذري في سياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي".
وينتقد الحزب الظروف اللاإنسانية في المخيمات على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. ويتهم وكالة (فرونتكس) بـ "التورط بشكل غير مباشر على الأقل في عمليات الطرد أو التستر عليها". لذلك يدعو إلى "تحويل وكالة فرونتكس إلى بعثة إنقاذ أوروبية، وآلية مراقبة فعالة ضد عمليات الإعادة القسرية وانتهاكات حقوق الإنسان على الحدود".
ويرى حزب "اليسار" أن "الاتحاد الأوروبي ينتهك حالياً اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين يومياً، على الرغم من التزامه باحترامها، حيث يتعرض الأشخاص الذين يلتمسون الحماية لسوء المعاملة والترحيل غير القانوني على حدوده الخارجية".
يرفض الحزب "ميثاق الهجرة واللجوء" الأوروبي المشترك، ويعتبره "إعلان إفلاس أخلاقي ورضوخ للقوى اليمينية في أوروبا". ويرى أنه "يفاقم الوضع على الحدود الخارجية، ويسجن الأشخاص الذين يطلبون الحماية ويعرض حياة البشر للخطر". ويقول الحزب "نحن نريد نظام استقبال إنساني وقائم على حقوق الإنسان يضمن الرعاية والإيواء الإنساني للأشخاص الذين يلتمسون الحماية في جميع الأوقات دون قيود".
كما يرفض تماماً نقل طالبي اللجوء إلى دولة ثالثة خارج الاتحاد الأوروبي، "نموذج رواندا". وكذلك عمليات الترحيل، وينتقد بشكل عام اتفاقيات الشراكة التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع ما يسمى "البلدان الثالثة الآمنة"، حيث تتلقى دول مثل تونس نحو 1.5 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي، لكنها في الوقت نفسه تتعرض لانتقادات من البرلمان الأوروبي بسبب مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان. ويقول الحزب إن "هذه فضيحة، نحن نرفض أي تقدم في الدفاع عن الحدود، سواء كان ذلك في إفريقيا أو في أي مكان آخر، فلا صفقات مع الديكتاتوريات".